IMLebanon

جهات سياسية نصحت الحريري بالتعاون مع دمشق

سنة 2008، قام رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري بزيارة للرئيس بشار الأسد في قصر المهاجرين بطلب من العاهل السعوديّ الملك عبدالله، هدفت  الزيارة بوضوح تام لإرساء قاعدة تهدويّة بين لبنان وسوريا، وبين تيار المستقبل والنظام السوريّ، بعد اتهام الحريري والسعوديّة خلفه الأسد باغتيال الرئيس رفيق الحريري، وكان الملك عبد الله يقرأ علامات الأزمنة المنصبة على الأرض بالمعنى المختزَن باغتيال رفيق الحريري وتماهيه مع أحداث العراق. جاءت الزيارة على خلفية إنقاذ لبنان من المطبّات التغييريّة، التي عادت وتفجّرت في العالم العربيّ وبلغت ذروتها في سوريا. نعتت الزيارة آنذاك بالإنقاذيّة، وانتفت ديمومتها خلال زيارة الحريري للولايات الأميركيّة، هناك رأى الحريري أن قواعد اللعبة آيلة إلى التغيّر فطلب منه التنحّي بل طلب أن يتريث حتى تنفجر الفوضى الخلاّقة ليعود من جديد إلى خيار المواجهة مع النظام السياسيّ واتهام الرئيس السوريّ بالإجرام وقتل شعبه، وذهب إلى ما هو أبعد، إلى التعاون مع الأتراك، ومن تمّ تسميتهم بالثوار للانقضاض على الرئيس الأسد لتتخذ المواجهة الصفة المذهبيّة.

إيراد تلك الرواية بحدّ ذاتها تقودنا بالقسم الأوّل منها للتأمّل بما حدث ويحدث في لبنان، وبخاصّة للتأمّل في ملّف دقيق بدأ يشكّل عبئًا على لبنان واللبنانيين، وهو ملفّ مخيمات النازحين السوريين، ليس العبء ناتجاً من السوريين أنفسهم بل من كون الخلايا الإرهابيّة راقدة في المخيمات وتستهلكها منطلقاً لعملياتها الإرهابيّة في الانقضاض على أهداف محدّدة. وتظهر الإحصاءات الأخيرة بأنّ عدد النازحين السوريين بلغ المليونين ونصف لاجئ وهم متروكون للقدر. ويعلم الجميع بأنّ لبنان استهلك ملف النازحين الفلسطينيين فتحوّلت إلى قنابل انفجرت تباعاً في لبنان وفق خطط مدروسة تجمعت فيها كلّ مسألة الشرق الأوسط، فنمت في رحمها القضيّة اللبنانيّة. وجاء كلّ ذلك وفقًا لتقديرات حاول الأميركيون التسويق لها وهي حلّ القضيّة الفلسطينيّة على حساب الوجود اللبنانيّ والوجود المسيحيّ فيه لتسقط تلك التقديرات وتنفجر أزمات عديدة ضمن ثابت استراتيجيّ اميركيّ تحوم حوله مجموعة تبدلاّت في قواعد اللعبة وفي صفقات كلّها انطلقت من هذا الثابت عيناً.

مخيّمات اللاجئين السوريين عوامل تأزيميّة للواقع اللبنانيّ، بإطاريه الطائفيّ والمذهبيّ. لماذا هي هكذا؟ ثمة معلومات بدأت تنكشف تباعاً تشير بأنّ السنيّة السياسيّة اللبنانيّة تضع هذا الملفّ كمحتوى تكتيكيّ وخيار استراتيجيّ في مواجهة من يشاؤون تغيير الطائف أو الاتجاه نحو مؤتمر تأسيسيّ، ويتبيّن بنتيجة ذلك بانّ الطائف بات بالنسبة للسنيّة السياسيّة حالة وجوديّة، وملفّ النازحين طريق نحو ترسيخ تلك الحالة الوجوديّة بالنسبة للسنيّة السياسيّة المستولِدة للمسيحيين في كنفها. في السابق استهلكت المخيمات الفلسطينيّة فنشأت منظمة فتح لتصير تلك المنظمة جيش المسلمين السنّة، والخشية أن تستهلك ورقة المخيمات السوريّة لتبدو الخلايا النائمة فيها ورقة متكاملة الأطراف تنغرس في التربة اللبنانية بعملياتها الإرهابيّة، فتتوكّأ عليها السنيّة السياسيّة كمعطى لفرض شروطها ضمن الإطار السياسيّ الداخليّ.

وبعد العمليات الانتحاريّة في بلدة القاع، ظهرت معلومات تمّ كشفها في مقال سابق بانّ عددًا من الانتحاريين دخلوا القاع من المخيمات في جرود عرسال ومشاريع القاع، بمعنى أن تلك المخيمات قد امست مسرحاً للعمليات الإرهابيّة، وتأتي تلك العمليات بعد إلقاء الجيش اللبنانيّ وبالتحديد مديريّة المخابرات القبض على عدد كبير من الخلايا الخطيرة في البقاع الشماليّ وأماكن أخرى. وفي سياق آخر متكامل طرحت أوساط سياسيّة سؤالاً واضحاً على ضوء ورود كلام على لسان أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون يدعو لتوطين السوريين، هل نوطّن ايضًا الخلايا الإرهابيّة القاطنة في المخيمات؟ وتشي الدعوة بحدّ ذاتها بأنّ حل المسألة السوريّة طويل بالنسبة للمراجع الدوليّة وإن لبنان وسوريا هدفان ومسرحان كبيران للعمليات الإرهابيّة.

وبعد انكشاف تلك العوامل تعتبر مصادر سياسيّة بأنّ السنيّة السياسيّة في لبنان بين وجهتين: إمّا أن تؤكّد على وجه التحديد انتماءها إلى مبدأ لبنان أوّلاً كما قال الرئيس السابق للحكومة سعد الحريري، فتنبذ من بيئتها كلّ العناصر التكفيريّة وتظهر حرصها على مقاتلتهم والقضاء عليهم وتحرير لبنان من إرهابهم، وإمّا انّها ولو بإطارها المعتدل جزء من هذا الكلّ المتراكم على أرض لبنان وتشاء استعمال هذا الملفّ لتدعيم موقفها بعدم الوصول إلى قانون انتخابات في الداخل يؤمّن المناصفة الفعليّة ويسلّم بما يختاره المسيحيون لرئاسة الجمهوريّة.

وعلى افتراض أن الحريري صادق وقد يكون كذلك في إبراز الوجه الوسطيّ والمعتدل للإسلام السياسيّ اللبنانيّ، فإنّ واجبه وواجب تياره على الرغم من البلايا اللاحقة به تسهيل أمور الحكومة تحت مبدأ لبنان أوّلاً، والتحرر من الرهانات الخليجيّة والإقليميّة وتغليب المصلحة الوطنيّة والانطلاق في الحوار مع الحكومة السوريّة بعقلانيّة وهدوء حول ملفّ النازحين لأنّ هذا الملفّ بحدّ ذاته شأن سوريّ-لبنانيّ، وتستهلكه المراجع الدوليّة بغير وجه حق وتحت الستار الاميركيّ – الإسرائيليّ لاستكمال عناصر التفجير ما بين سوريا ولبنان.

وتسأل جهات سياسية الرئيس الحريري ما يلي: عندما ادليت بحديثك الشهير لصحيفة الشرق الأوسط وبرّأت فيه الرئيس بشار الأسد من دم أبيك هل تمّ ذلك بناء على مبدأ لبنان أوّلاً أو أنّه تمّ بناء على طلب عاقل من الملك عبدالله بن عبد العزيز، وعندما انقلبت على موقفك وأعلنت بأنّ بشّار الأسد مجرم فهل تمّ ذلك بناءً على مبدا لبنان أوّلاً أو بناء على بلوغ العلاقة السوريّة-السعوديّة مرحلة الانهيار وتحولها إلى صراع؟ وتكمّل تلك المصادر السياسيّة كلامها لتقول ما يلي: إذا كان الحريري حريصاً على لبنان أوّلاً، وهو يعلم بأن العناصر الإرهابيّة التكفيرية في لبنان منتشرة في المخيمات وتستعملها قاعدة لتواجدها في مناطق عديدة، فما عليه سوى أن يترك الحكومة اللبنانيّة تتواصل مع الحكومة السوريّة، وقد بات هذا الأمر مطلبًا استراتيجيّاً يهدف إلى إعادة عدد كبير من النازحين السوريين إلى بلداتهم وقراهم التي تحرّرت من الإرهاب بدلاً من جعلهم عبئاً ماليّاً واقتصاديّاً على لبنان، وفرط الخلايا الإرهابيّة على الحدود بعمل مشترك يقوّض مسعاهم لتدمير لبنان وجعله قاعدة لهم وإرهابهم ولحرب مذهبيّة بين المسلمين أنفسهم ولصراع بين المسيحيين والمسلمين.

المعطى الجوهريّ يفترض باننا جميعًا نعاني من الإرهاب، ونعاني من تداعياته وانغماسيته في المحيط اللبنانيّ. والمقلب الدوليّ من هذا المعطى يفترض بأن العالم كلّه في حرب على الإرهاب، فالحريري بدوره مدعوّ إلى شفافية في هذا التوجّه ويظهر بأن الإسلام الوسطيّ المعتدل بدوره في حرب على الإرهاب. فإذا تم التسليم بذلك وجب إذاً التوافق مع حزب الله ومع التيار الوطنيّ الحرّ على سلّة الحلّ المقترحة طالما ان الأزمة الداخليّة مترابطة بجزئها الكبير بهذا العامل الخطير، وفي الوقت عينه يفترض أن يفهم بأن التواصل مع السوريين ايسر بكثير من الاندراج في مطالب دوليّة ملغومة تشاء استهلاك لبنان كما استهلكته في القضيّة الفلسطينيّة ليبقى دائم التفجّر.

فهل يحسم الحريري التوجهات ويعيد لبنان إلى القاعدة الميثاقية المتوازنة بعد هجرة طويلة عنها بمبادرة جديّة تفتح آفاقاً واسعة للحلول المرنة، أو أنّه سيبقى جزءاً من الأزمة فيبقي لبنان أرضاً خصبة لانفجارات تتراكم على أرضه وتقوده مجدّداً إلى تمزّق جديد.