IMLebanon

الانتخابات البلدية ومخاوف التعطيل

كل من يسمع إذاعة «صوت الشعب» يسأل عن سرها، وكيف أمكن لها أن تستمر، وهي المحاصرة من شركات الإعلان، وهي الصوت الغريب الذي لا يطيقه اي متمول، اي منتم لعصبة رجال الأعمال وطغمة المال.

هي المحاصرة وغريبة الأطوار. لا يكف العاملون فيها عن «النق» من موازنة هشة، تزيد كل شهر من تراكم الديون عليها وعليهم. ومع ذلك تستنجد بالفقراء، بالمستأجرين، بالعمال والمعلمين والموظفين والمتقاعدين.. تفتح لهم أثيرها بما يزيد كثيراً عن الوقت المخصص للسياسة والسياسيين.

اصحاب الحظوة والمال من السياسيين والاعلاميين، يذهبون الى دول النفط. أما صوت الشعب «الفقيرة» فتذهب الى فلسطين وشعبها.

الطوائف تمول اعلامها، وهذه الاذاعة تذهب الى الحراك الشعبي. ترى فيه الامل، ليس الأمل «الخاص»، بل تراكم شروط التغيير الديموقراطي.. وهذا ليس بجديد، او ليست هي الإذاعة شبه الوحيدة، التي بقيت، مع قليل من الصحف اليومية، تقارع الاحتلال الصهيوني وتلتصق «بجمول» (جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية)؟

أليست هي من رفض كبت الحريات، ايام حكم «الترويكا» المغطى من الأجهزة الأمنية اللبنانية ـ السورية؟

نعم هذا سرها. هي بنت شعبها، وبنت حزبها وبنت الفقراء والمحرومين ورفيقة دربهم. هي بنت العروبة التقدمية وشقيقة فلسطين وصوتها.. هي عنوان الكرامة الوطنية، لا يعيبها الفقر والحصار، بل يفرحها انه برغم ذلك، هي غنية بقائمة المستمعين اليها..

غنية بمناضليها، بموظفيها، بالعاملين فيها، بأصدقائها، بخريجيها المنتشرين في كل وسائل الاعلام اللبناني والعربي وحتى العالمي.

لهم جميعاً، ولآخر من افتقدنا. «لوردتهم البرية»، زينب ياغي، ألف وردة في عيد «صوت الشعب» التاسع والعشرين.

***

برز أمر ايجابي وحيد في جلسة مجلس الوزراء الأخيرة، تمثل بإقرار التغطية المالية للانتخابات البلدية والاختيارية والانتخابات النيابية الفرعية في جزين.

لا بد من الإشارة هنا، الى ان الحركة التي بدأت من خلال المجتمع المدني والمنظمات الشبابية والأهلية والمطالبة بإجراء الانتخابات البلدية، كان لها دور بارز في إقرار هذه الخطوة الأولية.

إن هذا القرار، لا يعني ابداً ان الدولة جادة في إجراء هذه الانتخابات، فإمكانية التراجع والتعطيل لا زالت موجودة، وهي دائماً صفة من صفات الطاقم السياسي. وها هو تصريح رئيس الحكومة تمام سلام واشتراطه التوافق السياسي لإجراء الانتخابات يؤشر الى امكانية جدية للإلتفاف على هذا القرار خصوصا وأن جزءاً اساسياً من هذه القوى، إن لم يكن كلها، يدفع باتجاه استمرار سياسة التمديد للمؤسسات وبالتالي تعطيلها، تسهيلاً لمنطق المحاصصة وغياب المحاسبة.

وما يعزز شكوكنا، هو ممارسة السلطة تجاه قضية النفايات، وحرص الحكومة وأطرافها على التحاصص، على حساب أموال البلديات، من خلال المناقصات والقرارات المعتمدة، والتي رست على موضوع الترحيل المشبوه.

الأهم بالنسبة للتحالف الحكومي القائم، هو ان اجراء الانتخابات البلدية يكشف زيف ادعاءاتهم بعدم القدرة على اجراء الانتخابات النيابية وسوى ذلك من الممارسات اللاديموقراطية، ما قد يدفعه للإلتفاف على هذه الوجهة وربما التذرع بالأوضاع الأمنية مجدداً لمنع الانتخابات البلدية وتأجيلها.

أمام هذه الاحتمالات، فإن القوى الديموقراطية والجمعيات الأهلية والشبابية على المستوى الوطني وفي كل قرية ومدينة، مدعوة لممارسة كافة اشكال الضغط الديموقراطي والشعبي، لحماية الحق بإجراء الانتخابات البلدية ولفرض إجرائها في مواعيدها.

وفي الوقت عينه، وفي مواجهة الشكل الآخر من مصادرة الديموقراطية ووأدها ومن مصادرة حق القرى والبلدات في التنمية والحق في مواجهة الفساد والمحاسبة على مستوى كل قرية ومدينة، فإن خلق حالة ديموقراطية داخل كل قرية ومدينة، يشكل مهمة وطنية أمام قوى التغيير.

إن الانتخابات البلدية والضغط من اجل تكريسها، كلاهما يرسم طريقاً جدياً لإنشاء اطر ديموقراطية داخل كل قرية ومدينة، تضع اساساً لبناء إطار ديموقراطي وطني، يشكل قاعدة للإنقاذ الوطني ولإعادة بناء الدولة على اسس ديموقراطية علمانية.

من هنا، تأخذ معركة الانتخابات البلدية، معركة فرضها والمعركة بذاتها، اهمية وطنية كبرى، تتعدى اليوم صيغتها التقليدية.

(*) الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني