Site icon IMLebanon

«خطوط الفقر»: ملهاة عن خطوط الإفقار والاستغلال

PovertyLebanon

فراس أبو مصلح
السياسات الاجتماعية- الاقتصادية التي عززت الطابع الريعي والاحتكاري للاقتصاد اللبناني وكرست تركز النشاط الاقتصادي في العاصمة وضواحيها «أوجدت بيئة مناسبة لزيادة معدلات البطالة والفقر وانخفاض مستويات المعيشة للشريحة الكبرى من المواطنين»، إذ ارتفع مؤشر أسعار المستهلك بنسبة 80.3% بين عامي 2005 و2013؛ وكانت وطأة هذا التضخم الهائل أكبر على ذوي الدخل المتدني الذين «تبقى قدرتهم على زيادة إنفاقهم أقل بكثير من وتيرة ارتفاع الأسعار»، ما ينعكس «تآكلاً متزايداً في القدرة الشرائية للأسر، وبالتالي تناقصاً في مستويات الإشباع التي كانت تحصل عليها».

كانت تلك خلاصة دراسة صادرة عن المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق، موضوعها «تطور كلفة المعيشة وخطوط الفقر في لبنان_ للفترة 2005-2013». لكن الغريب أن الدراسة التي تستحضر مفهوم «الاستبعاد الاجتماعي» الذي يبحث في العلاقات الدولية (أي علاقات التبعية) والبنى الاجتماعية المولدة للفقر عوض الاكتفاء بوصف الأخير وقياسه، تنصرف للانشغال بتحديث تقديرات الأمم المتحدة لـ«خطوط الفقر» و«متوسط السعرات الحرارية» التي ينالها اللبناني يومياً، عوض بحث الأسباب البنيوية للظاهرة، كنسبة كل من الواردات والصادرات والدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي، وعدالة توزيع الدخل في المجتمع، ونسبة الانخراط في التعليم الأساسي المجاني، وذلك وفق مفهوم «الاستبعاد الاجتماعي» الذي حكمت الدراسة أنه «لم يرق إلى مستوى نموذج قياسي يدرس العلاقة بين المتغيرات»، وأنه «غير قابل للتطبيق»!
«لحق الارتفاع الأعلى (في مؤشر أسعار المستهلك) أسعار المواد الغذائية والتعليم بنسبة 82.19% و65.23% على التوالي، يليها السكن (60.2%) والاستجمام والتسلية والمطاعم (44.5%) والعناية الشخصية وسلع أخرى (44.5%) والماء والكهرباء والغاز (41.6%)، ثم المفروشات وصيانة المنزل (33.96%)، فالنقل والاتصالات (22%) والملبوسات والأحذية (16%)، وآخرها الصحة (14%)»، تقول الدراسة مستندة لأرقام إدارة الإحصاء المركزي. تلفت الدراسة إلى أن الإنفاق على الغذاء والسكن مع مستلزماته (أي الإنفاق على الحاجات الأساسية ذات الطلب غير المرن نسبياً) «بقي يستحوذ على القسم الأكبر من نفقات الأسرة في مختلف السنوات، لا بل ارتفع ثقلها في ميزانية الأسرة بشكل متزايد… (وذلك) لدى كل فئات الدخل من دون استثناء»،

عاكساً «الطابع الاحتكاري للأسواق المحلية»، والذي يبقى «عاملاً حاسماً في ارتفاع الأسعار»، إلى جانب أثر السياسات المالية والنقدية وارتفاع أسعار الأراضي (نتيجة ضيق مجالات التوظيف وانفلات المضاربات العقارية)، وبالتالي ارتفاع أسعار سائر السلع والخدمات عامة. يلاحظ التقرير كذلك أن «الإنفاق على الغذاء والماء والمحروقات يبلغ ذروته في مناطق فقيرة نسبياً كالبقاع والنبطية ولبنان الشمالي، فيما تنخفض هذه البنود إلى أدنى مستوياتها في بيروت وجبل لبنان، لترتفع فيهما في المقابل نفقات النقل والتعليم والصحة»، بشكل يظهّر أثر ارتفاع أسعار السلع والخدمات الأساسية في زيادة التفاوت في المداخيل بين الطبقات الاجتماعية، وأيضاً بين المركز الاقتصادي للنظام، أي بيروت وضواحيها، وسائر المناطق (الأطراف). في السياق نفسه، تشير الدراسة إلى «خارطة الأحوال المعيشية» لعام 2004، والتي تبين تفاوت نسب الفقر في المناطق بتفاوت توافر الخدمات الاساسية كالسكن والمياه والكهرباء والصرف الصحي، وبالأساس مستوى الدخل والتفاوت في طبيعة النشاط الاقتصادي السائد؛ ليستعرض نسبة الأسر «المحرومة» إلى إجمالي الأسر، وهي 50.1% في النبطية و44.5% في الجنوب و42.4% في الشمال و33.4% في البقاع و22.2% في جبل لبنان و9.1% في بيروت (!)، ليكون مجموع الأسر تلك في لبنان 30% من إجمالي العائلات.
«اشتدت حدة الفقر في الدول النامية بالتزامن مع هيمنة السياسات الاقتصادية الليبرالية المفروضة من قبل مؤسسات العولمة، كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، فتصاعدت الدعوات للتخفيف من حدة الفقر، من دون أن ترقى حتى تاريخه إلى مستوى اجتثاث الفقر من خلال معالجة أسبابه»، تقول الدراسة، قبل أن تعاود الغوص في توصيفات الفقر ومؤشراته التي تلوكها أدبيات الأمم المتحدة وجمعيات «المجتمع المدني» التي تدور في فلكها، فتتناول دراسة للأمم المتحدة حول الفقر في لبنان عام 2008، استندت بدورها إلى دراسة أجراها الإحصاء المركزي بين عامي 2004 و2005، «خلصت إلى أن حوالى 8% من اللبنانيين يعيشون تحت خط الفقر الأدنى المقدر بـ2.4 دولار للفرد في اليوم، وأن حوالى 20.5% منهم يعيشون تحت خط الفقر الأعلى المقدر بـ4 دولارات يومياً، ما يعني أن ثلث الشعب اللبناني تقريباً يعيش تحت خط الفقر». تنشغل الدراسة بتفاصيل تقديرات الأمم المتحدة لـ«متوسط السعرات الحرارية للبناني يومياً» وبتفنيد أصناف السلة الغذائية التي تبين نشرات أسعار وزارة الاقتصاد والتجارة أن سعرها تضخم بنسبة 90.55% بين عامي 2005 و2012، ليرتفع خط الفقر الغذائي من 1.53 دولار يومياً للفرد عام 2005 إلى 2.92 دولار يومياً للفرد عام 2012؛ أما خط الفقر غير الغذائي (الاحتياجات الأساسية غير الغذائية)، فقد بلغ حده الأدنى 488 ألف ليرة سنوياً للفرد، ومليون و328 ألف ليرة للحد الأعلى للسنة نفسها!