IMLebanon

سمير جعجع الرَّجُل التاريخي  

ميرفت سيوفي – 

ثلاثة تواريخ في حياة رئيس حزب القوات اللبنانيّة الدكتور سمير جعجع غيّرت مسار لبنان ومصيره إذ أنقذ فيها هذا الوطن في لحظات ظنَّ فيها كثيرٌ منّا أنّه ضاع للأبد وانهارت دولته وأنّ كيانه دُمِّر وتلاشى، وعلى هذه “الإنقاذات” الثلاث ربّما علينا أن نشكره على ما فعله لنا وللبنان.

أنّ لكانون الثاني مع “الحكيم” حكايتان، ومن شاهد أمس رئيس البلاد العماد ميشال عون يُلقي كلمته في التقليد السنوي لاستقبال ممثّلي السلك الديبلوماسي بمناسبة العام الجديد، أدرك أنّ الدكتور سمير جعجع أنقذ الدولة اللبنانيّة من مخطّط تعطيلها وصولاً حتى محوها، وأنّ مبادرة معراب التي تحلّ اليوم الذكرى الأولى على إعلانها أنقذت الوجود المسيحي ومصيره في لبنان من فقدان دوره التاريخي وأنقذ في طريقه طوائف أخرى الكبرى والصغرى منها من محاولة تغيير هويّة لبنان وهويّتها العربيّة أيضاً.

أما كانون الثاني الآخر والذي مرّ عليه منذ ثلاثة أيام إحدى وثلاثين سنة، فكان في الخامس عشر منه في العام 1986، يومها أنقذ “الحكيم” لبنان منذ إرادة تذويبه وإلحاقه محافظة ومرتعاً وخيماً للنظام السوري المحتل، ثمّة ما استوقفني هذا العام مع حلول الذكرى الحادية والثلاثين على إسقاط الاتفاق الثلاثي، وهو مدعاة للتوقّف عنده والتساؤل من وراء هذا “النشاز” الذي يسعى لإقناعنا بأنّ اتفاق الطّائف هو النسخة الثانية من الاتفاق الثلاثي!! هذا النشاز تجاهل أنّ الاتفاق الثلاثي وضعه الإحتلال السوري منفرداً ووقع عليه ثلاثة قيادات ميليشياويّة، فيما وضع اتفاق الطائف نواب الشعب اللبناني تحت رعاية عربيّة ودوليّة، وأنّه نصّ على انسحاب جيش الاحتلال السوري من بعد عامين من توقيع الاتفاق، وأنّ سمير جعجع تحديداً أُدخل إلى السجن لمطالبته المستمرة بتطبيق اتفاق الطائف، وأنّ هذا الاتفاق نصّ على العلاقات المميزة مع سوريا التي اتخذت لاحقاً عقد اتفاق الأخوّة والتعاون بين لبنان وسوريا، فيما نصّ الاتفاق الثلاثي على “التكامل” بين لبنان وسوريا، وهذه الكلمة لا تعني إلا إلحاق لبنان واستتباعه باعتباره “جزء” مقتطع من الخارطة السوريّة التي تعتبر لبنان وفلسطين والأردن جزءاً لا يتجزّأ منها!!

المرّة الثالثة التي أنقذ فيها سمير جعجع لبنان كانت بإعلان موافقته على اتفاق الطائف لتضع الحرب أوزارها، ونقول بشفافيّة، أنّ “الحكيم” كان يسعى منذ ثلاثين عاماً لبناء الدولة اللبنانيّة، وأنّ هذا الرَّجُل تحديداً كان ممنوعاً أن يجدّ السّير في تحقيق هذا الأمر، وأن الخمسة عشر عاماً التي عاشها لبنان في ظلّ الوصاية السوريّة بعد اتفاق الطائف لو أتيح للحكيم فيها أن يحقّق ربع ما حقّقه منذ خروجه إلى الحريّة في العام 2005 لوفّروا على لبنان أن ينتظر ربع قرنٍ من الزمان لتستعيد السياسة فيه الحديث عن بناء الدولة اللبنانيّة!!

“لا أعمل من اجل الرئاسة”، هذه الجملة التي قالها الدكتور سمير جعجع بالأمس تحمل منتهى “الصدقيّة”، والمتتبّع لمسار “الحكيم” وسيرورته يلمس أنّ الرئاسة ليست هدفاً، قد تكون ممرّاً لتحقيق غايته الفضلى في إيجاد وطن على مستوى فلسفته السياسيّة، الرَّجُل أقرب إلى أن يكون مفكّراً أو مصلحاً سياسيّاً يُنظّر لفكرة الوطن السامية بالرئاسة ومن دونها، “الحكيم” وطموحه للبنان أكبر من اللعبة السياسيّة بمفهومها التقليدي الذي مارسه كلّ الموارنة الطامحون بمرتبة الرئاسة، استثناءً أظنّ أنّ سمير جعجع هو الماروني الوحيد الذي لا تنتابه هواجس الرئاسة ولا تتحكّم به رغبتها القاتلة، وربما هذا ما يميّزه عن الآخرين.

يبقى أمر واحد يُقال اليوم، شفاء المسيحيين من صراعاتهم شفاء ومناعة للبنان، ما نأمله أن يتكرّس اتفاق معراب ليكون مصالحة مسيحيّة عامّة، وحده الوجود المسيحي المنيع ، وأقول هذا كمسلمة، هو الحماية الحقيقيّة للبنان ومن يرغب في التأكد من هذا فليراجع تاريخ المقاومة اللبنانية للاحتلال الفلسطيني والسوري من بعده ودور هذه المقاومة في بقاء لبنان والحفاظ على وجوده ومنعته.