IMLebanon

التمسُّك برحيل الأسد جدَّد تشدُّد بوتين!

أربعة عوامل مهمة لعبت دوراً أساسياً في انتقال روسيا من مقدمة دعم محدود للرئيس السوري بشار الأسد إلى الذهاب إلى الآخر في دعمه. هذا ما استنتجه ناشطون في مركز أبحاث جدّي عربي يتابع الأزمة – الحرب الأهلية السورية عن كثب بتعقيداتها الإقليمية وتشابكاتها الدولية. هذا الانتقال قرّره الرئيس فلاديمير بوتين في الأشهر الثلاثة الأخيرة. ويظهر ذلك في وضوح من تصريحات رئيس تركيا رجب طيب أردوغان بعد اجتماعه وبوتين في شهر حزيران الماضي التي أعرب فيها عن اعتقاده أن روسيا لن تدعم الأسد حتى النهاية، وأنها قد تتخلّى عنه في مرحلة معينة. وهو ما كان ليعلن ذلك أمام الإعلام للعالم كله لو لم يسمع من سيد الكرملين كلاماً في هذا الاتجاه. طبعاً يعرف الجميع حقد أردوغان على الأسد وإصراره على إسقاطه ونظامه أياً يكن الثمن وخصوصاً بعدما صار عداؤهما شخصياً وعاماً في آن واحد. ويعرفون أيضاً شعبويته وانفعاله اللذين يجعلانه “يشطح” في مواقفه أحياناً كثيرة. لكنهم يعرفون في الوقت نفسه قدرته على التحكُّم بهذين الانفعال والشعبوية وعلى توظيفهما لتحقيق أهدافه. كما يعرفون أنه ليس غبياً لينقل عن رئيس دولة كبرى مواقف من قضية – أزمة هامة له غير صحيحة أو على الأقل ليس فيها بعض الصحة. كما ظهر ذلك قبل أسابيع أو ربما أشهر في اجتماع ضمّ نائب وزير الخارجية الروسي بوغدانوف وسياسياً لبنانياً استنتج منه الأخير عدم تمسُّك بلاده بالرئيس بشار الأسد. وقد أرسل سفير لبنان في موسكو تقريراً بذلك إلى وزارة الخارجية نشرته لاحقاً الزميلة “الأخبار”. انطلاقاً من ذلك يعتقد الباحثون في المركز العربي نفسه أن تغيير بوتين موقفه الإيجابي إلى حد ما أو المتفهِّم مطلب تنحية الأسد الذي كان أبلغه سابقاً مباشرة أو عبر مساعديه وفي مقدمهم نائب وزير خارجيته بوغدانوف إلى جهات عربية عدة، يعتقدون أن التغيير هذا تقف وراءه عوامل عدة أبرزها أربعة.

أول العوامل هو الدروس التي تعلَّمها بوتين من الجهود الديبلوماسية التي بذلها منذ بداية الصيف الذي ينتهي اليوم. فهو فهم أن “المعارضة المدنية” في سوريا لن تكون مناسبة لإنهاء النزاع في النهاية. وأدرك أن الزخم الحالي هو في أيدي المجموعات السورية المسلَّحة وكذلك المعارضة المسلّحة التي في يدها أوراق مستقبل سوريا والمصمِّمة على إنهاء حكم الأسد. وتأكد أن الداعمين الإقليميين للمعارضة مصمِّمون بدورهم على إخراج الأسد وإيران من كل شبر من سوريا. فالسعودية رفضت التفاوض على أي شيء قبل الاتفاق المسبق على رحيل الأسد، كما رفضت دوراً لطهران قبل موافقتها المسبقة على هذا الرحيل. وعَكَس ذلك الاقتناع السعودي بأن لا أحد في سوريا (الغالبية والبعض في الأقليات) يقبل الاحتفاظ به بعد تورُّطه بالقتل الجماعي، وبأن بقاءه يعني استمرار عدم الاستقرار في بلاده. ويعني ذلك أن “الطريق” إلى التسوية في سوريا التي حاول الروس شقّها بواسطة المعارضة المدنية بدت أضيق من أن تسمح للحلّ السياسي بالعبور. وفي أي حال يشير الانخراط العسكري الروسي المتزايد في اللاذقية وجبلة ومحيطهما إلى إدراك الكرملين أن أي حل محتمل أو ممكن لن يضمن أبداً مصالح روسيا ولن يغيِّر شيئاً. كما يشير إلى أن الحرب على الجبهات وتطوّرها أظهرا أن المعارضة المدنية لا تستطيع القيام بأي دور يُحدِث فرقاً. وثاني العوامل الكامنة وراء تغيير موسكو مواقفها السورية “المعتدلة” نوعاً ما المبلَّغة إلى أكثر من مسؤول إقليمي وعربي هو الاتفاق النووي مع إيران الذي توصّلت إليه المجموعة الدولية 5+1. وفي هذا المجال يقول الناشطون في مركز الأبحاث العربي الجدّي نفسه أن تحرُّك روسيا تزخَّم بعد الاتفاق جرّاء الدور المهم الذي لعبته لإنجازه. وقد عبّر الرئيس الأميركي أوباما عن ذلك بشكره إياها علناً. علماً أن الجهود “النووية” لموسكو أظهرت أن لها مخططاتها الشرق الأوسطية، وأن كسر عزلة إيران هو أحد أهدافها. ويبدو واضحاً الآن أن “أجندة” موسكو هي المحافظة على مصالحها ومصالح إيران. وذلك يؤمِّنه نظام صديق في دمشق يضمن حرية وصولها إلى الشواطئ السورية، ويحترم مصالح إيران في جنوب لبنان وسوريا، وإيران المتحرِّرة من العقوبات تستطيع أن تقدِّم الكثير لموسكو. وربما حان الوقت الآن لكي تقطف موسكو الثمار “القيِّمة” و”الطيِّبة” لرفع العقوبات التي فرضتها أميركا على إيران.

ما هما العاملان الثالث والرابع الكامنان وراء عودة موسكو إلى التشدُّد في دعم الأسد ونظامه؟