IMLebanon

هكذا نقارب الأزمة السورية

تطالبنا، من حين إلى آخر، أوساط صديقة وغير صديقة، في معرض نقدها لموقف الحزب الشيوعي اللبناني من الأزمة السورية، بضرورة مراجعة موقفه منها، وتحديد موقعه بوضوح.

ويندرج هذا الحديث في اتجاهات لا تخلو من تباين في مقاصدها، تبعاً لرغبات الطرف الداخلي أو الخارجي المعني به (…).

لقد وقف الحزب الشيوعي منذ اندلاع الأزمة السورية إلى جانب الشعب السوري ومثقفيه، وأولى تظاهراتهم السلمية في 8 آذار 2011، ووقف إلى جانب قضية التغيير الديموقراطي في هذا البلد، باعتبار أن العامل الداخلي هو أحد أسباب هذه الأزمة، لكنه ليس السبب الوحيد، فهناك سبب خارجي أيضاً، وهو أن سوريا ليست جزءاً من المشروع الأميركي الصهيوني الرجعي العربي المتمثل في مشروع «الشرق الأوسط الجديد»، لا بل هي مُستهدَفةٌ منه.

وانطلاقا من ترابط جانبَي الأزمة، بذل الحزب جهوداً كبيرة في مستهلها مع تشكيلات وشخصيات يسارية وديموقراطية ومدنية تنتمي إلى أطياف المعارَضة السورية السلمية الداخلية، لتشجيعها على الوحدة على أساس مشروع سياسي وطني وديموقراطي من شأنه خلق استقطاب واضح وتوازن للقوى، يسمح لها بانتزاع رزمة من الإصلاحات الدستورية والسياسية والاقتصادية الأساسية التي تستجيب لمطالب وتطلعات الشعب السوري نحو الديموقراطية والتنمية والعدالة الاجتماعية، وتعزز من وحدته الداخلية في مواجهة المشروع الأميركي.

ولكن هذا المسعى فشل بسبب عوامل عدّة، أهمها: تراجع سلمية التحركات الشعبية، وتسارع عسكرة الصراع من قبل قوى الثورة المضادة، والتعظيم المصطنع لسماته الطائفية، وتصاعد التوظيف الإقليمي والغربي عبر القوى الإرهابية والمتطرفة السورية منها وغير السورية، وتآكل القاعدة السياسية والاجتماعية للقوى الديموقراطية واليسارية والعلمانية الداخلية.

ومع إقرار الحزب بأن التحالف الإمبريالي الرجعي قد استفاد إلى حدّ كبير من ضخامة الخلل البنيوي في أداء النظام السوري على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، إلا أن قناعاته المبدئية لم تهتزّ، إلى حدّ التعمية على محاولة إعادة تكرار النموذج الليبي في هذا البلد، كجزء من مشروع «الشرق الأوسط» الجديد، الذي يرعى تدفقات السلاح والمال والإعلام والمجموعات الأصولية من كل حدب وصوب إلى سوريا بهدف تقسيمها وتفتيتها طائفيا ومذهبيا وبين عرب وأكراد.

لقد نجح المشروع الأميركي في تشتيت المعارضات السورية المختلفة، وإلحاق معظمها بالمشاريع الملتبِسة والمشبوهة، كما برز الانحسار المريع لدور القوى اليسارية والديموقراطية والمدنية المعارِضة… وبرغم ذلك، فإن الحزب قد حسم قناعاته بشكل صريح معتبراً أن المهمة الأكثر إلحاحا تقضي بضرورة مواجهة المشروع الأميركي بمشروع آخر نقيض له، وهو مشروع المواجهة الشاملة في إطار جبهة مواجهة عريضة يسارية مدنية وديموقراطية وفق برنامج تغييري ديموقراطي من شأنه مواجهة مشاريع التفتيت المنهجي التي يجري إعدادها لسوريا وللمنطقة.

وينطلق الحزب من قناعته بأن تنامي الاعتراض الشعبي على النظام خلال العشرية المنصرمة، ما كان ليتحقق لولا عاملين أساسيين متلازمين: أولا، تزايد معدلات الفقر والبطالة والتفاوت الاجتماعي والتشوهات الاقتصادية التي اقترنت بها السياسات النيوليبرالية للنظام، وثانيا، ترسّخ سياسات القمع المقونن والمصادرة الفجّة للحريات الشخصية والعامة، خصوصاً حرية العمل السياسي والنقابي (…).

وفي انتظار نضوج القضية الأهم، أي قضية تبلور القاعدة السياسية والاجتماعية القادرة على حمل قضية التغيير السياسي والاجتماعي الديموقراطي في سوريا، يؤكد الحزب أنه سيواصل بذل كل الجهود المتاحة في سبيل تحقيق هذا الهدف بالتعاون مع الشخصيات والقوى اليسارية والديموقراطية والمدنية السورية كافة، بهدف تهيئة الظروف المؤاتية لحلّ سياسي للأزمة السورية نابع من الداخل، من إرادة الشعب السوري بشكل رئيسي، قبل أن يأتي بالمظلة الخارجية عبر مؤتمرات جنيف، التي ستأخذ في الاعتبار مصالح ونفوذ الدول المشاركة فيه، بينما المطلوب بالأولوية تحقيق مصالح الشعب السوري في بناء دولة مدنية علمانية ديموقراطية في سوريا وفق الأسس والمبادئ التي تحفظ وحدة الأراضي السورية، ووحدة مكوّنات النسيج الاجتماعي السوري، وتعطي الأكراد حقوقهم في إطار هذه الدولة، وتحفظ أيضا المقومّات الأساسية للدولة السورية بما فيها الجيش والقوى الأمنية والقطاع العام والمرافق والمؤسسات العامة والبنى التحتية الأساسية.

(]) الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني