IMLebanon

«التيار البرتقالي» في السلطة: أين المعارضة؟

قبل نحو عشرة أيام، فاجأت الناشطة في «التيار الوطني الحر» مارلين بطيش متتبعيها عبر موقع «فايسبوك» بخبر استقالتها من الحزب، ليس اعتراضاً على أداء القيادة ولا التحاقاً بصفوف المعارضة، بل «انتصاراً لكرامتها» كما قالت، ورداً على إنذار خطي وجه لها، بواسطة قاضي الأمور المستعجلة، بتهمة انتحال صفة انتماء لـ «التيار»، مؤكدة أنها حزبية وملف تجديد بطاقتها يحمل الرقم 2 وهي التي تولت تجديد بطاقة العماد ميشال عون.

القضية ليست في حالة مارلين بطيش التي تتولى إدارة لجنة المعلوماتية المركزية منذ عام 2008، مع أنّها أحد الرموز الناشطين القدامى، ولكن يقول البعض إنه المسار التنظيمي الذي ينتهجه الحزب منذ تولي جبران باسيل رئاسته.

يصعب وصف الحالة التي يمرّ بها الحزب في لحظاته الراهنة، بعدما صار الأب المؤسس والقدوة والمثال والنموذج رئيساً للجمهورية.

المتحمسون لـ «التيار» يصفونه بـ «حزب العهد» الذي سيغرف من معجن المكاسب السلطوية بشكل لم ينله أي حزب مسيحي منذ قيام الطائف حتى الآن. هكذا يرونه خزاناً برتقالياً سيستقطب سيلاً من الكوادر التي ستنفلش في الادارة العامة والمواقع الوظيفية، ليصير الحزب قوة ضاربة تصعب هزيمتها.

البعض الآخر يراه حزباً جديداً، لا شيء فيه من «التيار العوني» إلا الاسم. أما روحه، فلها طبيعة أخرى. كثر من «حراس هيكله» القدامى صاروا خارجه، ومناضلو الزمن الجميل صاروا «مغضوباً عليهم»، أو «ضالين».

في بداية التسعينيات، يوم التقت مجموعة من الطلاب والناشطين المتحمسين للجنرال المنفي، على خلفية مقاومة «الوصاية السورية» بالأسلوب «الغاندي»، كان للنضال حينها عنوان محدد، وهي عودة ميشال عون الى الوطن وإخراج السوري من البلاد.

ومع عودة «الجنرال» في ربيع عام 2005، كان الأداء المعارض بوصلة العونيين بعد عزلهم وإقصائهم بفعل «الحلف الرباعي»، لتصير المشاركة في السلطة على قاعدة استعادة الحقوق المهدورة، هدفاً محدداً. من ثم لبس «التيار» عباءة الإصلاح والتغيير كي لا يكون شاهد زور على شبكة مافياوية تأخذ من الدولة ولا تعطيها.

الى أن تغيّر كل المشهد.

«التيار» هو اليوم على رأس السلطة، أمّ الصبي وأبوه. شريك التركيبة «الملعونة» التي لم يوفرها من اتهامات الفساد والإفساد. تحوّل الحزب من تيار مناضل لقضية وطنية كبيرة، الى واحد من مكوّنات السلطة، متشابك بفعل التفاهمات مع بقية المكونات… ويعيد صياغة قضيته.

عشية انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية، كان بعض المعارضين يحاولون تنظيم صفوفهم. لقاءات مناطقية وأخرى مركزية تسعى الى رسم خريطة طريق لكل عوني لا يجد نفسه منسجماً مع أداء القيادة. لم يكن الهدف الانفصال التام عن التنظيم الأم ولا تأسيس حزب رديف ولا حتى التخطيط للانقلاب أو التمرد. كل المطلوب هو تصويب الأداء وإعادته الى سكة المأسسة السليمة كما يرونها.

بعد 31 تشرين الأول، تغيّرت المقاربة كلياً.

ليس تفصيلاً بسيطاً أن يكون ميشال عون في قصر بعبدا بعد انتظار دام أكثر من ربع قرن. مهما راكم المعترضون ملاحظاتهم على أداء القيادة الحزبية، فلا يمكن لهم أن يقفزوا فوق واقعة وصول زعيمهم و «مرشدهم» الى الكرسي الأول. هذه فرصة للتغيير قد لا تتكرر، بالنسبة لكل مسيحيي هذا الخط وليس فقط للعونيين. ولهذا ثمة هامش لا يمكن تجاوزه. ليس مسموحاً لهذا العهد أن يفشل بمعزل عن الأخطاء التي ارتكبت قبل تلك اللحظة.

ولهذا بدا المعارضون في حال صمت أو جمود، باستثناء محاولة عونيي بيروت التعبير عن حماستهم لترئيس الجنرال، والتي أفشلت بسبب حسابات مسؤولي الأشرفية الانتخابية، إلى حد أن رفع صورة «كان يمكن أن يؤدي الى استدعاء قوات «اليونيفيل» إلى الأشرفية»، على حد تعبير أحد المعارضين!

أما غير ذلك، فانكفأ المعارضون الى الخلف، من دون أي ردة فعل. قد تكون حالة مراكمة وانتظار وإعادة تجميع للأفكار، ومنح العهد كل فترة السماح التي يحتاجها. التنسيق قائم واللقاءات مستمرة. ولكنه الهدوء التام على وجه الماء.

على الضفة الرسمية، ترأس باسيل أمس اجتماع المجلس السياسي لـ «التيار» الذي يعقد عادة اجتماعاته كل شهر تقريباً، حيث لم تتطرق النقاشات الى الوضع الحكومي، وقد أكد رئيس الحزب أن الرئيس عون يريد أن يكون على مسافة من كل القوى وهو مصرّ على أن تكون كل الأطراف ممثلة بالحكومة… إضافة الى مواضيع تنظيمية أخرى.