Site icon IMLebanon

“النبعة” تشرب مياه الصرف.. بيروت والضواحي عطشى

Safir
باسكال صوما
يضاف إلى هموم الفقراء وأصحاب الدخل المحدود في منطقة النبعة، همّ جديد. فإلى شحّ المياه، يضطرّ الأهالي لاستخدام مياه الشبكة من الواضح أنّها امتزجت بالصرف الصحي حتّى اكتسبت درجة عالية جداً من التلوّث، من شأنها أن تسبّب أمراضاً وفيروسات خطيرة. ولا تبدو أحوال أهل بيروت والضاحية الجنوبية أفضل، فالمياه لا تزورهم سوى ساعاتٍ قليلة كل أسبوع أو أسبوعين.
يبدو إذاً أنّ بلد الـ16 نهراً ومئات الينابيع، يضع أهله بين حلّين، إمّا مياه ملوّثة، أو الخضوع للشحّ، فالوقع أنّ خطط المياه مجتمعةً لم تنجح في تأمين حاجة بقعة أرض لا تتعدّى مساحتها الـ10452 كيلومتراً مربّعاً.
لم يعد معظم أهالي النبعة يستخدمون المياه الملوّثة للشرب، منذ فترة، إلاّ ان الوضع المعيشي المعقّد يضعهم أمام خياراتٍ صعبة، فيضطرون إلى الخضوع للأمر الواقع واستخدامها للأعمال المنزلية والطبخ أحياناً، فيما تستعمل هذه المياه الملوّثة للشرب أيضاً في بعض البيوت الفقيرة.
«مؤسسة المياه»: لم يخبرنا أحد!
وفيما يؤكّد الأهالي أنهم حاولوا أكثر من مرة الاتصال بـ«مؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان» من دون جدوى، يفيد مدير «دائرة توزيع المتن الساحلي» (مركزها في برج حمود) عبدو عضيمة «السفير» بأنّ «أي شكوى لم تصل إلى الشركة حتى الآن»، لافتاً الانتباه إلى أن «فرقاً من الشركة تجوب المنطقة الآن لتحديد المشكلة».
ويوضح أنّ «مناطق كثيرة تتغذّى من المياه نفسها، لكنّها لا تشكو من أي تلوّثٍ، لذلك يمكن القول إنّ المشكلة مركّزة في بؤرة معيّنة من منطقة النبعا، هي التي تسبب ضرراً للمياه»، مشيراً إلى أن «العطل موضعيّ، وستعمل الفرق المختصّة في شركة المياه بالتنسيق مع بلدية برج حمود ـ النبعة لحلّ هذه المشكلة بأسرع وقتٍ ممكن». ويضيف: «لو اتّصل الأهالي بنا قبل الآن، لما كنّا تأخّرنا يوماً واحداً عن إصلاح العطل، إذ إنّ الضرر كبير على صحّة الأهالي ولا يمكن كشــــركة مــياه أن نغضّ النظر أو نؤجّل الإصلاح»، مفيداً في الوقت نفسه أنه «لا يمـــكن تبيان الوقت الكافي لمعالجة المشكلة قبل تحديد مكانها».
ما زال أهالي النبعة وربما مناطق أخرى أيضاً يستخدمون مياهاً ملوّثة، يتنشّقون رائحتها ويمزجونها مع طعامهم، بانتظار حلّ المشكلة، التي قد لا تنتهي قريباً، وقد لا تكون مقتصرةً على هذه المنطقة.
في هذا الإطار، ناشد رئيس «جمعية بشرى الانمائية» ابراهيم محمود زين الدين في بيان أمس، «وزير الطاقة والمياه آرتور نظريان ضرورة التدخل السريع لحل مشكلة تلوث المياه في منطقة النبعة المتمثلة باختلاط مياه الشفة والخدمة بمياه الصرف الصحي»، داعياً «إلى وجوب استنفار كل جهود المعنيين للحفاظ على صحة الاطفال والعجزة الذين طالهم التلوث».

«ولا نقطة مي»
بالتوازي، يجد البيروتيون وســـكان الضـــاحية الجنــوبية أنفسهم أمام أزمة حقـــيقيّة، فالشــحّ الكبير في الميـــاه، يضـــطرّهم إلى تحـــمّل تكالــيف إضـــافية لشراء المياه، ففي منطـــقة عين الدلبة مثلاً، يختصر الأهالي الوضع بجملة واحدة «ولا نقطة مي».
كما تقوم بلدية حارة حريك بحفر آبار لتأمين المياه الجوفية إلى أهل المنطقة، ولم تحدد حتى الآن بدلات الاشتراك. هذا في حين تجوب شركات الصهاريج في المنطقة عشرات المرات يومياً. وهنا يجدر السؤال، من أين تأتي هذه الشركات بالمياه؟ فمؤسسة المياه أوضحت في بيان أمس، انها «لا تسمح اطلاقا لأصحاب الصهاريج بتعبئة المياه من مصادرها»، راجيةً «افادتها برقــــم اي صهريج واسم السائق اذا امكن، يدعي صاحــبه ان مــــصدر المياه التي يوزعـــها هو مــن المؤسسة لتــقوم بالتحـــقيق والاجـــراء الـــلازم».
وأوضحت أن «عدم وصول المياه الى بعض المنازل، مرده الى الانخفاض الكبير في مصادر المياه وبالتالي قلة ساعات التوزيع، نتيجة للشحائح الاستثنائية هذا العام، إضافة إلى التفاوت في مستويات الأرض، مما يجعل المناطق المنخفضة تستفيد اكثر من المرتفعة وتحرم بعض المواقع من المياه، لكن هذا الوضع استثنائي جدا، ومن المتوقع أن ينتهي اوائل شهر تشرين الاول المقبل».

كوليرا وتسمم
أمام هذا الوضع، يحذّر رئيس «جمعية المستهلك» الدكتور زهير برو عبر «السفير» مما «يصيب المياه في لبنان، الشحّ من جهة والتلوّث من جهةٍ أخرى». ويوضح أنّ «التلوّث بمياه الصرف الصحي من شأنه أن يسبب أمراضاً خطيرة من أهمّها التهاب الكبد الوبائي، إضافةً إلى أنّ الكولونيات أي الميكروبات الموجودة في مياه الصرف الصحي من شأنها أن تؤدي إلى التسمم والكوليرا وغيرهما من الأمراض»، مشيراً إلى أنه «لا يجوز استخدام المياه الملوّثة بالصرف الصحي لأي شيء ولا حتى لغسل اليدين أو الخضار».
ويفيد برو بأن «مشكلة التلوّث تعود إلى الشبكات وليس في النبع، إنّما على مؤسسة مــياه بيروت ووزارة الطاقة والمياه أن تعملا لمراقبة ومتابعة سير هذه الشبــــكات في المناطق والكشـــف عليها»، لافتاً الانتباه إلى أن «شــــبكاتنا غير محميّة ولا تخضـــع للتجــديد والتطـــوير، وهذه مشكـــلة كبيرة أيضاً».
وإذ ينتقل للحديث عن موضوع الشح، يسأل برو: «ألم تلحظ الدولة قبل الآن أنّ المطر لم يتساقط بما يكفي والبلد يمرّ بأزمة مياه كبيرة وعليها أن تضع الخطط وتتحرّك لتأمين المياه للمنازل والمزروعات؟». ويضيف: «ماذا لو كان الشتاء المقبل كالماضي؟ سنكون أمام كارثة كبيرة تتشعّب إلى أزمة مياه وكهرباء وأزمات اجتــــماعية واقتصادية»، آملاً أن «تتحرّك البلديات لتأمين الحد الأدنى من حـــاجــــات الناس أمام الخلل المؤسساتي الواضح في الدولة».

مواصفات المياه منذ الـ1990
ومن باب الصدف، أنّه قبل أيامٍ قليلة كانت «مؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان» قد أعلنت ان «الفحوصات الجرثومية والكيمائية على عدة عينات من المياه المستثمرة والموزعة من قبل مصالح المياه المدموجة في المؤسسة خلال شهري ايار وحزيران، تبين وفقا لنتائج الفحوصات الجرثومية أن المياه سليمة وخالية من الجراثيم. وكذلك فان الفحوصات الكيميائية تثبت أن المياه لا تشكل ضررا على الصحة». في هذا الإطار، ترى مصادر متخصصة لـ«السفير» أن «هناك شكوكاً كبيرة حول البيانات التي توزعها مؤسسات المياه»، مؤكدة أن «هناك تلوثا جرثوميا كبيرا من الكثير من المصادر التي تصب في محطات التكرير، ما يضطر المؤسسة لزيادة نسبة الكلور في الماء التي تتسبب بمشكلات صحية أخرى غير تلك التي تتسبب بها المياه الملوثة».
وتشير المصادر إلى أن «الموصفات التي تعتمدها للمياه لم يتم تجديدها منذ العام 1999»، لافتةً الانتباه إلى أن الفحوصات التي تأخذها المؤسسة بشكل دوري لا تشمل المعادن الثقيلة والمواد العضوية الإجمالية والمواد المعرقلة للغدد الصماء والتي أثبتت الكثير من الدراسات الجامعية وجودها في المياه الموزعة من قبل المؤسسة».