IMLebanon

«رؤية» بن سلمان: ما لها وما عليها!

«رؤية» محمد بن سلمان أو «رؤية السعودية 2030» طموحة وضرورية وفق صندوق النقد الدولي، تهدف الى ارساء اقتصاد لا يكون مرتهنا أو مدمنا على النفط (80 % من المداخيل) بل مرتبط بقطاعات السياحة والصناعة، وتهدف «الرؤية» الى التحّول من اقتصاد الدولة (61 % من الاقتصاد) إلى اقتصاد السوق حيث تتعزز مكانة القطاع الخاص.

بنيت «الرؤية» على اساس برامج غير واضحة المعالم، ترمي الى انشاء أكبر صندوق سيادي استثماري في العالم (2 تريليون دولار مقابل 800 مليار دولار للنروج) والذي يعتبر نقطة القوة للرؤية لجذب الاستثمارات وتوفير الموارد البديلة للموارد النفطية، كما ترمي الى تحوّل شركة «أرامكو» السعودية من قطاع النفط الى قطاعات جديدة اضافية، والى التحوّل الوطني عبر الشراكات مع القطاع الخاص والشراكات الاستراتيجية، والى الخصخصة الشاملة لاصول الدولة والجزئية لشركة «أرامكو».

ترتكز «الرؤية» على ثلاثة مكامن قوة، طموحة وغير متينة، بسبب تضارب المصالح بين الدول، وتعود الى العمق العربي الاسلامي (أكثر من مليار مسلم)، والى القوة الاستثمارية الضخمة (الصندوق السيادي)، والى الموقع الجغرافي الاستراتيجي (ربط القارات الثلاث).

جاءت «الرؤية» في التوقيت غير المناسب تحت ضغوط انخفاض اسعار النفط عالميا (حوالي 70 %) وخسارة المملكة مداخيل نفطية تفوق سنويا 100 مليار دولار. كما جاءت تحت ضغوط تدهور مؤشراتها الاقتصادية: نمو اقتصادي ضعيف يقارب 1.2 %، عجز مقلق للمالية العامة يصل الى 20 % من الناتج المحلي، بطالة تجاوزت 14 %، خسارة اكثر من 135 مليار دولار من احتياطاتها بالعملات الاجنبية، ما جعلها معرضة للافلاس في العام 2020 وفق صندوق النقد الدولي، وفي العام 2017 وفق ولي ولي العهد السعودي.

تواجه «الرؤية» تحديات قد تعيق تنفيذها أبرزها الآتي:

1 ـ سياسية: يخشى من وجود اعتراضات على الرؤية من افراد العائلة المالكة لأسباب سياسية إذ إن نجاح الرؤية يعزز مكانة ولي ولي العهد. كما يخشى من وجود اعتراضات لدى النخبة وكبار المستثمرين السعوديين لأنها تفقد هؤلاء جزءا من أرباحهم، إذ تتضمن الرؤية مكافحة الفساد وتعتمد على الشفافية وتخفف عدد المشاريع الاستثمارية. كما يخشى أن تواجه باعتراض من المجتمع السعودي لانها تقلص الدعم (الكهرباء، المياه، الاستشفاء…)، ومن القوى المحافظة لانها تهدد اسس وتقاليد المجتمع، ومن رجال دين لأنها تخفف من صلاحياتهم ونفوذهم نتيجة الانفتاح والتطوّر.

2 ـ قانونية: تتطلب «الرؤية» تحديث وتطوير القوانين التجارية لتصبح منسجمة مع القوانين والتشريعات الدولية (التحكيم) ومشجعة للمستثمرين وضامنة لحقوقهم. كما تقتضي تحديث قوانين العمل والاقامة وتخفيف البيروقراطية وتأهيل وتدريب موظفي القطاع العام.

3 ـ اجتماعية: تعتبر «الرؤية» طموحة في توقعاتها بخفض البطالة من 11.6 % الى 7 % واضافة مليون فرصة عمل في قطاع التجزئة ورفع نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل من 22 % إلى 30 %. تتطلب «الرؤية» تخفيف القيود على المرأة واعطاء اجازات عمل للنساء الاجنبيات.

4 ـ اقتصادية: تمكن الاضاءة على النقاط الآتية في «الرؤية»:

ـ طموحة وغير واقعية في التحوّل من قطاع النفط الى قطاع الخدمات والصناعة (التعدين، الطاقة المتجددة، الاقتصاد الرقمي) بحلول 2030 إذ يحتاج التحوّل الى عقود من الزمن.

ـ متفائلة في قدرتها على زيادة صادرات المملكة غير النفطية من 16 % الى 50 % وحصة قطاعها الخاص في الاقتصاد من 39 % الى 65 % وحصة الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم مـــــن 20 % الى 35 % من الناتج المحلي في غضون أربع سنوات، اذ يتوقف نجاح الرؤية في قدرتها على جذب الاستثمارات الخارجية وزيادة حجم استثمارات القطاع الخاص وعلى اطلاق عهد متطوّر من الصناعات الجديدة التي لها القدرة التنافسية في الاسواق الخارجية.

ـ متفائلة في زيادة أعداد السياحة الدينية والترفيهية من 8 مليون الى 30 مليون معتمر وزائر في العام 2030 اذ تتطلب زيادة السياحة الترفيهية التطوّر في النمط الاجتماعي القائم وتطوير البنية الترفيهية لتكون منافسة لدول الجوار (دبي، تركيا، الأردن، لبنان) بينما تقتصر متطلبات زيادة عدد السياحة الدينية على تسهيلات في اصدار التأشيرات للزوار وتهيئة المواقع التاريخية والدينية. في هذا الاطار، يقع التحدي في زيادة أعداد السياحة الترفيهية التي تنفق الاموال وليست أعداد السياحة الدينية.

ـ غير واضحة في معرفة القيمة الحقيقية للصندوق السيادي الاستثماري الذي ترتفع قيمته من 170 مليار دولار الى تريليوني دولار بحلول 2030. يتضمن الصندوق شركة «أرامكو» السعودية (تريليوني دولار) وأصول من الدولة حوالي 300 مليار دولار واحتياطات بالعملات الاجنبية. تتوقف قيمة الصندوق على اسعار النفط عالميا كون عناصره ترتبط بهذا القطاع وتملك السعودية 18 % من المخزون النفطي العالمي وتنتج يوميا 10.2 ملايين برميل.

ـ غير واضحة في مجالات استثمار الصندوق السيادي (50 % في الداخل و50 % في الخارج) الذي سيجني المداخيل البديلة للمداخيل النفطية.

ـ طموحة في توطين الصناعات العسكرية ورفع إنفاقها من الانتاج المحلي من 2 % الى 50 % عبر صناعة الطيران العسكري وتقنية المعلومات والاتصالات. احتلت السعودية المرتبة الثالثة عالميا في الإنفاق العسكري بعد الولايات المتحدة والصين.

ـ الخصخصة ضرورية ولكن يجب ان تتم في ظل مناخ استثماري عالمي ملائم وبشكل شفاف تجنبا لهدر المال العام. تشير الرؤية الى خصخصة كبار شركات الدولة (الكهرباء، المياه، المصارف…) والخدمات الحكومية، اضافة الى الخصخصة الجزئية لشركة «أرامكو» السعودية (5 % وإدراج أسهمها في الأسواق المالية السعودية).

5 ـ المالية العامة: وصل العجز في المالية العامة الى 20 % من الناتج المحلي وتتضمن «الرؤية» الملاحظات التالية:

ـ غير واقعية بقدرتها على الاستغناء عن ايرادات النفط بحلول 2020 واستبدالها بايرادات الصندوق السيادي. تجدر الاشارة الى ان الايرادات النفطية بلغت في العام 2014 حوالي 287 مليار دولار وهبطت في العام 2015 الى حوالي 145 مليارا بسبب تراجع اسعار النفط عالميا.

ـ شكوك في قدرة «الرؤية» على توفير ايرادات غير نفطية (الضريبة على القيمة المضافة، الرسوم الجمركية…) تقارب 100 مليار دولار (15 % من الناتج المحلي) في العام 2020 ومضاعفة الايرادات ستة اضعاف حتى العام 2030 من 43.5 مليار دولار الى 270 مليار دولار، لان ذلك يحتاج الى نمو اقتصادي كبير واستثمارات ضخمة وتحسّن ملموس للاستهلاك.

ـ شكوك في قدرة «الرؤية» على التحوّل من سياسة إنفاقية توسعية الى سياسة إنفاقية منضبطة من خلال وقف بعض المشاريع الانمائية، وتخفيف الإنفاق العسكري الهائل (75 مليار دولار) الناتج من مشاركة السعودية في أحداث المنطقة (اليمن، سوريا، العراق) والتوترات مع ايران اضافة الى خفض الدعم ورفع التعرفة على الخدمات.

في المحصلة، تواجه «رؤية» محمد بن سلمان تحديات سياسية واقتصادية واجتماعية، كما تواجه مخاطر عدة تهدد استقرارها في حال اخفاقها في التحوّل الى اقتصاد الخدمات وبيعها الشركات الوطنية وشركة «أرامكو» بشكل غير شفاف، وإخفاقها في توفير صندوق الموارد البديلة للموارد النفطية، واخفاقها في قبول مجتمعها المحافظ للتغييرات المطروحة ولوقف الدعم عن الكهرباء، المياه والاستشفاء.

(]) خبير اقتصادي ومالي