IMLebanon

«شيعة السفارة» وشيعة الدبّابة الأميركية

من علامات الزمن الرديء أن يطلق الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله صفة «شيعة السفارة» على مجموعة من ابناء هذه الطائفة الكريمة، المتهّمين بأنّهم يمتلكون حسّاً وطنياً يجعلهم يتعلّقون بثقافة الحياة في وطنهم لبنان. 

هؤلاء الشيعة الذين يعتبرون أنفسهم مواطنين لبنانيين أوّلاً وليس مجرّد رعايا في جمهورية «الوليّ الفقيه«، يتعاطون مع أي سفارة من الند للندّ. يقولون للأميركي وغير الأميركي ما يؤمنون به. يرفضون التزلف والتضليل والتبعية. إنّهم يرفضون أوّل ما يرفضون المشاركة في ذبح الشعب السوري من منطلق مذهبي بحت. هؤلاء يعرفون ماذا يعني الذهاب إلى سوريا في محاولة يائسة لإنقاذ نظام أقلّوي بات في مزبلة التاريخ. هؤلاء يرفضون بكل بساطة التضحية بأبنائهم من أجل أن ينتصر بشّار الأسد على شعبه.

«شيعة السفارة« يمتلكون ما يكفي من الشجاعة كي يسمّوا الأشياء بأسمائها. هؤلاء لا يتحدّثون عن الاحتلال الأميركي للعراق ولا يهاجمونه في وقت كانت ايران شريكة في الحرب التي شنتها الولايات المتحدة في العام 2003، في عهد إدارة جورج بوش الإبن، من أجل التخلّص من صدّام حسين ونظامه العائلي – البعثي الذي هو نسخة طبق الأصل عن النظام السوري.

هؤلاء الشيعة لا يأتون إلى السلطة على ظهر دبّابة أميركية، كما فعل نوري المالكي، حليف «حزب الله«، وغيره من السياسيين العراقيين الموالين لإيران، ثمّ يباشرون بشنّ حملة على المشروع الأميركي في الشرق الأوسط!.

«شيعة السفارة« مخلصون للبنان. إنّهم صادقون مع أنفسهم أوّلاً وأخيراً. يعرفون قيمة لبنان، يعرفون أن لبنان بلد متنوع، وأنّ غناه في تنوعه وليس في سيطرة حزب مذهبي مسلح يمتلك ميليشيا تابعة لـ«الحرس الثوري الإيراني«، بل هي لواء من الويته، على مقدرات البلد من أجل عيون ايران والوليّ الفقيه. 

هؤلاء لبنانيون حقيقيون لا يحتاجون إلى شهادة في العروبة والوطنية من أحد. لا من النظام السوري ولا من ايران التي تستثمر في المذهبية. لم تسمح ايران للأحزاب التابعة لها في العراق، وهي أحزاب مذهبية أوّلاً وأخيراً، بحضور مؤتمر لندن للمعارضة قبل أن تتأكد من أن المؤتمر سيوافق على صيغة «الأكثرية الشيعية في العراق«. كان ذلك في كانون الأوّل 2002، أي قبل أربعة أشهر من الاجتياح الأميركي للعراق. كان ذلك شرط ايران للمشاركة في الحرب الأميركية على العراق والاستفادة منها إلى أبعد حدود. 

خرجت ايران المنتصر الوحيد من تلك الحرب. في السنة 2010، منعت الدكتور أياد علّاوي من تشكيل حكومة عراقية، على الرغم من فوز القائمة التي يقف على رأسها في الانتخابات النيابية. منعت ايران علّاوي من أن يكون رئيساً للوزراء، بالاتفاق مع الإدارة الأميركية وليس مع أي طرف آخر. كان هناك تفاهم ايراني مع الدبّابة الأميركية أوصل نوري المالكي، حليف «حزب الله« إلى موقع رئيس الوزراء. هل في استطاعة حسن نصرالله إنكار ذلك أو مناقشة الموضوع؟.

الأكيد أن ليس «شيعة السفارة« الذين أعدّوا الساحة لاغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه. شهادة المستشار الإعلامي لرفيق الحريري الزميل هاني حمّود، أمام المحكمة الدولية، خير دليل على ذلك. كانت تلك شهادة للتاريخ صادرة عن شخص صادق مع نفسه أوّلاً. عاش هاني حمود من أجل اليوم الذي يدلي فيه بشهادته. كان وفياً لهاني حمود بمقدار وفائه لأبيه الروحي رفيق الحريري الذي أعاد الحياة إلى لبنان، كما أعاده إلى خريطة المنطقة. كانت شهادة وفاء للبنان ولثقافة الحياة فيه. هل «شيعة السفارة« الذين اغتالوا الأمل الذي كان يمثّله، وما لا يزال يمثّله، رفيق الحريري؟. جسّد رفيق الحريري الأمل. بات معروفاً من اغتاله. جسّد الأمل بلبنان الذي يعيش فيه اللبنانيون بحرية ووئام وبحبوحة من دون حاجة إلى السفارات للحصول على تأشيرات تسمح لهم بالهجرة. من دفع اللبنانيين، من كلّ الطوائف والمناطق، إلى السفارات هو «حزب الله« والنظام السوري المتّهم، أقلّه سياسياً، بتفجير رفيق الحريري.

أخيراً وليس آخراً، ليس «شيعة السفارة« الذين يمنعون انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان. 

«شيعة السفارة« ليسوا في حاجة إلى دبابة أميركية لتغذية الغرائز المذهبية، كما حصل في العراق. كلّ ما يهمّهم هو لبنان ولا شيء آخر غير لبنان. إنّهم يعرفون أن الجميع أقلّيات في لبنان. المسلم أقلّية والمسيحي أقلّية. قيمة لبنان في التفاعل بين كلّ هذه الأقلّيات وليس بتخيير اللبنانيين بين بشّار الأسد و«داعش«. إنهما وجهان لعملة واحدة. بشّار و«حزب الله« يعتاشان من «داعش« و«داعش« تعتاش وتتمدّد بفضل بشّار و«حزب الله«… وايران طبعاً.

قبل أن يهدّد نصرالله المسيحيين بـ«داعش«، يفترض به أن يسأل نفسه من هجّر مسيحيي حارة حريك؟. ولماذا يقيم حليفه المسيحي ميشال عون في الرابية وليس في حارة حريك، أي في مسقط رأسه الذي صار معقلاً من معاقل «حزب الله«؟. من هجّر مسيحيي المصيطبة والمزرعة ورأس بيروت وزقاق البلاط، على سبيل المثال وليس الحصر؟.

«شيعة السفارة« أشرف الشرفاء. لم يقتلوا لبنانياً. لم يقتلوا الضابط الطيّار سامر حنا مثلاً. لم يقتلوا سورياً، لا في سوريا ولا في لبنان. هؤلاء ليسوا لا عملاء ولا خونة… هؤلاء يمثلون الأمل بلبنان وبثقافة الحياة التي تتناقض كلّياً مع كلّ ما يمثّله حسن نصرالله والميليشيا المذهبية التي تسمّي نفسها «حزب الله«. هذا سبب كاف لشنّ حملة عليهم، حملة تكشف أول ما تكشف إفلاس حسن نصرالله و«حزب الله«.