IMLebanon

في تركيا وحكمها

لا تعطّل الفذلكات أياً تكن طريقة سبكها وتركيبها، بديهيات الأمور الموازية للحقائق «الاخيرة»! ومن ذلك، ان القادة الاتراك في هذه الايام، يعرفون ما لا يعرفه غيرهم داخل تركيا وخارجها. ويتصرفون وفق أحكام تلك المعرفة بغض النظر عما اذا كانت تصرفاتهم حمّالة أوجه ومدعاة للجدل أم لا.

وهذه حقائق يُفترض انها تامة من حيث المبدأ.. بل الواقع يقول، ان صاحب الحق سلطان. وقادة «العدالة والتنمية» يفترضون انهم اصحاب حق في الاجراءات المضادة التي يعتمدونها لمعالجة تداعيات المحاولة الانقلابية الفاشلة التي كادت تطيح كل التطور الذي تراكم على مدى العقود الثلاثة الأخيرة، وعلى شتى المستويات.

والواضح (من بعيد!) ان حجّتهم موجودة ومبرراتهم قائمة ومنطقية وأخذوها من المعادين لهم! ولم تكن وليدة حساباتهم أو ترجمة لأجندتهم الخاصة بإحكام السيطرة على الحكم واقصاء المعارضة.. أو لاجتثاث، ما سماه الرئيس رجب طيب اردوغان «فيروس» الحالة التي بناها فتح الله غولن على مدى العقود الماضية، أو لتصفية التركة الكمالية المتمثلة بالازدواجية السلطوية (إذا صحّ التعبير) التي مثلتها المؤسسة العسكرية على الدوام في مقابل الحكومات والمؤسسات الشرعية القائمة.

الواقع يقول، ان المحاولة الفاشلة هي التي اطلقت العنان للبرنامج الجاري تنفيذه بإحكام. وهي التي قدّمت كل الحجج المطلوبة لذلك البرنامج وليس العكس. وهي التي اظهرت مسلكاً مضاداً للمسار المدني الذي تطور باتجاه قيام دولة محكومة بسلطات جاءت بالاقتراع وليس بالدبابات، وتستند الى الدستور وليس الى البيان «الرقم واحد»! وهي التي وضعت المسدس على الطاولة! وحاولت من خلاله وبه اختصار كل شيء آخر!

وتلك في الاجمال حقائق قائمة وصريحة وهي التي تعطي ارجحية لمنطق الحكم التركي سلفاً! خصوصاً وأن جُلّ الطخّ الذي صوّب باتجاه ذلك الحكم من الخارج الأوروبي والغربي في الاجمال، استند ولا يزال، الى محاكمة النيّات وليس الى حقائق فعلية! من نوع، توجيه «تحذيرات» مسبقة الى اردوغان من مغبة قيامه بتفعيل مناحي «الاستبداد» في حكمه من خلال سعيه الى تعديل الدستور باتجاه حكم رئاسي!

وزبدة المفارقات التي غلفت ولا تزال موجة الانتقادات و»التحذيرات» تلك هي انها تغافلت عمداً عن السياق العام وركزت على الهوامش وتفاصيلها.. ضخّمت حساسية اردوغان إزاء الانتقادات الاعلامية التي تطاله وتعامت عن حقيقة ان هناك إعلاماً متنوعاً متعدداً مفتوحاً ومنفتحاً. وأن هناك حياة سياسية فعلية وحقيقية ولا تُنكر، وان هناك معارضة قائمة بكل قوتها ومؤسساتها! وأن اردوغان، في الاساس رئيس منتخب وفق القياسات المعتمدة في أرقى الديموقراطيات الغربية! والأهم من ذلك كله هو ان صناديق الاقتراع هي التي ارست المعادلة القائمة وليست صناديق الصواريخ ولا الرصاص!

.. بغضّ النظر عن ذلك كله (إذا كان الأمر ممكناً؟!)، فان مجرد كون منظومة الممانعة، وخصوصاً الشق الاسدي منها، في الجانب المعادي لحكم اردوغان، فذلك أمر كاف في ذاته لإعطائه بيرق الحق!