Site icon IMLebanon

أصحاب المصالح الريعيّة المصارف مظلومة وتصحيح الأجور غيـــر محقّ

LebanEcon2

فراس أبو مصلح

عندما تلتقي مجموعة كبيرة من أصحاب المصالح الريعية، لا سيما في المصارف والعقارات والسياحة، يبدأ الحديث عن اقتصاد لا يمت بصلة الى الناس. أصلاً هم يتحدثون عن اقتصاد من النوع الذي لا يحتاج الى شعب أو مجتمع، بل الى مضاربين وسياح ومستثمرين باحثين عن أعلى هوامش الأرباح

يرفض أصحاب المصالح الاقتصادية الريعية تصحيح أجور العاملين في القطاعين العام والخاص باعتباره حصراً زيادة لـ«كلفة» العمالة، وليس زيادة للقدرة الشرائية لغالبية المواطنين، ذوي الدخل المحدود؛ فالأخيرون لا يمثلون شريحة الزبائن التي تعوّل عليها النشاطات الريعية، المصرفية والخدماتية والسياحية، بل يمثلون «تكلفة» ينبغي خفضها إلى أقصى الحدود الممكنة، من دون الاكتراث لظروفها المعيشية.

أثرياء الخليج هم شريان حياة الريع اللبناني الذي استبشر خيراً بـ«بداية عودة الخليج إلى لبنان»، ممثلة بالمشاركة «المميزة» للسعوديين والكويتيين في «منتدى الاقتصاد العربي»، ما يبشّر بـ«حركة سياحية خليجية ناشطة» في فصل الصيف، على حدّ تعبير رؤوف أبو زكي، الرئيس التنفيذي لمجموعة «الاقتصاد والأعمال» التي نظمت المنتدى بالشراكة مع مصرف لبنان وجمعية المصارف ومنظمة الإسكوا واتحاد الغرف اللبنانية ومؤسسة التمويل الدولية التابعة للبنك الدولي.
في افتتاح المنتدى، رحب الرئيس الفخري لاتحاد الغرف العربية عدنان القصار بعودة الخليجيين «الميمونة» بعد الانقطاع «القسري» لعامين، بسبب «الظروف الأمنية التي ولّت إلى غير رجعة» (أمس تبيّن أنها حاضرة)، فيما رأى رئيس مجلس الوزراء تمام سلام في الحضور الخليجي أنه «دليل على ثقة متينة ببلدنا، تمدّنا بالعزيمة، وتمنحنا أسباب القوة لجبه التحديات، مهما كان نوعها»! إلا أن رئيس جمعية المصارف فرنسوا باسيل تحدث عمّا يعتبره التحدي الأبرز، «تصاعد التطرف سياسياً واجتماعياً»، الذي يعزوه إلى ضعف الدولة وتردي الأوضاع الاجتماعية والخدمات العامة، ما يؤدي إلى الهجرة أو اللجوء إلى «بدائل الدولة». يجزم باسيل بأن معدلات النمو المتواضعة، التي يقدرها صندوق النقد الدولي بـ1.5% أو 2% لعامَي 2014 و2015 غير كافية لاستيعاب القوى العاملة الشابة، ويتحدث عن «تفاوت كبير في توزيع ثمار النمو، وعن سوء توزيع للدخل يفاقم الأوضاع الاجتماعية، ويُفقد الدول والأنظمة الشرعية الحقيقية، ويفقدها المداخيل الكافية، فتلجأ إلى المزيد من الاستدانة، ما يعني أن نسب العجز العام والمديونية العامة إلى الناتج المحلي الإجمالي متجهة إلى مزيد من التدهور».
رغم إقرار باسيل بمسؤولية الفقر وتفاوت المداخيل وضعف الدولة عن «التطرف السياسي والاجتماعي»، يرى أن إقرار سلسلة الرتب والرواتب يفاقم منحى التدهور الذي وصفه، مثنياً على «تصدي بعض الكتل النيابية للعشوائية والشعبوية في التشريعات المالية، تفادياً لانزلاقٍ مالي يضرّ في المقام الأول بذوي الدخل المحدود»، معتبراً أن زيادة المديونية العامة للدولة 23% كانت «نتيجة تزايد كلفة الأجور والنفقات الأولية». «أتت الأرقام المعلنة عن موازنة العام الجاري 2014 لتأكيد هذا المنحى المتسارع في الإنفاق بدل إرساء عملية إصلاحٍ مالي تدعم الاستقرار النقدي وتعزز الاستثمار والإنتاج»، قال باسيل، داعياً إلى بناء «سياسة مالية مغايرة» على السياسة المنسقة لمصرف لبنان وجمعية المصارف، «ترسخ المنحى الانخفاضي للعجز والمديونية كنسب من الناتج». يشكو باسيل «التحامل غير المبرر على القطاع المصرفي، قائلاً «فليتّقوا الله في ما يفعلون»!

قرّر جهاد أزعور أن سلسلة الرواتب ليست «حقاً» للمطالبين بها في الأساسالمصارف غير مكترثة بتدهور الوضع الاجتماعي _ الاقتصادي، فقد أكد باسيل صراحةً أن «الأجواء غير الصحية (بخصوص المصارف) لا تؤثر في نشاطنا، فنحن كمصارف سائرون على الدرب الصحيح» الذي يرضي كبار المودعين والسلطة النقدية والمؤسسات المالية الدولية! الربحية العالية للمصارف فكرة نمطية خاطئة (كليشيه!)، بحسب رئيس قسم الأبحاث الاقتصادية في بنك بيبلوس نسيب غبريل الذي انتقد استهداف القطاع المصرفي بضرائب «عشوائية» بهدف «تمويل الهدر»، أي تمويل تصحيح أجور العاملين في القطاع العام، محذّراً من أن تكون «العشوائية» بشرى «باستهداف قطاعات ناجحة أخرى»! ورأى فهيم معضاد، مستشار رئيس مجلس الإدارة والمدير العام لبنك لبنان والمهجر أن «المصارف مظلومة»، مشيراً الى أن ربحية المصارف في البلدان ذات «الأنظمة المصرفية المتطورة» أعلى من تلك في لبنان، عازياً «مظلومية» المصارف إلى «نظرة سياسية ضيقة»، تهدف إلى تحقيق «مكاسب على الصعيد الشعبي، بغض النظر عن النتائج». ويحذّر معضاد من أن فرض الضرائب على المصارف يقلل من جاذبية الأخيرة لرؤوس الأموال، ويخفض تنافسيتها، ويرفع الفوائد، ويزيد العجز، ما يؤدي إلى «حلقة مفرغة»!
من جهته، قرر وزير المال الأسبق جهاد أزعور الانطلاق من نقطة أكثر جذرية من التهويل بنتائج إقرار السلسلة، فنفى أن تكون الأخيرة «حقاً» للمطالبين بها في الأساس! مستوى الأجور في القطاع العام موازٍ لذاك في القطاع الخاص، مع فارق أن ساعات العمل أقل والإنتاجية أدنى، قال أزعور، مضيفاً إن معدل الأجور في القطاع العام في لبنان أعلى من نظيره في الدول المجاورة والدول ذات الظروف الاقتصادية المشابهة، وإن أجور التعليم في لبنان أعلى من نظيرها في دول منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية OECD. فضلاً عن ذلك، يؤدي تصحيح الأجور في القطاع العام إلى «إجحاف» يطال غير الموظفين، كالحرفيين الذين ترتفع أكلاف إنتاجهم ومعيشتهم، يقول أزعور، جازماً بأن تصحيح عجز الموازنة الذي فاق نسبة 10% من الناتج سيتحمله «المواطن»، لا الأرباح الريعية والتعديات على الأملاك العامة!
ممثلو المصالح الريعية حاسمون في أمرهم: المواطنون المحدودو الدخل هم من سيدفعون ثمن تصحيح الأجور. الساسة المؤيدون لإقرار السلسلة «التي نعرف مخاطرها على المالية العامة» يحبون أن يظهروا «كأبطال» على شاشات التلفاز، يقول وزير السياحة ميشال فرعون، مضيفاً إن «المزايدات (في المواقف المؤيدة لإقرار السلسلة) جريمة حقيقية» تدفع ثمنها «الطبقة نفسها المستفيدة من الزودة»! ربما لا يرى فرعون ما يدعو إلى تحسين مستوى معيشة الأجراء، فهو جال على ثلاثة فنادق في الأيام القليلة الماضية، ووجد أن نسب الإشغال فيها حوالى 90%، حسب ما أعلن في المنتدى، ليعلو تصفيق رجال الأعمال: «الاقتصاد بخير»، إذاً!