Site icon IMLebanon

«المشرق الجديد»: استباحة أوروبية عبر البوابة التركية

البنك-الدولى

فراس أبو مصلح

يرسم البنك الدولي مخططاً لإدماج اقتصادات الكيانات العربية المشرقية مع تركيا، بـ«الشراكة مع القطاع الخاص» ذي الهوية «المتوسطية»، تحت عنوان «مشرق جديد» ذي موقع مميز لتركيا، الحبل السري مع أوروبا.

قرر البنك الدولي إعادة رسم خريطة «المشرق»، فبادر إلى إطلاق مبادرة لإدماج اقتصادات مصر وتركيا والأردن ولبنان والعراق وسوريا و«الأراضي الفلسطينية» في ما سماه «المشرق الجديد»، ونظم مع «اتحاد رجال الأعمال الشرق أوسطي» مؤتمراً لنقاش تقرير له بعنوان «ما وراء الأفق: رؤية لمشرقٍ جديد»، يتمحور حول إمكانات النمو الاقتصادي للإقليم الجديد في حال فتح هذه الدول أسواقها في ما بينها، وفتحت أسواقها لأوروبا عبر البوابة التركية.

سيكون للأخيرة حصة الأسد من منافع الاندماج في حال قُيّض للمشروع أن ينجح، بحسب تقسيم العمل المستند الى «الميزات التفاضلية» للدول؛ فشريف أجلي Egeli، رئيس مجلس الأعمال التركي الأردني ونائب رئيس جمعية الصناعة والأعمال التركية، الذي قال إن اتحاد رجال الأعمال الشرق أوسطي انطلق من إسطنبول، يرى أن تركيا هي المنتِج في «المشرق الجديد»، حيث لسوريا الدور «اللوجستي»، وللبنان ميزة قطاعَي التمويل والاتصالات. ضم المؤتمر ممثلين عن القطاع الخاص من دول «المشرق الجديد»، وكذلك دبلوماسيين ورسميين، مع استثناء المستوى الرسمي السوري، الذي برره مدير الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في البنك الدولي فريد بلحاج بالوضع «المأزوم» لسوريا، قائلاً إن فريقه ينظر إلى مرحلة ما بعد «التجاذبات» فيها، مؤكداً أن سوريا «محور في اقتصاد المشرق».
بحسب التقرير المذكور، منطقة «الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هي واحدة من أقل أقاليم العالم اندماجاً في ما بين كياناتها السياسية، ومن الأقل اندماجاً في الاقتصاد العالمي، إذ إنها موطن لـ 5.5% من سكان العالم، ولها حصة 3.9% من الناتج العالمي، بينما تبلغ حصتها من التجارة العالمية، باستثناء تجارة النفط، 1.8% فقط. يقول التقرير نفسه إن منطقة «المشرق الجديد» التي تضم حوالى 225 مليون نسمة «تفتقر إلى التنافسية العالمية، وخاصة في ما يتعلق بالتجارة، بالرغم من ميزة قربها جغرافياً لأسواق عالمية رئيسية».

استهل بلحاج كلامه بالحديث عن المشروع كحل لـ«العنف» في الإقليم، إذ يصبح «المشرق الموسع» «جسراً بين أسواق الغرب الهائلة والشرق النامي» و«منصة للتجارة»، متحدثاً عن مشاريع لربط العراق بـ«كردستان» فتركيا، وربط الأردن بالخليج العربي. يدعو بلحاج للتطلع إلى ما بعد انتهاء «ما يحدث» في العراق وسوريا، لافتاً إلى ما يُسمى الـ «30 عاماً الرائعة من النمو» في أوروبا ما بعد الحرب العالمية الثانية. «هناك كلفة اقتصادية وتنموية حين تسمح الاقتصادات لنفسها ألا تكون مندمجة؛ الحكومات في الإقليم واعية لهذه الأكلاف، وهي تعرف أن التغلب على القيود المباشرة يتطلب رؤية وإرادة قوية، والتركيز على الإمكانات الكامنة وراء الأفق»، قال بلحاج، مضيفاً إن «المشاكل السياسية والأمنية أضعفت جهود الاندماج، غير أن البنك الدولي، مع دول المشرق الجديد، يتجه استراتيجياً لتسهيل التجارة والعمليات اللوجستية لتنمية الاتصالات والبنى التحتية، وتعزيز إمكانات الإقليم. حان الوقت لينفتح الإقليم على الأعمال، ويصبح جسراً بين الشرق الواعد والنامي وأسواق الغرب الكبرى».
«تواجه دول المشرق الجديد تحديات مشتركة في زمن التحول الكبير هذا»، قالت سيبيل كولاكسيز، قائدة فريق البنك الدولي الذي وضع التقرير، شارحة أن التحديات هذه تشمل محدودية التنويع في منتجات وصادرات الدول، والاندماج الضعيف في مجال التجارة والاستثمارات، إقليمياً ودولياً، والبطالة الكبيرة في صفوف الشباب. تحدد كولاكسيز أهداف المؤتمر بإثارة النقاش بين القطاعين العام والخاص حول «إمكانات ومعوقات اندماج إقليمي أعمق في تجارة السلع والخدمات، مع التركيز على قطاعات التمويل والطاقة والنقل والسياحة وتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات»، وعلى الحواجز أمام التجارة «خلف الحدود» الكيانية، المتمثلة في «الكلفة العالية للتجارة» أساساً (الكفاءة المتدنية للعمليات اللوجستية)، ما ينعكس ارتفاعاً في كلفة تجارة تركيا مع الاتحاد الأوروبي 80% أعلى من كلفة تجارتها مع الدول العربية؛ وتشدد كولاكسيز على أهمية استفادة المشرق العربي من عامل التكنولوجيا في الاستثمارات التركية، ومن الاتحاد الجمركي للأخيرة مع الاتحاد الأوروبي، لافتة الى أن الاندماج مع تركيا هو اندماج من الاتحاد الأوروبي، أي أن «تركيا بوابة أوروبا»، على حد تعبير منى حداد، المديرة في البنك الدولي.
تحدث الأمين العام لاتحاد رجال الأعمال الشرق أوسطي، طوني غريّب، عن «الالتزام بين القطاع الخاص والعام لتثبيت الأمن والحؤول دون نشوب النزاعات»، بالدفع باتجاه الاندماج الاقتصادي، عبر فتح الأسواق ووضع إطار للاندماج يشمل سياسة مالية «سليمة» وجذب الاستثمارات، داعياً دول المنطقة إلى «اعتناق المصالح المشتركة»، وتحقيق «السلام والنمو والاستقرار».
من جهته، حدد محمد بعاصيري، نائب حاكم مصرف لبنان، العقبات أمام مشروع الاندماج الذي من شأنه أن «يعزز الميزة التفاضلية» للاقتصاد اللبناني بـ«اختلاف الأنظمة والأولويات» وانشغال الحكومات بحل المشاكل الداخلية، معتبراً أن التحدي الأساسي يكمن في تنسيق السياسات بين الدول العربية، وبين الأخيرة وتركيا، وداعياً إلى إزالة العوائق أمام التجارة ورؤوس الأموال والنقل بين هذه البلدان، وإزالة الرسوم الجمركية وتقليص الفوارق وإتاحة التنقل الحر للأشخاص والبضائع في ما بينها، للدفع باتجاه الوحدة الاقتصادية، و«تعزيز مناخ الاستثمار». كما أشار وزير الاقتصاد والتجارة آلان حكيم الى أن الناتج في دول «المشرق الجديد» التي «اندمجت بالاقتصاد العالمي بشكل جيد» بلغ أكثر من 1400 مليون دولار عام 2012، معتبراً أن اتفاقيات التجارة العربية و«الشراكة» مع أوروبا لا تغني عن مشروع «تكامل إقليمي» لاقتصادات المنطقة يشمل تجارة الخدمات ورؤوس الأموال وانتقال العمالة، ووضع معايير مشتركة للسياسات الاقتصادية، ومواءمة التشريعات التجارية والجمركية، وتنويع المنتجات وقاعدة التصدير؛ كما شدد حكيم على ضرورة استكمال التفاوض لدخول لبنان منظمة التجارة العالمية.
ليس مشروع «المشرق الجديد» بالجديد فعلياً، يقول همام الجزائري، رئيس هيئة تخطيط الدولة في سوريا، لافتاً إلى طرح مشروع مشابه بين عامَي 2011 و2009، لدمج اقتصادات تركيا وسوريا والأردن ولبنان والعراق. يستغرب الجزائري المضيّ قدماً في المشروع، بغض النظر عن الحرب في سوريا ونتائجها، مؤكداً أن «ما بعد الأزمة ليس كما قبلها»، وذلك لسببين، أولهما الدور التركي في الحرب، والثاني هو «التحول على المستوى العالمي باتجاه الشرق البعيد»؛ فإذا كانت تركيا هي البوابة الأوروبية، فحركة التجارة الأغلب من المتوسط باتت تنحو باتجاه الشرق، و«تلتقي مع خط التمدد الصيني عبر البر»، بخطوط سريعة قوامها السكك الحديدية والطرقات السريعة والمرافئ. كما يلاحظ الجزائري أن المشروع مرتبط بـ«الشرق أوسطية» ومفرداتها، كاستعمال عبارة «الأراضي المحتلة»، بشكل لا يُخفي البعد السياسي «غير الواقعي»، والمتمثل بـ«مشروع خارجي مفروض من فوق، لا يعبر عن تحولات المنطقة».