IMLebanon

زحلة…. حديقة القلب

لماذا تضاء الاشجار ليلة الميلاد في زحلة، فتتلألا الروح، وتتلألأ الأرض ؟ أليس من اجل ذاك الآتي من الازل، الذاهب الى الأزل، ليغسل اقدام المعذبين، وليعلّمنا كيف نثور على من يقطعون الطريق على الانسان العابر للانسان؟

لا نتصور البتة ان صديقنا المطران عصام درويش الذي منذ التقيناه رأينا فيه ثقافة القلب، واثقال القلب، يحتاج الى ان نستعيد امامه قول تيار دو شاردان «انظر الى الآخر بعين المسيح لانك سوف تعثر عليه هناك».

لذا نقول لصاحب السيادة «لا تدعهم يجعلون من زحلة، وهي حديقة الذكريات، الغيتو الذي ينغلق على نفسه، كما يطبق على النفس، لاننا نحن الذين ترعرعنا في المدينة والذين تعرفنا فيها على الخيال (ومراقصة الخيال) لا يمكن الا ان نرى في زحلة المدى، وفي زحلة الافق، لا الاسلاك الشائكة ولا الاسوار…

في زحلة تعلمنا كيف نرفض ثقافة البعد الواحد، وهوية البعد الواحد، وان نعشق فيكتور هوغو مثلما نعشق احمد شوقي، وان نجثو للعذراء كما نجثو لزهرة البنفسج…

هذه قصة حب قديمة، وتبقى. الشغف بالارصفة، وبالضفاف، وبالقرميد، وبالعصافير التي كان سعيد عقل يطرب لها وهي تغرد، والتي كان المعالفة يحلقون باجنحتها….

ذات يوم دعيت زملاء مصريين الى احد مطاعم وادي العرايش. احدهم سألني «هل استطيع يا صديقي ان ابقى هنا الى الابد؟». هذه امنية احمد شوقي ومحمد عبد الوهاب اللذين استقرا في المدينة، ولو تماثيل من الرخام، الى الابد…

حتى انتخابيا، كيف يمكن لنا ان نتصور ان زحلة تنفصل عنا؟ الطائفية قاتلة، المذهبية قاتلة. قبل هذا الهواء الاصفر من كان يعرف ان جوزف سكاف، او جوزف ابو خاطر، او يوسف الهراوي مسيحي او مسلم. اكثر من مرة قلنا ان ابناء القرى كانوا يدخلون الى غرفة نوم «جوزف بيك». ولا مرة تخلى عن ابتسامته، وكان يعرفهم واحداً واحداً، وبالاسم…

خلل ديموغرافي بين الطوائف؟ لماذا لم يقولوا ذلك عام 2009 حين حملت صناديق الاقتراع من حملت الى ساحة النجمة، ودون ان نعرف، بعد انقضاء 8 سنوات، وجوه معظم ممثلينا في القضاء، مع انهم ممثلو الامة، ومع انهم اصحاب السعادة. لاحظوا كم ان السعادة واخواتها تفيض علينا في عروس البقاع وفي ارجاء البقاع.

من لا يعرف ان النزاعات السياسية والانتخابية في زحلة قديمة قدم المدينة؟ ومن لا يعرف ان عشرات العائلات، بما في ذلك عائلات كبرى، وفدت من الانحاء السورية واندمجت وباتت لبنانية اكثر من اللبنانيين القدامى. هذا لا يعني عدم اعترافنا بأن معظم الذين تم تجنيسهم في عام 1994 بعيدون طبقياً وثقافياً عن اهل المدينة، وبأن الرياح المذهبية دفعت بعضهم في اتجاهات واتجاهات….

لكن «المجنسين» يدينون، في معظمهم، بالولاء الى الرئيس سعد الحريري الذي هو صديق، واحياناً الصديق الاستراتيجي، للاحزاب المسيحية الاساسية، وغالبيتهم يعملون في الحقول والمزارع، كما ان الكثيرين منهم على علاقة وثيقة بزعامات زحلة، سواء كانت سياسية ام اقتصادية…

ضمنا المقصود الكتلة السنّية التي تؤثر، بشكل كبير، على المسار الانتخابي، ولكن هناك تحالفات، وهناك ائتلافات وهذا ما بدا واضحا في الانتخابات الاخيرة. واذا كان هناك من متضرر، في ظل الصراع المذهبي الراهن  والقبيح، فهم الشيعة الذين طالما تم استجلاب نائبهم من مناطق اخرى في البقاع وحتى في بيروت…

هل يؤثر الاختلال الديموغرافي او الاختلال الطائفي في مدينة زحلة التي يتدفق عليها المسلمون في اعيادهم حتى اقترن اسم المدينة بالعيد، ولطالما كانت وتبقى لنا العيد….

لا حدود لثقتنا بالمطران عصام درويش الذي لا يمكن ان يقبل لزحلة، بكل القها التاريخي والثقافي، ان تكون الغيتو، فهي بيتنا، وهي حاضرتنا، وهي المكان الذي نلوذ به حين تطاردنا الافكار الرثة، والثقافات الميتة. ما من مرة اقفلت زحلة الباب في وجهنا، حتى بين نوابها الحاليين من لا توجد في صدورهم ذرة من الطائفية او من المذهبية.

ذاك صراع قديم بين زعامات زحلة التي لم تكن يوماً فوقية، ولم تلامسها اللوثة العشائرية، واملنا ان تكتشف السيدة ميريام سكاف التي لا يمكن ان نتخلى عنها لانها حامية البيت القديم، ان ثمة في القضاء من هم خارج المدينة وانهم يفتحون لها ابوابهم وقلوبهم، وكيف لنا ان نتصور ان النائب نقولا فتوش طائفي او مذهبي، وكيف لنا ان نتصور ان النائب ايلي ماروني، باصدقائه من كل الطبقات ومن كل الفئات، يدين بالطائفية او بالمذهبية؟

قد يشكو بعض اهل المدينة من انها، جغرافياً، مقفلة. هذا هو سحرها، في شهر الميلاد تتلألأ الأضواء. يا لتلك الاصابع الفذة التي تكتب القصيدة، وتكتب الاسطورة، وتكتب يدي السيد المسيح، بالضوء…

هذه مدينة لا تنفصل عنا ولا ننفصل عنها. نقول للمطران درويش الذي نردد انه يحمل ثقافة القلب، لا تدعهم يذهبون بزحلة الى ثقافة الحائط، والى ثقافة الابواب (والوجوه) المقفلة….