IMLebanon

قمة نواكشوط.. وتسمية الخطر الإيراني

كان مهما انعقاد القمة العربية في نواكشوط. كانت القمّة صورة عكستها مرآة لما هو عليه وضع المنطقة. كانت قمّة من اجل القمّة وذلك في غياب القدرة على اتخاذ قرارات كبيرة ذات طابع استراتيجي يمكن ان تكون لها نتائج على ارض الواقع. انّها قمة انقاذ ما يمكن إنقاذه. وهذا ما ادركه المغرب الذي اعتذر عن عدم استضافة القمة في آذار ـ مارس الماضي نظرا الى انعدام أي فرص نجاح لها. اعتاد المغرب على استضافة القمم العربية في كلّ مرّة كانت هناك حاجة الى اتخاذ قرارات كبيرة بدءا بالقمة التي تلت حريق المسجد الأقصى في 1969. 

في هذه الايّام، لا مجال، ولا ظروف مهيّأة، لاتخاذ أي نوع من القرارات، علما انّه تبقى لقمة نواكشوط اهمّية وحيدة. تكمن هذه الاهمّية في الموقف الواضح من السياسة الايرانية المعادية لكلّ ما هو عربي في المنطقة. 

باستثناء القول ان العرب ما زالوا يجتمعون، لم تحقق القمة شيئا يذكر. كشفت ما لم يعد سرّا وهو ان العرب لم يعودوا عالما واحدا، بل عوالم. كلّ من هذه العوالم منشغل بنفسه ومشاكله وبتحديات معيّنة. لم يعد يجمع بين هذه العوالم العربية سوى خطر واحد هو خطر المشروع التوسّعي الايراني الداهم الذي يستهدف كلّ عالم من العوالم العربية الممتدة من الخليج الى المحيط الأطلسي.

هذا الخطر في كلّ مكان. في شمال افريقيا وفي المشرق العربي وفي الخليج. انّه يعبّر عن نفسه باشكال مختلفة، علما انّ في أساسه استخدام الميليشيات المذهبية لتدمير ما بقي من مؤسسات في الدول العربية، فضلا عن وضع اليد على القرار في هذه الدولة العربية او تلك. ما لا بدّ من الاعتراف به ان ايران استطاعت وضع اليد على العراق. يكفي الاستماع الى الخطاب الذي القاه إبراهيم الجعفري وزير الخارجية العراقي للتأكد من ذلك. بالنسبة الى وزير الخارجية العراقي، الذي رأس وفد بلاده الى القمّة، ما يجري في العراق اكثر من طبيعي، بما في ذلك ممارسة عمليات تطهير ذات طابع مذهبي في مناطق عدة. كلّ المطلوب ان يوفّر العرب غطاء للسياسة الايرانية في العراق، بما في ذلك تحويل «الحشد الشعبي» المكوّن من ميليشيات مذهبية الى ما يشبه «الحرس الثوري» الايراني… ولكن في العراق. لا اكثر ولا اقلّ من ذلك. لعلّ اكثر ما كان ملفتا في كلمة الجعفري ذلك التركيز على التصعيد مع إسرائيل واستخدام كلّ ما في الخطاب الايراني من عبارات تستهدف المزايدة على العرب في الموضوع الفلسطيني. في الواقع، لم يكن كلام وزير الخارجية العراقي سوى تأكيد للقدرة الايرانية على استخدام ايران للعراق في عملية تصب في تحويل الأنظار عن مشروعها الهادف الى تفتيت العوالم العربية من منطلق مذهبي. 

منذ قيام دولة إسرائيل، خاض العرب حروبا كثيرة معها. خسروا كلّ تلك الحروب. من لا يعترف بذلك، انّما يعيش في عالم آخر لا علاقة له من قريب او بعيد بالواقع. كلّ ما هناك ان أنظمة عربية استخدمت القضية الفلسطينية لتبرير القمع الذي مارسته في حقّ المواطن العربي. على الرغم من ذلك كلّه، وعلى الرغم خصوصا من نتائج حربي 1967 و1973، بقي العرب قادرين على احتواء الخطر الإسرائيلي. لم تخترق إسرائيل المجتمعات العربية. لم يتغيّر شيء لا في مصر ولا في الأردن بعد توقيع البلدين معاهدتي سلام مع إسرائيل. استعادت مصر سيناء بنفطها وغازها واستعاد الأردن حقوقه في الأرض والمياه وحمى نفسه في الوقت ذاته. اكثر من ذلك، استطاع الأردن تحديد الخطوط العريضة لما يمكن ان تكون عليه حدود الدولة الفلسطينية في حال قامت في يوم من الايّام.

تعكس قمة نواكشوط تطورا في التفكير العربي. كلّ ما يستطيع العرب عمله هذه الايّام هو الاجتماع. لم ينسوا القضية الفلسطينية، لكنهم لم يتجاهلوا الخطر الايراني الذي يهدّد مجتماعاتهم من داخل. وفي ذلك جرأة كبيرة ورفض للخضوع للابتزاز. ما الذي تفعله ايران في العراق؟ ما الذي تفعله في سوريا؟ ما الذي تفعله في اليمن؟ ما الذي تفعله في لبنان حيث تمنع حتّى انتخاب رئيس للجمهورية؟ كيف تتصرّف تجاه البحرين ولماذا ذلك الإصرار على ان تكون لها خلايا واسلحة ومتفجرات في الكويت؟

في قمة نواكشوط، امتلك العرب ما يكفي من الشجاعة لتسمية الأشياء باسمائها من دون مواربة. الاهمّ من ذلك، كشفت القمة كم صار العراق تحت الوصاية الايرانية وكشفت أيضا حجم الضغوط التي يتعرّض لها لبنان بسبب وجود ميليشيا مذهبية مسلحة تابعة لايران في أراضيه اسمها «حزب الله». تمنع هذه الميليشيا الحكومة من ان تكون قادرة على اتخاذ موقف صريح الى ابعد حدود من المشروع التوسّعي الايراني.

كشفت قمّة نواكشوط حجم المخاطر التي تهدّد الشرق الاوسط، خصوصا في ظل سقوط العراق والحرب الدائرة في سوريا وهي حرب على الشعب السوري تشنها ايران وروسيا مستخدمة النظام الاقلّوي غطاء من اجل الانتهاء من هذا البلد… بالتواطؤ مع إسرائيل طبعا. كشفت التداخل بين «داعش« السنّية و»الدواعش» الشيعية التي تتبادل الأدوار في مجال تدمير كلّ ما بقي من مؤسسات الدولة في المنطقة في ظلّ غياب مصري ساهم الى حد كبير في تكريس اختلال في التوازن لا سابق له في تاريخها.

في عالم يشهد يوميا تشويه صورة الإسلام، كان مفترضا في قمة نواكشوط ان تذهب الى ابعد مما ذهبت اليه في تحديد ان «داعش» يقتات من التطرف وانّ في أساس هذا التطرف ممارسات ايران في العراق عبر حكومة حيدر العبادي وقبلها حكومة نوري المالكي، فضلا بالطبع عن ما يقوم به النظام السوري المتخصص في تشجيع الإرهاب والارهابيين لتبرير وجوده، علما انّه صار في مزبلة التاريخ منذ زمن طويل.

ثمّة حاجة الى الذهاب الى ابعد من ادانة إرهاب «داعش» والقيام بخطوات عملية يمكن ان تتخذ شكل تشكيل «جيش إسلامي» مهمّته محاربة الإرهاب وكل ما يمثّله «داعش» واخوانه واخواته. 

لعلّ ما ورد في الخطاب الذي اُلقي باسم الملك عبدالله الثاني في القمّة يعطي فكرة عن اهمّية خوض المعركة مع الإرهاب. يقول العاهل الأردني: «ان الارهاب الذي يعصف بمنطقتنا لا يعترف بحدود او جنسية، وهو يسعى الى تشويه صورة الإسلام ورسالته السمحة والتصدي له. الحرب هي حربنا نحن المسلمين ضد خوارج هذا العصر، حربنا للدفاع عن ديننا ومستقبلنا. اما ان نواجه فرادى او نأخذ القرار الصائب بالعمل الجماعي الشمولي. لا توجد دولة محصنة من خطر الإرهاب وشروره او قادرة على مواجهته بمعزل عن محيطها الإقليمي والدولي».

كانت قمّة نواكشوط علامة فارقة. حددت الخطر الداهم المتمثل في المشروع التوسعي الايراني ورفض ايران ان تكون دولة طبيعية في المنطقة، فضلا عن استغلالها العدوانية الإسرائيلية لإحراج العرب. ما العمل انطلاقا من هذا الواقع الذي يزيده تعقيدا الإرهاب الذي يمارس باسم الإسلام؟ 

هل من مخرج من هذا المأزق الذي وجد العرب نفسهم فيه؟