Site icon IMLebanon

كارثة الطائرة الجزائرية… «ترسيم» جديد لخطوط الطيران

Joumhouriya-Leb

أنطوان فرح

لا حاجة الى تكرار «حكاية» الميدل ايست مع انطلاقتها الرسمية عام 1945، وتوسعها وتحولها الى شركة اقليمية رائدة. وقد صار معروفا ان الشركة عانت في التسعينيات من خسائر فادحة تسببت بها التدخلات السياسية، بحيث تحولت الشركة الى «مكب» وظيفي يرمي فيها السياسيون أثقالهم وخدماتهم للأزلام من خلال التوظيف فيها. كذلك كانت السياسة تتدخل بقوة في تحديد خطوط الطيران، وفق حسابات لا علاقة لها بالجدوى الاقتصادية.
هذا المناخ أوصل حجم الخسائر الى 87 مليون دولار عام 1997. هذا الوضع الشاذ لم يستمر بعد ذلك. في العام 1998 انطلقت خطة الانقاذ والتأهيل. ولم يطل الوقت قبل ان تبرز النتائج الايجابية. وفي العام 2003 وصلت الأرباح الى 22 مليون دولار. وقفزت الى 50 مليون دولار سنة 2004.
في العام 2005، وعلى رغم عدم استقرار الأوضاع السياسية، نجحت شركة طيران الشرق الأوسط في تسجيل أرباح بلغت قيمتها 46 مليون دولار أميركي. وفي العام 2006، تمكّنت الشركة من تحقيق أرباح تخطت 39 مليون دولار أميركي، بالرغم من الاعتداء الإسرائيلي الذي أفضى إلى خسائر بلغت قيمتها 45 مليون دولار أميركي (16 مليون دولار بشكل خسائر مباشرة و29 مليون دولار بشكل خسائر غير مباشر). وفي 2008 بلغت أرباح الشركة 92 مليون دولار رغم الأزمة الإقتصادية.
وفي عام 2018 سيرتفع أسطول الطائرات لدى شركة «ميدل إيست» من 17 طائرة إلى 27 طائرة. في ذلك الوقت ستتسلّم الشركة 10 طائرات اشترتها من «إيرباص»، فيما هي تملك اليوم 10 طائرات وتستأجر 7 طائرات.

قصة النجاح هذه التي يقودها محمد الحوت برعاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، تحتاج الى تحصين اضافي. واذا كانت ادارة الشركة تعتبر ان قرار فتح خطوط طيران او اقفالها يرتبط بالجدوى الاقتصادية، فان هذه النظرة لا يشاطرها اياها كثيرون، ومنهم اليوم رئيس مجلس النواب الرئيس نبيه بري، الذي يبدو انه مُصمّم على سد الثغرة القائمة في خطوط الطيران بين بيروت وافريقيا، لتسهيل عمليات انتقال المغتربين الى القارة السوداء. ويأتي تصميم بري بعد مأساة الطائرة الجزائرية التي راح ضحيتها مغتربون لبنانيون يقصدون افريقيا.

وهذه ليست الحادثة الاولى، بل سبقتها مأساة طائرة كوتونو ومن ثم الطائرة الاثيوبية. ويتساءل رئيس المجلس النيابي، لماذا هذا الاهمال في حق جالية لبنانية كبيرة، تحرك الاقتصاد الوطني، وتساهم في تخفيف معاناة الاهل في لبنان، في الأزمات الاقتصادية المتراكمة في البلد؟ ويبدو بري مصمماً اكثر من اي وقت سابق على وضع نقطة على السطر في هذا الموضوع.

هذه الاشكالية تطرح السؤال التالي: من يتحمّل مسؤولية اتخاذ قرارات من هذا النوع؟ الرئيس بري يبدو على حق، خصوصا ان جثامين ضحايا الطائرة الجزائرية لم تصل الى الوطن بعد، وقد لا تصل ابداً.

وادارة الميدل ايست على حق أيضا، لأن مهمتها واضحة، وهي مُرغمة، وفق التوكيل المُعطى لها، على أن تُحكِّم العقل في كل قراراتها، ولا تُدخل العاطفة، ولو أن ذلك لا يعني التخلي عن المهام الوطنية التي تنجزها الميدل ايست بلا تردّد.

في هذه الحالة كيف يمكن حل الأزمة؟
الجواب يكمن في أن تتحمّل الحكومة مسؤوليتها في هذا الموضوع. فالقضية لا يمكن ان تكون بمثابة «منازلة» بين رئيس المجلس النيابي وادارة الميدل ايست، وهي ليست كذلك. مطلوب من الحكومة ان تجتمع وتأخذ الملف على عاتقها. والمقصود هنا ليس حل اشكالية خطوط الطيران الى افريقيا فحسب، بل اعادة تحديد فلسفة الميدل ايست.
فاذا كانت الحكومة تريد من الشركة ان تعطي الاولوية لاعتبارات خارطة الاغتراب، والحسابات السياسية والمناطقية، عليها ان تُبلغ الشركة بذلك، وان تُبرّئ مُسبقا ذمة الادارة من احتمال العودة الى تكبّد الخسائر.
واذا كانت الحكومة تعتبر انها غير قادرة اليوم على العودة الى الوراء في هذا الموضوع الذي كلف الخزينة سابقا مئات مليارات الدولارات، عليها أن تحسم الموضوع بنفسها، وأن تعيد رسم الصلاحيات والمسؤوليات لكي يتحمّل كل من يتخذ قرارا مسؤولية نتائج هذا القرار.
في النتيجة، لا يمكن قيادة شركة بحجم الميدل ايست إلا بالعقل، لكن لا يمكن تقبّل ان تكون هذه الشركة الوطنية التي تحولت الى رمز وطني، بلا عاطفة. وعملية الجمع دقيقة الى حد انه لا يمكن القيام بها في اجواء من التجاذبات والضغوطات، بل تحتاج الى سياسة واقعية.
حماية الشركة اولوية، وحقوق المغتربين اولوية ايضاً، وبين هذه الحقوق مساحة مشتركة يمكن مقاربتها بين حدين: عدم المس بوضع الشركة، وعدم اهمال وظيفة ربط المغتربين بوطنهم.