IMLebanon

استعراض «القصير» يُكرّس احتلال «حزب الله»

«حزب الله» يُجري استعراضاً عسكرياً بمناسبة يوم «الشهيد» الذي يحتفل به الحزب في كل عام. إلى هنا يبدو الخبر طبيعياً بالنسبة إلى حزب لا تردعه قوانين محلية ولا دولية عن القيام بأي عمل يصب في مصلحته أو مصلحة الحلف الذي ينتمي اليه. لكن ما هو غير طبيعي، أن الإستعراض هذا، أقامه «حزب الله» أمس الأوّل في بلدة القصير السورية التي ضمّها إلى دويلته بعد تهجير أهلها في العام 2013، مانعاً عودتهم حتّى يومنا هذا لاعتبارات لم تعد خافية على أي جهة.

المئات من مقاتلي «حزب الله» شاركوا في الإستعراض العسكري بالإضافة إلى فوج المدرعات وآليات عسكرية متنوعة وضعت على متنها مدافع وصواريخ موجهة، والغريب في الأمر، أن هذا الإستعراض جاء بالتزامن مع التحضيرات التي يُجريها الجيش اللبناني بمناسبة عيد الإستقلال، لتبدو الأمور وكأنها رسائل أراد أن يوجّهها الحزب في أكثر من اتجاه وتحديداً نحو الداخلين اللبناني والسوري. ففي الشق اللبناني قال «حزب الله» بما معناه إنه قوة مُستقلة لا تخضع لقوانين الدولة اللبنانية ولا هو معني بإستقلالها، وان الإستقلال الفعلي هو «تحرير» المناطق السورية من «الإرهابيين». أمّا في الشق السوري، فقد كرّس الحزب نفسه محتلاً وأعلن أن القصير وغيرها من المناطق التي يُسيطر عليها، ستكون من الآن وصاعداً تحت وصايته وأن المفاوضات بشأنها لاحقاً، لن تكون إلا معه وبالشروط التي تُناسبه.

من المؤكد أن الإستعراض العسكري في القصير لم يتم التحضير له بين ليلة وضحاها، بل سبقته تحضيرات لوجستية وحشد للوحدات المقاتلة المتنوعة التي تنضوي في صفوف «حزب الله» من «قوّات خاصة» و»التعبئة العامة» بالإضافة إلى عناصر من «سرايا المقاومة»، وما زاد في اليقين بأن الإستعراض لم يكن عابراً، حضور رئيس المجلس التنفيذي في «حزب الله» هاشم صفي الدين والقاؤه كلمة بالمناسبة نقل خلالها تحيات الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله، مؤكداً «الاستمرار بخيار مواجهة قوى الارهاب حتى الانتصار عليهم ودحرهم». كما أن الحزب ومن خلال استعراضه في بلدة القصير تحديداً، أراد التأكيد على أهميّة هذه البلدة، نظراً الى وقوعها على الحدود السورية- اللبنانية مباشرة التي حوّلها إلى نقطة عمليّات ثابتة له، مكّنته من عزل مناطق ريف دمشق في القلمون، المتصلة مع ريف حمص الجنوبي الغربي، بحيث أصبحت مع مُحيطها، خاضعة بشكل كامل لإدارته الأمنية والعسكرية.

«حزب الله» في سوريا، عنوان لم يعد يقتصر فقط على التواجد العسكري للحزب في العديد من المناطق السورية وتحديداً تلك المحاذية للمناطق الخاضعة لوصايته في البقاع الشمالي، وبسط سيطرته على طول الحدود الممتدة على خط مدينة القصير مرورا بجوسية وصولاً إلى القلمون والزبداني في ريف دمشق ومن دون إسقاط بلدة الطفيل اللبنانية من الحسابات نفسها، وهو ما يثُير خشية وقلق أهالي هذه المدن، التي نزح عنها أهلها بفعل إحتلالها وتهجيرهم إمّا بإتجاه العاصمة دمشق وإما بإتجاه لبنان، من أن تُصبح أملاكهم وأرزاقهم غنائم بيد عناصر «حزب الله«. والاستعراض العسكري في القصير، كرّس هذا الاعتقاد قولاً وفعلاً.

بدوره، يقوم النظام السوري بتسهيل بسط سيطرة «حزب الله» على العديد من المناطق الحدودية.

تحت حجة حماية خاصرته أي العاصمة دمشق من أي تسلل للجماعات المسلحة من لبنان، وهو ما يُعد تفويضاً عامّاً، يتصرف فيه الحزب على هواه داخل هذه المناطق بعد إخضاعها لنفوذه وبالتالي جعلها مستقراً لعناصره ونقاط تجمع متقدمة لهم، على غرار منطقة السيدة زينب في دمشق التي حوّلها الحزب أيضاً الى نقطة تجارية هامة يستثمر فيها رجال أعمال إيرانيون ولبنانيون، مشاريع ضخمة تعود عليهم بالمنفعة المادية. وكل هذه الأفعال، تُسقط الإدعاءات التي دخل «حزب الله» على أساسها إلى كل هذه المناطق السورية، ومنها: حماية العتبات المقدسة، الدفاع عن القرى الحدودية والقيام بعمليات إستباقية لمنع وصول «التكفيريين».

من كلام رئيس النظام السوري بشّار الأسد بأن «سوريا ليست للذي يعيش فيها ولا للذي يحمل جواز سفرها، بل للذي يدافع عنها»، يُمكن إستدلال المرحلة المُقبلة في سوريا، والتي سوف يُكرّس «حزب الله» نفسه فيها مُحتلاً مع مرتبة «الشرف». واليوم بدأ هذا الإحتلال يمتد باتجاه حلب التي يوليها الحزب اهتماماً خاصّاً يُمكن تبيان نتائجه في المرحلة المقبلة. فبعد تأكيدات نصرالله وقادة الحزب لأهميّة المعارك هناك ونتائجها، حضر بالأمس كلام مماثل لرئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد قال فيه: «عندما تستعاد حلب وننتصر على أعدائنا التكفيريين ومن يساندهم، سوف تبدأ مرحلة الإستقرار لتعود تدريجياً إلى بقية المناطق، ولا أقول بأن استعادة حلب سوف تحسم النصر بشكل سحري لكن ستفتح الأبواب واسعة أمام تحقيق مزيدٍ من الإنتصارات»، ما يعني أن الدماء سوف تسيل في كل مكان وأن مزيداً من النكبات سوف تطال الشعبين اللبناني والسوري.

المؤكد أن الشعب السوري، كان ممتعضاً أمس الأوّل وهو يُشاهد قوى غريبة تستعرض سلاحها وعناصرها على أرض لم يعد فيها مكان لفرد منهم. وهم تأكدوا أن أرضهم لن تعود ثانية إلّأ بقرار هم سيُحددون وجهته لاحقاً، وبالنسبة اليهم، فإن القصير التي أصبحت مُحرّمة عليهم، هي نموذج لما ستكون عليه الأمور في مناطق أخرى. وبالتزامن مع كل هذه التحولات الميدانية في سوريا، ثمة أسئلة لا بد وأن توجّه إلى «حزب الله» عن الحلف الذي ينتمي اليه في حربه هذه. ماذا عن علاقة ايران السريّة بإسرائيل والتي تتكشّف يوماً بعد يوم بشكل أوضح إن من خلال اللقاءات بين مسؤولين بعيداً عن الاضواء، أو من خلال التعاون الإعلامي أو ما عُرف بالفضيحة بعد الكشف عن فضائيّات إيرانية تبث من إسرائيل؟ وماذا عن التعاون الإسرائيلي – الروسي الجوي الذي يُمهّد للحزب وللنظام والحرس الثوري الإيراني، تنسيق الهجمات الميدانية في دمشق وحلب؟ وماذا عن تصريح رئيس الوزراء الروسي ديمتري مدفيديف من اسرائيل نفسها الذي قال فيه: «إن إسرائيل أبلغت روسيا أنها تعتبر الرئيس السوري بشار الأسد أفضل لها من سواه، رغم أنها لا تؤيده«؟.

الأكيد أن «حزب الله» الذي هو ضمن حلف يُسيّره ولا يسير معه بحسب ما هو مشاع أو ما يروّجه الحزب في اعلامه وبين حلفائه المحليين، حاول أن يستعيد من خلال إستعراض القصير، بعضاً من ثقة اهتزت في الآونة الاخيرة داخل جمهوره بفعل الخسائر التي تكبّدها في حلب خلال الاسابيع الثلاثة الاخيرة، لكن هذا الجمهور يعتبر أن ما ينقصه لا يُمكن تعويضه باستعراضات «فلكلورية» ولا بوعود مستقبلية، بل ما يهمّه، أن يُزاح عنه شبح الموت من خلال عودة «الشباب» إلى ما كانوا عليه قبل العام 2011.