IMLebanon

نظرية المؤامرة في عهد ترامب٣

حكيم الخليج أمير الكويت:  خريطة طريق لمواجهة الأخطار

القمة الخليجية الأخيرة في دور انعقادها العادي السابع والثلاثين في البحرين، كانت استثنائية في أهميتها، وعمق ادراكها للتحولات الدولية وبخاصة في الولايات المتحدة الأميركية والعالم. وهي بهذا المعنى كانت قمة حالة طوارئ بعد أن قطعت الدول الخليجية الشك باليقين بأن الاستراتيجية الأميركية الجديدة المسمّاة عقيدة أوباما نقلت اهتمامها الأول من الشرق الأوسط الى آسيا والصين، وتبدّلت المناخات في أميركا، وتغيّرت عما كانت عليه كما وضعها اللقاء التاريخي بين روزفلت والملك عبد العزيز. وبرزت في الأجواء شروط جديدة تلوّح بها أميركا للاستمرار في التزاماتها الأمنية حيال دول الخليج، مقترنة بهبّات ساخنة تتراوح بين انخفاض مستوى الودّ والعداء اعلاميا وسياسيا ورسميا، وظاهرها العداء للاسلام وإلصاقه بالارهاب!

***

كانت القمة استثنائية ليس فقط في أهميتها، وانما أيضا في شكل انعقادها وهذه هي المرة الأولى في تاريخ مجلس التعاون الخليجي منذ تأسيسه في العام ١٩٨١، تدعى فيه دولة أجنبية لحضوره على أعلى مستوى ممثلة برئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي. وعلى حدّ ما تعيه الذاكرة، فقد أثير سابقا لمرة واحدة احتمال حضور رئيس غير عربي للقمة الخليجية في سلطنة عُمان ٢٠٠٨ هو الرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد، اثر محادثات جرت قبل ذلك بأسبوع واحد معه من قبل أمير قطر السابق الشيخ حمد بن خليفة. ونفت السلطنة نيّة توجيه الدعوة اليه وهو لم يحضر القمة. أما الدعوة الموجهة الى الرئيسة البريطانية فقد كانت هذه المرة علنية ورسمية. ووضعتها لندن قبل القمة تحت عنوان اقتصادي بهدف توسيع التعاون مع دول الخليج الغنية، بعد خروج بريطانيا من المنظومة الأوروبية… ولكن بعد القمة أعلن عن شراكة استراتيجية في أربعة مجالات، وكان في المقدمة: السياسة والدفاع والأمن، وكانت التجارة في المقام الأخير!

***

لم يكن الخيار واسعا أمام الخليجيين لسدّ شيء من فراغ محتمل في التزامات أميركا بأمن الخليج، فروسيا ليست هي الحليف المناسب، ولا يبقى سوى حليف آخر في العالم بعد أميركا هو بريطانيا، فهو خيار الضرورة المقبول، وان لم يكن كافيا، في انتظار ما تحمله الأيام والرياح من الولايات المتحدة في عهدها الجديد بقيادة رئيسها المثير للجدل دونالد ترامب. ويبقى أساس القوة هو ذلك الذي ينبع من الذات، ومن هنا كانت الدعوة الى الاتحاد الخليجي بدلا من التعاون في المجلس الراهن. ومع ادراك القادة الخليجيين ان ذلك وحده لا يكفي، لذلك كانت الدعوة الموجهة الى المجتمع الدولي لوقف النزيف في المنطقة، وبخاصة في سوريا والعراق واليمن. وهو أمر لا يتوقف على الخارج فقط، ويمكن للعرب فرضه اذا بادروا بأنفسهم الى الانسحاب من الصراعات ضد بعضهم بعضا لمواجهة الأخطار المصيرية الآتية، وعقد المصالحات والمسامحات، واعادة التضامن العربي الى ما كان عليه في بعض الزمن الغابر!

***

أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد وهو من حكماء الخليج، قدّم في القمة الخليجية الأخيرة ما يشبه خريطة طريق لمواجهة متغيرات دولية وتحصين دولنا من تبعاتها، مؤكدا بالذات وبوضوح ان دول الخليج تواجه تحديات جسيمة ومخاطر محدقة. ويمكن تلخيص نقاط هذه الخريطة، بأنها تدعو أولا الى حلول سياسية في سوريا والعراق تضمن وحدتهما بعد تطهيرهما من الارهاب. وثانيا، الى ضغط دولي على اسرائيل لحملها على القبول بالسلام وقيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس. وثالثا، الى اقامة حوار بنّاء بين دول الخليج وايران على مبادئ القانون الدولي وسيادة الدول وحسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية. ورابعا، الى تحقيق حلّ سياسي للأزمة في اليمن.

***

وقوع الخيار على بريطانيا كحليف دولي للخليج وهي كانت دائما كذلك، هو واقع يصحّ فيه وجهان. الوجه الأول، هو ان بريطانيا دولة عظمى وحليف مقبول وان يكن ليس كافيا. والوجه الثاني، هو ان السياسة البريطانية ذات الجذور العميقة في المنطقة، وهي كانت شريكا في تقسيم المنطقة العربية وصنع أقدار العديد من دولها، قد تكون هي مصدر الخطر اذا انحازت في النهاية الى الجانب الأميركي، وهي الأقدر على تنفيذ بنود المؤامرة بدهاء ومكر حتى أكثر من أميركا نفسها! وقديما قال الأديب الفرنسي الشهير فولتير، قولا ردّده بعده شاعر روسيا الأكبر ألكسندر بوشكين: اللهم احمني من أصدقائي، أما أعدائي فأنا كفيل بهم! انتهى.