IMLebanon

لماذا تسعى القوات لفتح «الابواب» و«النوافذ» امام العلاقة مع حزب الله

لا يخفي رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع اعجابه بالامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، لكن هذا الاعجاب لم يغير من واقع العلاقة «المتوترة»بين الطرفين، منذ اللقاءات اليتيمة بين الرجلين على «طاولة» الحوار الوطني، لم تتقدم العلاقة «قيد انملة» وبقيت تتأرجح بين «السخونة» «والبرودة» الى ان ظهرت مؤخرا ملامح «رغبة» دفينة لدى «معراب» بفتح «نافذة» وربما «ابواب» امام تطوير الاتصالات مع «حارة حريك»، فماذا تغير؟ وما هي الاسباب الحقيقية لهذه الاندفاعة؟

لا توجد اي «اوهام» في حصول تفاهمات «استراتيجية» بين حزب الله والقوات اللبنانية، لن يغير اي من الحزبين «جلده» او رؤيته للقضايا المفصلية في المنطقة، وبحسب اوساط بارزة في 8آذار، ثمة معطيات شديدة الاهمية لا يجب اغفالها عند الاضاءة على اسباب «الايجابية» في كلام السيد نصرالله الاخير اتجاه القوات اللبنانية، المعطى الاول يرتبط برغبة حزب الله باضفاء نوع من الاسترخاء السياسي الداخلي في اطار فصل تطورات الساحة المحلية عن التطورات الاقليمية.. وهذه «الايجابية» ما كانت لتكون لولا حصول المصالحة المسيحية – المسيحية التي انتجت «ورقة النوايا» في معراب، وانهت عقودا من الصراع بين الجنرال ميشال عون والدكتور سمير جعجع، هذا المنعطف يعتبر نقطة مركزية اساسية في مقاربة حزب الله ونظرته الى «القوات»، فقبل هذا التفاهم كان يستحيل حصول اي «غزل» ولو شكلي بين الجانبين لانه يتناقض بشكل اساسي مع مصالح الحليف «البرتقالي»، اما وقد تم التفاهم على الساحة المسيحية، فلم تعد امكانية حصول تفاهم الحد الادنى على قواسم مشتركة امرا «عجائبيا»، ومجرد التقاء الطرفين على انتخاب الرئيس ميشال عون، يعتبر نقطة انطلاق جيدة، قد تكون غير كافية» «لتطبيع» العلاقات الثنائية»، لكنها فرصة لخفض حد التشنج والتوتر في البلاد، في ظل حرص حزب الله على انطلاقة سليمة للعهد، وهو لا يريد لحليفه «البرتقالي»  اختبار معادلة «حليف الحليف» التي سببت ما يكفي من «صداع» لكافة الاطراف..

لكن ما تتوقف عنده تلك الاوساط هو رد فعل القوات الايجابي على كلام السيد نصرالله، بعد سنوات من تخصص «الحكيم» في الرد السلبي على خطابات الامين العام لحزب الله، وفي هذا السياق لا ترى الامر مستغربا لاسباب كثيرة اهمها، ان رغبة القوات اللبنانية في الانفتاح على حزب الله ليست جديدة وجرت محاولات سابقا بعضها معلن، والبعض الاخر، بقي طي الكتمان، وكانت «الرسائل» القواتية واضحة وتحمل مغريات من قبيل سرد مقارن للتركيبة الحزبية «الصارمة» التي تجمع الطرفين فضلا عن الخلفية الايديولوجية التي تميز الحزبين وتجعلهما «الاقدر» على نسج تفاهمات، رغم التناقض الحاد في الخلفية السياسية والدينية، وكان السؤال المطروح دوما، لماذا لا نبدأ بالكلام والنتائج تأتي لاحقا؟ طبعا لم يكن الحزب في وارد الاستجابة لطروحات لا تحمل اي قواعد جدية للنقاش، في ظل الخطاب المركز «والقاسي» من قبل القوات تجاه المقاومة، فضلا عن غياب التوقيت المناسب للاستجابة لفتح قنوات اتصال بمعزل عن الحليف «البرتقالي»…

انكسار هذا «الحاجز» جعل القوات اللبنانية اكثر تفاؤلا في امكانية تطوير العلاقة مع حزب الله الى اكثر من لقاءات جانبية او بالصدفة تعقد مع نواب كتلة الوفاء للمقاومة، وبحسب اوساط سياسية مسيحية، تبدو معراب مستعدة لتجاوز الخلاف الايديولوجي العميق حول القضايا الاستراتيجية في المنطقة والقبول بعلاقة «ربط النزاع» القائمة بين تيار المستقبل وحزب الله، لم يعد من المنطقي بالنسبة الى «الحكيم» ان تبقى «القوات» وحدها خارج «اللعبة»، لاسباب كثيرة بعضها «نفسي» وبعضها الاخر له علاقة بالتاريخ والمستقبل، التيار الوطني الحر كان سباقا في الساحة المسيحية الى نسج تحالف مع الحزب اثمر بعد سنوات وصول الرئيس ميشال عون الى قصر بعبدا، حزب الكتائب لديه قنوات اتصال «سرية» وعلانية مع الحزب، النائب وليد جنبلاط استطاع بعد احداث السابع من ايار واتفاق الدوحة تنظيم العلاقة مع حزب الله بطريقة جيدة، اما تيار المستقبل المعني الاول في «المواجهة» فدخل بحوارات اثمرت تفاهمات تركت اثارها على الواقع السياسي المحلي بمعزل عن استمرار الاشتباك الاقليمي في سوريا والمنطقة… فلماذا تبقى القوات معزولة؟

وبرأي تلك الاوساط، لا يمكن ايضا مقاربة ما تقوم به القوات وما تفكر فيه بمعزل عن «التاريخ»، يعرف «الحكيم» ان المشكلة الرئيسية لدى حزبه لا ترتبط بالحاضر وانما بالماضي، بعد خروجه من السجن عمل جاهدا لتقديم «القوات» على غير صورتها التي علقت وما تزال باذهان اللبنانيين في زمن الحرب الاهلية، لم يكن خيار الذهاب الى تبني ترشيح الجنرال عون، فقط «نكاية» بالوزير فرنجية، او محاولة منه لـ«حرق اوراق» الرجلين، ذهابه الى المصالحة المسيحية كان ضروريا بالنسبة اليه لمحو تلك الصفحة «السوداء» من الصراع الدموي مع الجيش و«الحالة العونية»، امام استحالة تحقيق انتصار لقوى 14آذار بسبب المتغيرات الدولية والاقليمية، اختار الذهاب الى المكان الذي يحقق له انتصارا معنويا، اراد ان يظهر نفسه انه «عراب» الرئاسة الاولى التي اهداها الى «خصمه» التاريخي، ويعتقد اليوم انه نجح في تغيير الصورة النمطية العالقة في الوجدان المسيحي حول تياره السياسي، يراهن على «هشاشة» القاعدة التنظيمية في التيار الوطني الحر، يقدم نفسه «رأس حربة» في حماية حقوق المسيحيين ويقاتل «بسيف العهد»، يرى انه «انتصر» في معركته، النتائج فاقت كل التوقعات، خصوصا مع الاندفاعة «العونية» لتطبيع العلاقات الثنائية..

«الحكيم» الذي يعتقد انه انهى مهمة طي صفحة «الماضي «المسيحي بنجاح، يتطلع الى «تنظيف» هذا الماضي على الصعيد الوطني، واذا كانت مجزرة اهدن، او اغتيال الرئيس رشيد كرامي، تحتاج الى جهد خاص مع «اولياء الدم»، فان العلاقة مع اسرائيل التي تعتبر «النقطة « الاكثر قتامة في تاريخ القوات اللبنانية،على الرغم من كل المسوغات الواقعية «والوجودية» التي قيلت لتبرير هذه العلاقة، تبقى النقطة الجوهرية الحاسمة في رغبة القوات بتطبيع العلاقة مع حزب الله، العفو العام «السياسي» لم يجلب «صك البراءة» لجعجع، العلاقة مع مختلف الاطراف السياسية وخصوصا التحالف مع تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي في «زمن» 14 آذار «الجميل» لم يف  بالغرض المطلوب، التحلل من عبء هذه الحقبة يحتاج الى تفاهم الحد الادنى اذا كان «الاقصى» غير متاح، مع حزب المقاومة التي قاتل هذا العدو، «كسر الجمود» في العلاقة يتيح للقوات اللبنانية الفرصة «لولادة» جديدة خالية من ترسبات الماضي، وظهورها «بحلة» جديدة يعتبر هدفا استراتيجيا تسعى اليه بشدة، وحده حزب الله قادر على اعطائها هذه الفرصة، واذا كانت متاحة فلن يتوانى «الحكيم» عن خسارتها…

طبعا الامر ليس مرتبطا فقط بالماضي، بل ايضا بالحاضر والمستقبل، فالقراءة الموضوعية والواقعية للقوات اللبنانية، تجعلها امام واقع لا مفر منه، سقوط الرهانات الاقليمية في سوريا والمنطقة، ضعف الحلفاء الخليجيين وخروجهم من دائرة التاثير، غياب الولايات المتحدة عن المنطقة، ادى الى«تضخم» دور حزب الله على الساحة الداخلية، وبعد ان لمست معراب مؤخرا قدرته على التحكم بمفاصل الحياة السياسية اللبنانية، لم يعد بالامكان تجاهل حضوره او الاستمرار في «خصومة» مفتوحة ودون افق، «القوات» ترغب بتحالف «الاقوياء» تعتبر نفسها الاكثر ندية للحزب، وتعتقد ان تطوير العلاقة يؤمن لها حضورا على «الطاولة» كشريك مقرر في التفاهمات الوطنية، وليس «ملحقا» بالاخرين، دون ان يلغي ذلك بقاء الخلاف على القضايا الاستراتيجية التي يمكن تنظيم الخلافات حولها…هذا ما تريده القوات اللبنانية وتطمح اليه لكن هل كل ما يتمناه «المرء» يدركه؟ لا جواب…