Site icon IMLebanon

أبناء عرسال يتحدثون إلى “الراي” عن الرعب في بلدتهم

بعدما بسطت يدها لإغاثة الملهوف وكرّست قلبها مأوى للنازحين السوريين القادمين من خلف الحدود، لتوفّر لهم في صدر بيوتها دفئاً وفي فيء أزقّتها ملجأ آمناً يقيهم القصف والدمار، تبدّل المشهد اليوم في عرسال. أصوات قصف ووميض قذائف… “داعش” تمرّ من هنا بعديدها الملتحي وعتادها المعتدي.

انها عرسال التي يروّع مسلّحون ارهابيون أهلها ويعتدون على الجيش اللبناني فيسقط منه شهداء وجرحى، فإذا بالعرساليين المضيفين للنازحين ينزحون… يحملون أطفالهم ويتأبطون ما تيسر من متاع لينطلقوا بإتجاء المناطق اللبنانية ساحلاً وجبلاً ناشدين الأمن والأمان.

من داخل عرسال ينقل طارق لـ”الراي” أجواء الاشتباكات المتقطعة على مدخل عرسال الغربي لجهة اللبوة، حيث يعمل الجيش اللبناني على تأمين هذا المدخل، لافتاً إلى أنه “منذ قرابة نصف ساعة شهدت مداخل البلدة كلها قصفاً عنيفاً”. ويضيف: “نحو اثني عشر منزلاً أصيبوا بالقصف المدفعي، بالإضافة إلى أربعة أو خمسة مخيمات. هذه القذائف المدفعية تتساقط على داخل البلدة، وأغلب الظن أن المسلحين لا يستعملون المدفعية، ولذا فإن مصدرها بين بلدة العين واللبوة”.

وإذ يوضح أن أكثر المسلحين ملثمون، يكشف أنه “يشاهد بأم العين مسلحين يستقلون دراجات نارية ويتجهون نحو الجرد”، قائلاً: “ربما يكون ذلك التزاماً بشروط المفاوضات”.

وطارق لا يظن أن هؤلاء المسلحين أو عدداً من النازحين انقلبوا على عرسال التي آوتهم، معرباً عن اعتقاده “أنهم مسلحون قدموا من جرود القلمون، إذ تبدو عليهم ملامح المقاتلين”.

وعن أهالي البلدة الذين نزحوا عنها ريثما تهدأ الإشتباكات، يلفت إلى أنهم “نزحوا باتجاه الشمال والعاصمة بيروت ودوحة عرمون”، مشيراً إلى أن “بعضهم ممن تربطهم علاقات مصاهرة مع أهالي الفاكهة والعين لجأوا الى هاتين البلدتين”.

وفيما ينقل مباشرة تذبذب الإشتباكات بين الهدوء تارة والاندلاع الكثيف تارة أخرى، يلفت إلى أن “مَن نزح عن البلدة هم النسوة والأطفال، وهم سيعودون إليها فور انتهاء الإشتباكات”، موضحاً أنه بقي مع رجال البلدة في منازلهم ومؤسساتهم “لحمايتها من الدمار أو الاستيلاء عليها من النازحين أو استخدامها من المسلحين لإطلاق النار على الجيش”.

فعرسال لطالما كانت الحاضنة الوطنية، بحسب ما يؤكد طارق، لافتاً إلى “أننا طالبنا مرارا وتكرارا بوجود الجيش في عرسال ودعونا إلى تعزيز إمكاناته”، ومضيفاً: “في بعض الأحيان نعتب على المؤسسة العسكرية بسبب أخطاء ميدانية، لكن نحن في نهاية المطاف مع الجيش وضمن الحاضنة الوطنية”.

 

من جهتها، تروي السيدة العرسالية فاطمة بهلع من ملجأها في بلدة الفاكهة القريبة من عرسال لـ”الراي” مشاهد الرعب التي بثتها أشكال المسلحين الذين انتشروا في عرسال، وتحزن لأن زوجها الذي حملها وأولادها الستة إلى منزل آمن عاد لإحضار آخرين فحاصرته النيران وبقي في عرسال. وتقول: “طريق عرسال مرعبة. “الدواعش” الملتحون والملثمون مزنرون بذخائرهم من جهة يقابلهم الجيش اللبناني من جهة وفي الوسط سواتر ترابية وإطارات محروقة. طريق النجاة كانت كمنطقة أشباح تبعث على الموت فزعاً. المسلحون يكبّرون في الطرق وكأنهم متجهون لتحرير القدس”.

فاطمة التي عانت الأمرين كجميع أهالي البلدة قبل نزوحها، تلفت إلى أن “عدداً من المسلحين الذين أتوا بالعتاد الثقيل جاؤوا من الجرد، لكن عدداً كبيراً آزرهم من مخيمات النازحين حيث انتشروا كالنمل في البلدة”، مشددة على أن “مَن يعرف جغرافية عرسال بهذه الدقة، لم يأت بالتأكيد من الجرد بل خرج منها ليقاتل أهلها وجيشها، فالمسلحون يعرفون كل حي وزاوية منها”. وتشير إلى أن “داعش” تمنع نزوح أهالي عرسال عنها لتجعل منهم درعاً بشرية كي لا يقوم الجيش اللبناني بعملية تمشيط واسعة تقضي عليهم وتريحنا منهم”.

الزوجة التي تذرف دمعاً غزيراً ويتعاظم خوفها على مصير زوجها وأخوتها وأهالي بلدتها وجيش الوطن في ظل ما يشبه “حروب الشوارع”، تشير إلى أن “المؤن قليلة في عرسال التي تعاني انقطاعا شبه مستمر في الكهرباء وغياباً تاماً لخدمة الإنترنت التي تعوق التواصل مع الأهل والأحبة للاطمئنان عليهم”. لكن تعويلها يبقى على الجيش الذي كانت استقبلته عرسال بالذبائح والإحتفالات ونثر الأرز، نافية أن يكون بين المسلحين أي عرسالي، فـهي تؤكد أن “العراسلة وطنيون وشرفاء، وهؤلاء المتطرفون لا يشبهون بيئتنا الطيبة والمعتدلة”.