Site icon IMLebanon

الصناعيون يريدون «لبننة الاقتصاد»

Akhbar

محمد وهبة
استعادت خلوة مجلس إدارة جمعية الصناعيين نقاشاً «ضائعاً» في أزمة الصناعة المحلية. لا يذكر الصناعيون أنهم خاضوا مثل هذا النقاش على مدى السنوات الأربع الماضية. بدا الجميع مستسلماً لاقتصاد الخدمات والريوع المصرفية والعقارية.
السلع المنتجة في هذه المصانع تتنافس، هنا في لبنان وليس فقط في اسواق الصادرات اللبنانية، مع سلع رخيصة منتجة في الخارج في ظل اتفاقات تجارية وسياسات ضريبية وجمركية جعلت الحدود شبه مفتوحة. ثم جاءت الأزمات العربية لتضعف قدراتهم التصديرية اكثر وتخلق لهم مشاكل مختلفة، ولا سيما في انقطاع سبل التصدير البري… أما حاجتهم إلى تطوير بنيتهم ورؤوس أموالهم فقد باتت أمراً ملحاً.
في هذا السياق، جاءت الخلوة. الهدف المعلن منها أن ترسم تصوّراً شاملاً لخطّة استراتيجية وبرنامج عمل للسنوات الأربع المقبلة. يصب في اتجاه «لبننة الاقتصاد»، اي جعل الاقتصاد يميل اكثر باتجاه الانتاج ويرتكز اكثر على الطلب المحلي، اي ان يسير باتجاه معاكس نوعاً ما عن الاتجاه الحالي الذي ترسخ على مدى العقدين الماضيين، فالسياسات جعلت الاقتصاد اللبناني يرتكز بقوة على الخارج من خلال اتكاله على التدفقات الخارجية، ولا سيما تحويلات اللبنانيين العاملين في الخارج، والسياحة وتركيزه على قطاعي التجارة والمصارف وخلقه سوقاً «فالتة» للاتجار بالعقارات والبناء.
في ظل الظروف الإقليمية الراهنة، يجد بعض الصناعيين ان هناك فرصة للضغط من اجل رفع حصة الصناعة من الناتج المحلي «من 11% إلى 18%، وهي نسبة اعتبرها المشاركون ممكنة». بعض الصناعيين، مثل نائب الرئيس زياد بكداش، رأى أن «منصّة العمل لتحقيق هذا الهدف تكمن في قوّة الصناعيين بين الهيئات الاقتصادية وفعاليتها في الدور القيادي الذي يفترض أن تلعبه بين الهيئات».

أي لبننة؟

يعي الصناعيون المتحمسون لنقاش «اللبننة»، ان اي شكل لها غير ممكن من دون مواجهة المشاكل البنيوية. من أهم «نقاط الضعف»، كما يراها رئيس جمعية الصناعيين فادي الجميل، أن «هناك اعتماداً واسعاً على عناصر خارجية بنسبة 56%». الاستهلاك المحلي يرتكز بنسبة كبيرة على تحويلات المغتربين وعلى السياحة. ويضاف إلى ذلك، وجود توترات مستمرّة ناتجة من عدم الاستقرار الامني والسياسي وهي في غالبيتها عوامل خارجية أيضاً. وبالتالي، فإن «اللبننة مطروحة لتكون شكلاً من أشكال الاتكال على الطاقات الذاتية والاستفادة من نقاط الضعف» يقول الجميل لـ«الأخبار». مشيراً إلى ضرورة استفادة المؤسسات الصناعية الصغيرة من «نجاح القطاع المصرفي» لأن «الوضع الراهن يحتاج إلى ضخّ السيولة في بنية المؤسسات الصناعية». في رأي الجميّل، إن حاجة الصناعة إلى زيادة رؤوس أموالها يجب أن «تحفّز المصارف على زيادة استثماراتها في هذا القطاع، لا بل أصبح مطلوباً منها هذا الاستثمار من أجل تحويل القطاع الصناعي في لبنان إلى منصّة انطلاق الشركات العالمية». يقول الجميل: «بإمكاننا أن نصنّع لحساب هذه الشركات إذا تأمنت الحوافز المناسبة والدعم المطلوب». وبحسب الاقتراحات الواردة في الخلوة، فإنه يجب «ربط المصانع مع الطاقات المصرفية اللبنانية عبر توسيع عمل مصارف الاستثمار».

أي مطالب؟

الصناعيون الذين يتحدثون عن «لبننة الاقتصاد» يذهبون مباشرة الى طرح مشكلة الصناعيين الكبرى المتمثلة في ارتفاع كلفة الإنتاج المحلية، ولا سيما ارتفاع كلفة الطاقة. « تتراوح كلفة الطاقة بين 5.7% و30% من مبيعات الصناعة المحلية. وهناك ما بين 40 مؤسسة صناعية و50 مؤسسة تعتمد بصورة أساسية على الطاقة المكثفة بنسبة تزيد عن 30%. معالجة هذه المشكلة ممكنة عن طريق إنشاء صندوق يؤمن تمويل الطاقة اللازمة للصناعة بالأسعار الرائجة في المنطقة». يشير الجميل الى أن الخلوة تطرقت إلى مقارنة كلفة الطاقة بين لبنان وبعض دول المنطقة. ففي السعودية، تصل كلفة كل كيلوات ساعة إلى 3.7 سنت، والفيول إلى 66 دولاراً لكل 1000 ليتر. أما في مصر فإن كلفة الطاقة الكهربائية تصل إلى 3.15 لكل كيلوات ساعة، و186 دولاراً لكل ألف ليتر فيول. وفي المقابل، إن كلفة الطاقة الكهربائية في لبنان لا تقل عن 21 سنتاً لكل كيلوات ساعة، ويصل سعر الألف ليتر فيول في لبنان إلى 660 دولاراً.
نوقشت في الخلوة اوضاع قطاع الطاقة عموماً بوصفه مدخلاً أساسياً لتخفيف كلفتها في الصناعة الوطنية. فكثير من المصانع يعاني من ارتفاع كلفة توليد الطاقة بصورة ذاتية، وانقطاع التيار المفاجئ والمتكرر، وارتفاع كلفة سعر الكيلوات ساعة في ساعة الذروة إلى 320 ليرة، ووجود العديد من الرسوم من استهلاك المحول والتأهيل وبدل الاشتراك. ترى جمعية الصناعيين الحل بـ«السماح للمناطق الصناعية بانتاج طاقتها الكهربائية من خلال إنشاء محطات توليد تعمل في ساعات التقنين أو تعمل بصورة دائمة وإشراكها على الشبكة، حتى يتمكن الصناعيون من بيع الطاقة المنتجة ذاتياً إلى كهرباء لبنان». وتطالب الجمعية بـ«إنشاء صندوق خاص لدعم المحروقات للمصانع التي تستهلك طاقة مكثفة تمول من رسوم تكافئية على سلع إغراقية خاصةً، ولا سيما في ظل وجود دول تدعم صناعاتها من خلال أسعار محروقات مخفضة»، علماً ان قانون التجارة العالمية يسمح باتخاذ اجراءات وقائية لتأمين تكافؤ الفرص الانتاجية وتعرفة صناعية خاصة تصل إلى 50 ليرة بعد الساعة 12 ليلاً ولغاية الساعة 6 صباحاً».

الرسوم الحمائية

الفرق بين كلفة مصانع لبنان وكلفة مصانع الدول المجاورة يضعف القدرة التنافسية للصناعات اللبنانية. لكن هل يسهم صندوق الطاقة وحده في العلاج؟ الإجابة تأتي من النقاشات في الخلوة حيث طرحت أكثر من فكرة، سواء من قبل الجميل أو بعض أعضاء مجلس الإدارة. وفيما كان التركيز على صندوق الطاقة، خرجت بعض الاصوات التي طالبت بفرض رسم نوعي على استيراد بعض أنواع السلع (الحماية الجمركية)، وطرح زياد بكداش وضع رسوم على المنتجات المستوردة من دول الشرق الأقصى، واقترح منير البساط مساعدة المصانع التي تنتج أصنافاً يستورد مثيلها من الخارج.
ثم طُرح موضوع إنشاء صندوق تعاضدي «لضمان الائتمان» يسهم فيه، وإن بمبالغ محدودة، أكبر عدد من المنتسبين بهدف تأمين إمكان ضمان القروض للمؤسسات التي لها إمكان الاستمرار، ولكن قد تكون بحاجة الى ضمانات آنية معينة. يمكن لهذا الصندوق دعم ما تقوم به مؤسسة «كفالات»، ومساعدة المؤسسات الراغبة في تحويل عملها الى نشاطات أخرى وخصوصاً تلك التي «أصبحت رهينة وضعها وقانون العمل والضمان».

تشجيع الاندماج

رغم كل هذه الاقتراحات لمساعدة الصناعة، إلّا أن الخلوة خصصت فصلاً كاملاً عن مشروع «قانون دمج المصانع». هذا المشروع لا يزال يناقش في مجلس النواب وهو يرمي إلى استفادة المؤسسات الصناعية والزراعية والمعلوماتية والحرفية التي ترغب بالاندماج من دعم الفوائد المعمول به في مصرف لبنان والاعفاء من الرسوم والضرائب. لكن مصرف لبنان اقترح «إفادة المؤسسات الصناعية التي ترغب بالاندماج من قروض متوسطة وطويلة الاجل مع إعفاء من رسوم وضرائب عملية الاندماج».
وقد تبيّن أن وزارة المال وافقت على إعفاء عمليات الدمج بين المصانع من رسوم الطابع المالي والانتقال وكتاب العدل والتسجيل لدى مختلف المراجع الرسمية، الاجراءات والمعاملات كافة التي تقتضيها عملية الاندماج.
وفي المقابل لاحظت وزارة الاقتصاد أنه يجب «النظر في مشروع القانون المقترح في حال شكّل الاندماج نوعاً من الاحتكار، وبالتالي يجب وضع أطر للاندماج». وفيما لا يزال القانون يحصر عمليات الاندماج بالمصانع المستوفية للشروط القانونية، طلبت جمعية الصناعيين «ألّا تقل مدة القروض عن 10 سنوات بفائدة مدعومة، وأن تُعفى المؤسسات الدامجة من ضريبة الأرباح لمدة 10 سنوات، وأن تُعفى المجموعة المندمجة من ضريبة التحسين البالغة 10% من قيمة التخمين بموجب المادة 45 من قانون الضرائب وأن يُسمح للمؤسسات الدامجة استعمال قسم من ارباحها لتطوير صناعتها بموجب المادة 5 مكرر من القانون نفسه، وإعفاء المجموعة المندمجة من براءة الذمة المالية والضمان الاجتماعي على أن تتحمل هذه المؤسسات كامل المتوجبات أعلاه قبل الدمج، وأن تُعفى المؤسسات الدامجة والمدموجة من ضريبة القيمة المضافة في عملية الدمج، وأن يشمل القانون المؤسسات الصناعية المستوفية الشروط القانونية قبل وبعد صدور هذا القانون.
غير أن وزارة المال رفضت هذه الاقتراحات، فيما طلب رئيس اللجنة النيابية المعنية، ياسين جابر، «حلّاً لتخفيف ضريبة التحسين كما طلب من ممثل مصرف لبنان ومن وزارة الصناعة إعداد مسودّة جديدة للقانون المقترح» كما ورد في الخلوة. وقد تبيّن أن جمعية الصناعيين «تعّول كثيراً على دعم وزارة الصناعة لهذا القانون».