Site icon IMLebanon

محصّلة العام الزراعي: نكبات بامتياز…من أزمة التصدير والطرق المقطوعة الى شحٌ الأمطار

AgricultureLebanStorm
سامر الحسيني

لا يجد المزارع بلال الزغبي ادق من تعبير «اتعس» ليكون توصيفا لهذا العام الزراعي الذي كان حافلا ولا يزال بالنكبات الزراعية بدءاً من العوامل المناخية التي تجلت في شح الامطار وموجات الصقيع التي ترافقت مع زيادة الامراض والاوبئة الزراعية، وصولا الى إقفال اسواق التصدير العربية، الأمر الذي انعكس انهيارا في اسعار سلع الخضار والفاكهة، انتهاءً بمعوقات داخلية أفضت إلى اعتبار العام 2014 الاسوأ على القطاع الزراعي والمزارعين .
كارثة العام الزراعي يختصرها الزغبي ما بين ارتفاع طارئ ومستجد في الكلف الانتاجية للموسم الزراعي الحالي ونكبات الطرق المقطوعة في الخارج والداخل وإقفال ابواب التصدير التقليدية. وعليه، فقد انتج المزارعون اغلى موسم زراعي، الا انه لم يثمر في المقابل سوى ارخص سلع زراعية لعدم توفر سبل التسويق والتصريف في الأسواق الداخلية والخارجية، الامر الذي ادى الى كساد المواسم الزراعية وانهيار الأسعار.
العقوبات على روسيا كان لها تأثيرها السلبي على القطاع التصديري الزراعي، اذ يلاحظ الزغبي تحول الكثير من الدول الاوروبية وسواها من الدول التي اعتادت التصدير الزراعي الى روسيا باتجاه الاسواق البديلة وخصوصا العربية والخليجية التي تعد سوقا اساسية لتصريف الانتاج الزراعي اللبناني، وهنا وقعت الضربة الكبرى لحركة التصدير اللبنانية التي لا تمتلك مواصفات ومقومات المنافسة فتراجع التصدير.
مآسي العام بالأرقام
توثق نسب التراجع في ارقام الصادرات الزراعية الصادرة عن «غرفة التجارة والصناعة والزراعة في زحلة والبقاع» كل مآسي العام الزراعي. ويمكن القول إن المقارنة بين حجم الصادرات الزراعية حتى نهاية شهر ايلول للعام الحالي وشهر ايلول من العام 2013 تؤشر الى تراجع في الصادرات الزراعية. ويأتي التصدير الى مصر في طليعة التراجع، مناهزاً لـ62 في المئة، وهذا ما يفسر انهيار اسعار التفاح وبعض اصناف الفاكهة اللبنانية التي كانت تجد في السوق المصرية سوقا واعدة. كذلك تراجعت الصادرات الى سوريا 61 في المئة، مما يبرر كارثة محاصيل البطاطا والبصل والموز. كما سجلت الصادرات الزراعية باتجاه الكويت تراجعا نسبته 28 في المئة، في حين ان نسب الزيادة في حركة الصادرات الزراعية باتجاه بقية الدول العربية، وتحديدا السعودية لم تتجاوز 26 في المئة، علما ان صادرات العام 2013 باتجاه السعودية كانت ضعيفة جدا.
ارتفاع الكلفة
بدأ مسلسل ارتفاع الكلفة الزراعية لهذا العام مع بداية الموسم الزراعي، اذ عانى المزارعون من شح امطار فرض عليهم زيادة اعماق آبارهم الجوفية وحفر المزيد منها، لري حقولهم وسهولهم الزراعية التي شكت ايضا من التبدلات السريعة للعوامل المناخية، التي استولدت الكثير من الاوبئة والامراض والآفات الزراعية. امام هذا الوضع، كان على المزارعين اللجوء الى المعالجة بالادوية والمبيدات الزراعية، واضطرارهم الى الري الاصطناعي واستنزاف المياه الجوفية، ما رتب كلفة مالية وصلت نسبتها الى حدود 20 في المئة زيادة على الكلفة العادية للانتاج الزراعي مقارنة مع السنوات الماضية.
كل مجريات العام الحالي تجمعت بشكل سلبي في مسار الانتاج الزراعي، وفق ما يلاحظ المزارع نزيه بقاعي الذي يتحدث عن إشكاليات الطرق المقطوعة في لبنان، التي حرمت المزارعين من ايصال انتاجاتهم الزراعية من البقاع الى بيروت واسواق الشمال عدا عن ايصال قوافل التصدير الى منطقة المصنع الحدودية.
«عقبة الطرق المقطوعة اضرت كثيرا بالمزارعين الذين شكوا مرارا من هذه البدعة القاتلة» وفق تعبير بقاعي.
ويحّمل بقاعي «تداعيات بعض الاحداث الامنية مسؤولية التراجع في التصريف والكساد وتراجع الاسعار، وتحديدا ردة الفعل التي تترجم بإقفال الطرق الرئيسية والدولية مما حرم تدفق الانتاجات الزراعية الى الاسواق في بيروت وفي الداخل وان وصلت لم يكن عبورها دون كلفة مالية اضافية».
إقفال طريق ضهر البيدر، فعل فعله في إلحاق الكارثة الزراعية بمئات المزارعين؛ وتقدر فعاليات زراعية حجم الخسائر التي ترتبت على هذا الإقفال الذي دام 17 يوما، باكثر من 17 مليون دولار، اي عن كل يوم مليون دولار.
الطرق المقطوعة لم تتوقف عند ضهر البيدر، بل ايضا على طريق المصنع الدولية وعلى الطريق الرئيسية في سعدنايل، إنما خسائرها كانت اقل مقارنةً بنكبة قطع الطريق الدولية في ضهر البيدر.
بكلفة مالية اضافية تجاوزت شاحنات وقوافل المزارعين، الطرق الداخلية ووصلت الى ساحة المصنع الحدودية، لترتسم عقبات وعراقيل جديدة منها ما اندرج تحت عناويين التشدد في المواصفات الزراعية المصدرة، ما ادى الى تأخير انسياب الشاحنات، ومنها ما يتعلق بمسار القوافل والشاحنات الزراعية التي عانى مسارها من جديدة يابوس عند الحدود السورية – اللبنانية وصولا الى الحدود السورية – الاردنية، مخاطر لم تقتصر اضرارها على احتراق شاحنات عدة، بل وصل الامر الى مقتل وجرح سائقين على غرار الاحداث الامنية والعسكرية التي شهدتها الحدود السورية – الاردنية في هذا العام.
إجراءات جمركية
لم يكد يخرج المصدرون الزراعيون من مأساة الطرق ومخاطرها حتى وقعوا اسيري الاجراءات الجمركية والامنية والعسكرية المعقدة عند الحدود العربية خصوصا تلك التي اتبعت عند الحدود الاردنية وعلى اثرها تمت إعادة شاحنات زراعية عدة كانت كفيلة بإلحاق المزيد من الخسائر المالية عند المزارعين والمصدرين .
مخاطر الشحن البري رفعت كثيرا أجور النقل وفق رئيس «نقابة أصحاب الشاحنات المبردة» عمر العلي الذي يصف العام 2014 بالعام الاكثر صعوبة.
وفق العلي أيضا: «تجاوزت اجرة السائق هذه السنة 900 دولار، علما انها قبل الاحداث السورية لم تكن تتجاوز 200 دولار ذهابا وايابا، وكل سنة ترتفع في موازاة ارتفاع حجم المخاطر على الطريق الدولية في الداخل السوري التي تستنزف المزيد من المصاريف في الطريق من جديدة يابوس وصولا الى الحدود السورية – الاردنية عند معبر النصيب».
«العام الكارثي» توصيف يتنقل بين المزارعين والمصدرين الذين يتفقون في الحديث عن اسوأ نكبة لحقت بمواسمهم الزراعية على اختلافها.
البطاطا
تصدرت قائمة الاصناف المتضررة في القطاع الزراعي وفق ما يلاحظ رئيس «نقابة مزارعي البطاطا في البقاع» جورج الصقر.
من الشواهد على كارثة البطاطا لهذا العام حسبما يقول الصقر هو «بقاء اكثر من 30 الف طن من البطاطا حتى اليوم في البرادات والمستودعات»، الامر الذي يدفع الصقر الى مناشدة وزير الزراعة اكرم شهيب للاتصال بالجانب المصري والعمل على تأخير دخول البطاطا المصرية الى 15 2015/2/15 بدلا من 2015/2/1 كما جرت العادة، حتى يصار الى تصريف ما تبقى من هذا الانتاج.
يعزو الصقر «ازمة البطاطا الى كثرة الانتاج المحلي من جراء الارباح التي تدفقت على المزارعين في العام الماضي، فلبنان اعتاد زراعة 100 الف دونم، في حين تضاعفت هذه السنة المساحات المزروعة التي بلغت حدود 200 الف دونم انتجت اكثر من 500 الف طن، مقابل حاجة استهلاكية محلية تقارب 150 الف طن كحد اقصى، الامر الذي فرض علينا تصدير حوالي 350 طنا في اسواق لم تعتد على استقبال اكثر من 150 الف طن، فانهارت الاسعار ووقع الكساد ولا تزال حتى اليوم آلاف الاطنان محتجزة في البرادات».
يتحدث المزارع كابي فرج عن سنة مالية مدمرة لمئات المزارعين الذين لم يستطيعوا تأمين السيولة المالية لعدد كبير من شيكاتهم المصرفية التي لم تصرف لعدم وجود مؤونة مالية، الامر الذي اضطر العشرات منهم الى اعلان الافلاس، والعجز عن دفع المستحقات المالية المترتبة لمصلحة مؤسسات بيع البذار والاسمدة والادوية الزراعية.
يقفل العام الزراعي الحالي ساعاته الاخيرة على اخطر عام زراعي، شهد الكثير من الازمات الزراعية والنكبات في حركة التصدير والنقل، على امل ان تكون هذه الساعات الاخيرة خاتمة لنكسات المزارعين.