IMLebanon

«الأبيض لا يغطّي الاغتصاب!»

لكلّ منّا أحلامها الوردية: فستان أبيض أنيق باهر، وشاب وسيم فوق حصان أبيض، وزغاريد وتمنّيات بسعادة أبدية ومنزل دافئ. ينكسر الحلم عندما يتحوّل الأبيض إلى غطاء قانوني لجريمة اغتصاب مرتكبها «الفارس الشهم» وضحيتها العروس المجرّحة معنوياً ونفسياً وجسدياً. المادة ٥٢٢ من قانون العقوبات اللبناني تعفي المغتصب من الملاحقة القانونية إذا تزوّج ضحيّته: ظلم قانوني ذكوري يمحو إثم المجرم، ويعفيه من العقاب، يبرئه، يُلبسه بذلة رســمية وربطة عنـــق، يغـــمره بالورود والأرز والطبل والزمر، ثم يزفّه إلى ضحيته. هكذا يمكنه أن يكرّر فعلته كلّ يوم، تحت غطاء اجتماعي وقانوني وديني يشرّع له العنف الجنسي مع زوجته، وربما غيرها، لِم لا؟ ما دام القانون مطاّطاً وواسع الصدر، وهو لا يعتبره مجرماً، بل «شاب واســتحلى!»، والضحية غاوية مذنبة نصبت شباكها للإيقاع به.

إذا كان السارق في بلادي «شاطرا»، والفاسد «قويّا» والمعتدي «مقتدرا» والراشي «محنّكا» والمرتشي «مظبّط حاله»، فمن الطبيعي أن يكون المغتصِب «عريس المستقبل» الذي اختصر «بالقوة» المسافات بينه وبين عروسه، على طريقته الخاصّة. لكن من غير الطبيعي، أن يكون القانون متستراً على جريمة الاغتصاب، متجاهلاً حقّ المرأة المغتصَبة بالعدالة والتعويض عليها عن الأضرار الجسدية والنفسية والمعنوية. قانون يحمل بصمات ذكورية تنادي بالشرف والستر والعائلة والقبيلة، قبل الفرد وحقوقه، ويحوّل المرأة المغتصبة إلى كائن موصوم بالعار، لا بدّ من التستّر على معصيته.

يقول علماء النفس إن المغتصِب مريض يرتكب جريمة الاغتصاب معاداة للمجتمع الذي يعيش فيه وانتقاماً من واقع معيّن، وليس بهدف المتعة الجنسية. ويعاني المغتصِب من إحساس بالكره أو الخوف من النساء، يدفعه إلى إيذاء المرأة أيّاً كان سنّها أو شكلها أو وضعها الاجتماعي، من دون أن تقوم هذه الأخيرة بأيّ تصرّف يجرّه إلى ذلك، وهو ما ينفي الاتهامات التي توجّه إلى المرأة المغتصبة باعتبارها المسبّبة لاغتصابها.

وتجرّم القوانين العالمية الاغتصاب بكلّ أشكاله، وتصنّفه من الجرائم الجنائية التي تستحقّ عقوبات قاسية تصل إلى السجن المؤبّد، وحتى الإعدام من دون أيّ قيد أو شرط، كما في السعودية والصومال، إلا في لبنان… حيث يتغطى المغتصب بالقانون كي ينفد من العقاب.

لمناسبة اقتراح القانون الرامي إلى إلغاء المادة ٥٢٢ من قانون العقوبات اللبناني بصورة كلّية، مع رفض كلّ تعديل من شأنه فتح الباب أمام مساومة جديدة تطال حقّ المرأة الضحيّة، أسئلة لا بُدّ من الإجابة عنها: هل تقبل أيّها المشرّع بالعيش تحت سقف واحد مع سارقك أو قاتلك أو معنّفك؟ هل تقبل أن تُسلّم ابنتك، في حال تعرّضت لحادث أليم مماثل، إلى جلّادها ليمارس ضدها العنف مراراً وتكراراً، ولا من يغيثها؟ هل تقبل أن تزوّج ابنتك لتعيش تحت سقف واحد مع مريض آذاها، من دون أن يخضع لعلاج شافٍ؟

كفانا تستّراً على العنف! «الأبيض لا يغطّي الاغتصاب»… ولا يغطّي الجريمة المرتكبة بحقّ المرأة المغتصَبة، كما لا يغطّي التواطؤ القانوني الذكوري ضد الضحية. في القرن الحادي والعشرين، فعلاً لم يعد الأبيض قادراً على أن يغطّي شيئاً! فهلّموا بسرعة إلى إلغاء القانون وإنصاف المرأة.

* صحافية وشاعرة لبنانية