IMLebanon

رئاسة الجمهورية مرشحة للتجميد والتأخير

تطورات أمنية تنعكس نتائجها على المواقف السياسية

رئاسة الجمهورية مرشحة للتجميد والتأخير

ومواقف تمهّد لتغييرات غير متوقّعة

كان ذلك مفاجأة سياسية للجميع. مفاجأة في تغيير المفاهيم. ومفاجأة في المواقف. ومفاجأة في الرهانات الاقليمية والدولية.

وهذا ما جعل أركان النظام، يفكّرون جدّياً في احتمالات تغيير معالم الأزمة.

هل البلاد مقبلة على التغيير؟

هل يشهد لبنان تجديداً في قواعد النظام السياسي؟

وهل ثمة تجديد غير مألوف، في طبيعة الحياة السياسية. من الرتابة المألوفة، الى الحداثة الجديدة؟ وهل يقع في البلاد، ما لم يقع فيها سابقاً، من حيث الأساليب المعتمدة في السلطة، خصوصاً على صعيد السلطات السياسية والعسكرية والمالية؟

هذه أنماط من تساؤلات بدأت ترخي بأثقالها على أهل النظام، على أبواب التجديد في معالم النظام!

كان المفكر السياسي القديم، في العام ١٩٥٩، الأستاذ اميل الخوري، وهو غير الصحافي الذي يحمل الآن الاسم نفسه، ولو بعقل مختلف كلياً. يسأل الرئيس بشارة خليل الخوري، عما اذا كان يحلم بجمهورية تختلف كلياً عن الجمهورية التي كان الرئيس اميل اده ينادي بها. فردّ بأن الجمهورية هي النظام الجمهوري.

إلاّ أن اميل الخوري بادره بسؤال ثانٍ: هل النظام الديمقراطي يختلف عن النظام الأوتوقراطي.

وردّ الشيخ بشارة: الاختلاف ليس في المفهوم بل في الأسلوب. وان بامكان من هو ديمقراطي ان يمارس عكسه ساعة يريد.

وأردف: رياض الصلح وأنا متفّقان على كل شيء، ونختلف أحياناً على أقل شيء. ربما، هذه هي الديمقراطية، وهذا كان يحدث عند اليونان بين أنصار ديمقراطية أثينا، وديكتاتورية اسبارطة.

إلاّ أن اميل الخوري عقّب على كلام بشارة الخوري، بأن الديمقراطية لا تبرّر سلوكه السياسي عندما تمّ التجديد له في رئاسة الجمهورية العام ١٩٤٧ وكانت الشرارة الأولى ل الثورة البيضاء التي كانت غيومها تتلبّد في الآفاق بزعامة الرئيس كميل شمعون والوزير كمال جنبلاط والنائب عبدالله الحاج، وما لبث الرؤساء صائب سلام وعبدالله اليافي وتقي الدين الصلح وحسين العويني ان ساروا في ركابها، ولاقاهم الأستاذ حميد فرنجيه وعبدالحميد كرامي في الشمال، وما لبثت الثورة البيضاء ان تحوّلت من انتفاضة سياسية الى ثورة شعبية.

في العام ١٩٦٤ كان الأستاذ كمال جنبلاط يتناول الفطور في المختارة، ووصل فجأة الى معقله السياسي شبان فأدرك فوراً انهم المعسكر الآخر. وقالوا له ان الرئيس كميل شمعون وصل قبل قليل الى دير القمر، وتهافت الناس اليه، ليسألوا عن لائحة الشوف، فردّ بأنه لم يحضرها اليهم لأن اللي عم يطبعوها لم يأتوا بها الى دير القمر.

وردّ القائد التقدمي: ان كميل شمعون يريد أن يفشل في الانتخابات، ليصنع من سقوطه ثورة على الطبقة السياسية في البلاد، لأن أحداً لن يهضم سقوط ابن نمر شمعون.

ونظر كمال بيك الى زوّاره وهو يردد: في العام ١٩٥٨ عملنا ثورة ضد كميل شمعون لنجعله يفوز في الانتخابات، لأن في السياسة كل شيء ممكن وجائز. وأضاف في العام ١٩٥٧، وفي أواخر أيامه في السلطة، كنّا في خصومة مع كميل شمعون، وكنت أنا في المختارة، وفجأة طلبت احضار سيارتي، وعندما امتطيتها بادرت الناس: أنا ذاهب الى دير القمر لحضور مؤتمر دعا اليه ابن نمر شمعون، أوعا يلحقني أحداً. وذهبت الي الدير وفوجئ بوصولي أهالي الدير، وقلت لكميل شمعون اننا نختلف في السياسة ونلتقي في السياسة أحيانا. هذه هي السياسة في لبنان. بعد ربع قرن ظهر شعار في لبنان: كميل وكمال يختلفان في المنطق ويتفقان في المنطقة.

هكذا كان أهل السياسة يمارسون السياسة في البلاد.

هل غابت هذه الأساليب الآن؟ ربما، قبل ربع قرن زار الرئيس نبيه بري فرنسا، على رأس وفد نيابي، ذهب بادئ الأمر الى قصر الأليزيه والى مجلس الشيوخ الفرنسي، ومن ثم الى الجمعية الوطنية الفرنسية لحضور جلسة أسئلة وأجوبة نيابية. وعند الظهر طلب الذهاب الى قصر فرساي حيث صنع المجد الفرنسي، وراح يسأل بدقّة، عن الأسلوب الذي اعتمده البطريرك الماروني أنطون الحايك ل صنع لبنان الكبير على أنقاض لبنان الصغير.

هل كان رئيس البرلمان يدرس الأسباب التي جعلت البطريرك الماروني يعمد الى تكبير لبنان، بعد تصغيره؟

هل لهذه الأسباب يدور الصراع بعد ٧٥ عاماً تقريباً، على الشراكة اللبنانية في تجميع لبنان، قبل اللجوء الى محنة تصغيره؟

وهل تصغير لبنان ممكن، أم عبارة مرادفة ل تقسيم لبنان وهل لبنان الحالي، لبنان الواحد هو المشكلة؟

أسئلة صعبة

ثمة أسئلة تطرح بإلحاح وجدّية: هل يعود الرئيس سعد الحريري الى البلاد بأفكار ومقترحات حديثة؟ هل يخرج الرئيس نبيه بري عن تساؤلاته حول احتمالات التغيير. هل يعود الرئيس تمام سلام من الأمم المتحدة بصولات وجولات تبرّر خروجه عن المألوف والمعهود في المصطلحات السياسية؟ هل يخرج الرئيس العماد ميشال عون عن صمته، ويبدأ معركة التغيير في صفوف تياره السياسي؟ وهل يعود وزير الخارجية جبران باسيل من الولايات المتحدة بنهج غير تقليدي في المهادنة الأخيرة لنهج رئيس الوزراء تمام سلام، ويستأنف المواجهة الصامتة لمواقفه من أزمة النزوح السوري الى لبنان؟ وهل يعيد وزير التربية الياس بوصعب النظر، في هدوئه الصعب، لدى معالجته شؤون التربية الوطنية؟

ثمة أسئلة لا تتحمّل المهادنة أبرزها التطورات الأمنية.

ويقول الوزير رشيد درباس أقوى الحلفاء للرئيس تمام سلام، ان العملية النوعية، وغير المسبوقة للجيش، في قلب مخيم عين الحلوة خطفت الأضواء من معظم المشاهد الداخلية، واكتسبت دلالات بارزة، نظراً الى الحرفية الاستخباراتية التي أظهرها توقيف أمير تنظيم داعش في المخيم الفلسطيني عماد ياسين الرأس الأكبر بين المطلوبين في المخيم، وتركت هذه العملية أصداء واسعة، كشفت جوانب كثيرة بارزة، من حيث العمل الأمني والعسكري الدؤوب في معالجة أوضاع المخيم الأكبر في لبنان، والذي بدأت طلائعه قبل مدّة، في تسليم أعداد من المطلوبين أنفسهم الى السلطات العسكرية والأمنية، كما كشفت التطور الكبير في مستوى التنسيق بين السلطات والقوى الفلسطينية الأساسية التي ظهر بوضوح انها تؤمّن الغطاء اللازم لعملية تنقية المخيم ومعالجة الأوضاع الارهابية التي تشوب بعض انحائه، وهذا ما جعل الرئيس تمام سلام يصرّح لدى مغادرته نيويورك ان دول العالم مسؤولة عمّا حدث، مما دفع السفير في الأمم المتحدة جيفري فيلتمان الى تحضير خطه، على مستوى المنظمات الدولية لايقاف الحرب في سوريا وخلص الى القول، ان ما لمسناه من أجواء على مستوى أحداث سوريا، لا يبدو ان هناك حلولاً قريبة، بقدر ما هناك مواجهات كثيرة، نأمل ألاّ تزيد الضرر في سوريا، وألاّ تكون لها تداعيات على المنطقة بما فيها لبنان.

وعلى هامش التحرّك الذي قام به الرئيس سلام، قال مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية والسفير سابقا للولايات المتحدة في لبنان جيفري فيلتمان في جواب خاطف ان لبنان في قلبي، ولكن ماذا نفعل بوعود أربع دول مجاورة للبنان.

إلاّ أن وزير الخارجية الأميركي جون كيري خاطب نظيره الروسي لافروف بقوله: أمامكم فرصة ضئيلة لاقناع الرئيس الأسد بوقف طلعات الطيران لمدة أسبوع، والسماح لقوافل الاغاثة بدخول المناطق المحتاجة من دون أية عوائق صعبة.

إلاّ أن أمير داعش في عين الحلوة، عماد ياسين، وقع في قبضة الجيش اللبناني ووقعت معه حقبة كبرى من المواجهات وجعلت الجيش يمسك بتلابيب الحصانة الأمنية الوارفة الظلال، مما جعل للعبة الجديدة في مرمى أمني غير معهود.

وهذا ما جعل الجيش اللاعب الأقوى والأفعل سياسياً في البلاد، ولا سيما خلال المواجهة الحادّة لمعركة الرئاسة الأولى، أمام مستقبل الصراع الدائر حول رئاسة الجمهورية.

ويقول العارفون بالأسرار، ان سقوط أمير داعش في عين الحلوة عماد ياسين، طرح دوراً جديدا للمؤسسة العسكرية، في المنافسة القيادية على الصعيد اللبناني، وأصبح العماد جان قهوجي في الواجهة الرئيسية، بعدما كان التمديد له، أو تأخير هذا التمديد سنة، قضية في يد وزير الدفاع سمير مقبل، لا في يد مجلس الوزراء اذا ما اجتمع أو أخفق في الاجتماع وطرح أسماء مرشحة للقيادة.

إلاّ أن مواقف ظهرت أخيرا، للنائب أنور الخليل، جدّدت الدعم للدور الذي يمثله رئيس المجلس، ويعزز نظرته الجديدة الى الواقع السياسي الجديد في لبنان، وتحرّره من مواقفه وعواطفه السابقة.

ويشيد الرئيس بري بمواقف النائب أنور الخليل، وتردد مراجعه النيابية مواصفات سياسية، يحرص عضو كتلة التنمية والتحرير على تكرارها، لما تنطوي عليه من حرص واحترام للدستور.

وينوّه الرئيس بري، بدعوة النائب أنور الخليل للعودة الى طاولة الحوار، والعمل لسحب فتيل التفجير.

وفي رأي النائب الخليل أننا نعيش مرحلة خطرة وصعبة، يمكن وصفها بالمصيرية والمفصلية، لأنها بدأت تلامس الأسس الكيانية التي قام عليها لبنان.

ويتساءل النائب الخليل: الى متى سنبقى نركض خلف أنانيتنا الشخصية ولا نتنازل عنها، مهما كان لها من أثر على كيان لبنان وحتى على عمل طاولة الحوار الوطني.

ويناشد النائب الخليل الجميع بالقول ان على المعطلين التنازل عن أنانيتهم، وان يعيدوا الى لبنان وهجه وصورته الحقيقية ليستقر المواطن على أوضاعه المعيشية.

وثمة مواقف ترى في التفاهمات السياسية والوطنية ضرورة لتعبيد الطريق الى رئاسة الجمهورية. لأنه عندما يكون الوطن في خطر، فعلينا ألاّ ندخل في المتاهات، بل ان ننصرّف الى معالجة أزماتنا، بعيداً عن الصخب والضوضاء لأن التفاهمات السياسية تختصر معظم العقبات، وتقود الى ترميم المشاكل الطارئة والعالقة، ولا سيما على الصعيد القضائي.

ويقول الرئيس بري: لا يحاولن أحد التذرّع بموقفي، لأنني عبّرت عنه أصلاً، من دون التدخّل في الأسماء. مؤكداً ان الأمور هي في يد القضاء وهذا ما شدّدت عليه بضرورة متابعة هذه القضية حتى النهاية.

ويقول النائب غازي العريضي عضو اللقاء الديمقراطي بعد اجتماعه الى رئيس المجلس ان الرئيس بري يحاول اختصار الوقت عبر الدعوة الى الحوار بين المكونات السياسية، ومن أجل تخفيف المعاناة. وتساءل: هل يمكن الوصول الى تفاهم عبر المواقف السياسية المرتفعة النبرة، والتي تحمل في طيّاتها كلاماً لم نسمعه منذ الحرب.

ويقول الشيخ نعيم قاسم ان الواقعية السياسية شيء، والأوهام السياسية أشياء أخرى. وحزب الله هو الذي يملك بكل تواضع لعبة النصاب في المجلس النيابي، وهو عندما أيّد ولا يزال يؤيد وصول العماد ميشال عون الى الرئاسة الأولى، فلأنه يؤمن بأن هذا الرجل يملك ما لا يملكه الآخرون. يملك المواقف المجرّدة من أية غاية، ويملك بالتجربة السابقة صفات جعلته يتخذ ما لا يتخذه سواه من مواقف.

ويتابع: نحن لا نريد مرشحا للرئاسة الأولى يؤيّد مواقفنا، أو يستهجن آراءنا، بل نريد مواقفه على حقيقتها لمعالجتها معه بصدق وروية. ونحن أيّدنا ولا نزال توافقه مع خصمه السياسي الدكتور سمير جعجع، لأننا لا نخاف من صاحب المواقف، بل نخاف ممن لا مواقف له واضحة وصريحة.

ويرى مرجع سياسي ان مواقف ظهرت في صفوف كتلة المستقبل النيابية، قد تمهّد لتوافق سياسي يعزّز من احتمالات الاتفاق، ويقود بالتالي الى التوافق السياسي، وهذا التوافق ليس محصوراً بشخص واحد، بل يشمل القوى المشهود لها دائماً بالمناقبية السياسية، لأن البلد لا يحتمل التذبذب السياسي، بل المواقف الواضحة، لأننا لا نستطيع بناء لبنان، اذا لم تظهر مواقف ثابتة تسهّل الوصول الى التوافقية السياسية في زمان معقّد بالتفاصيل الضيّقة والرتابة السياسية.