
بداية أسبوع غاية في السوء بالنسبة لمنتجي النفط هذا الأسبوع، حيث سجل منحنى الاسعار هبوطاً لخام برنت دون 48 دولاراً والخام الأميركي الخفيف دون 46 دولاراً، في حين لم يدفع التراجع المستمر لقيمة البرميل بدول الخليج نحو التقشف، مع قدرته على الصمود لسنوات أمام هذه العاصفة.
أسعار النفط هوت أمس أكثر من دولار للبرميل أمس مع قيام «غولدمان ساكس» بخفض توقعاته للمدى القصير في حين تعرضت مصفاتا تكرير في أوهايو وبنسلفانيا لحرائق في نهاية الأسبوع مما نال من الطلب على الخام في الولايات المتحدة.
وسجل كل من برنت والخام الأميركي أدنى مستوى منذ نيسان 2009 وانخفضا للأسبوع السابع على التوالي. وخفض المحللون في «غولدمان ساكس» متوسط توقعاتهما لبرنت في 2015 إلى 50.40 دولارا للبرميل من 83.75 دولارا. وقلصوا توقعاتهم للخام الأميركي إلى 47.15 دولارا من 73.75 دولارا، قائلين إنه ينبغي أن يظل قرب 40 دولارا معظم فترات النصف الأول من 2015 كي يعرقل استثمارات النفط الصخري.
وقال المحللون في تقرير «لتحييد كل رؤوس الأموال وتقييد الاستثمار في النفط الصخري إلى أن تستعيد السوق توازنها نعتقد أن السعر ينبغي أن يظل منخفضا لفترة أطول».
وفي الساعة 8:03 بتوقيت غرينتش تراجع سعر الخام الأميركي تسليم شباط 1.11 دولار إلى 47.25 دولارا، قبل أن يهوي لاحقاً دون 46 دولاراً، للمرة الأولى منذ نيسان 2009. بموازاة ذلك نزل عقد برنت تسليم شباط 1.37 دولار ليسجل 48.74 دولارا، قبل أن يهبط لاحقاً دون 48 دولاراً، أيضاً للمرة الأولى منذ نيسان 2009.
وزادت تراخيص آبار النفط والغاز الجديدة في أنحاء الولايات المتحدة زيادة طفيفة في كانون الأول بعد أن تراجعت تراجعا حادا في تشرين الثاني بسبب انحدار أسعار الخام. وأشار تراجع تشرين الثاني إلى تباطؤ محتمل لطفرة النفط والغاز الصخري التي سمحت للولايات المتحدة بمنافسة السعودية كثاني أكبر منتج للخام بعد روسيا.
ويهدد تعطل المصفاتين في أوهايو وبنسلفانيا بتنامي تخمة الخام مع تراجع الطلب من مجمعين كبيرين يعد أحدهما الأضخم في الساحل الشرقي الأميركي.
«غولدمان ساكس»
وقد خفض بنك «غولدمان ساكس» الأميركي توقعاته لسعر النفط أمس، وقال إن أسعار الوقود ينبغي أن تظل منخفضة لفترة أطول كي تقود لتقليص الانتاج وتبديد تخمة المعروض في الأسواق العالمية.
وقال محللو النفط في «غولدمان ساكس»، وعلى رأسهم جيفري كوري، إن انهيار الأسعار في الأشهر الستة الأخيرة سيقود إلى توازن في السوق في نهاية المطاف. وانخفضت الأسعار نحو 60 في المئة إلى أقل من 50 دولارا للبرميل. لكنه توقع أن الاسعار قد تنزل أكثر على المدى القصير وقد تهبط إلى أواخر الثلاثينات قبل أن تتعافى السوق. وقال المصرف أمس إنه خفض السعر المتوقع لخام غرب تكساس الوسيط في 2015 إلى 47.15 دولارا للبرميل من 73.75 دولارا والسعر المتوقع لعام 2016 إلى 65 دولارا للبرميل من 80 دولارا.
وقال في مذكرة بتاريخ 11 كانون الثاني إن السعر المتوقع لخام برنت في 2015 أصبح 50.40 دولارا، بدلا من 83.75 دولارا، وإنه خفض توقعه لعام 2016 إلى 70 دولارا من 90 دولارا.
دول الخليج
في الخليج، ربما يتوقع البعض أن يكون الانخفاض الحاد في أسعار النفط الذي بلغ 55 في المئة منذ حزيران الماضي إيذانا ببداية عصر من التقشف في منطقة الخليج المقبلة على هبوط حاد في دخلها. لكن التقشف لم يحدث ولا تلوح له أي بوادر.
فقد صمدت الدفاعات الاقتصادية التي أقامتها دول الخليج عقب الأزمة المالية العالمية قبل 5 سنوات للتصدي لمثل هذا الهبوط في أسعار النفط. فالمستهلكون ما زالوا ينفقون المال والشركات ما زالت تستثمر والحكومات تعلن موازنات قياسية الحجم لعام 2015. ويتوقع بعض الاقتصاديين أن تتسارع وتيرة النمو في دول مجلس التعاون الخليجي الست هذا العام.
ومن المرجح أن يتباطأ العمل في عدد من مشاريع البناء أو يتوقف لا سيما في البحرين وسلطنة عمان أصغر دولتين بين الدول الست وأضعفهما من الناحية الاقتصادية. وإذا بقيت أسعار النفط عند المستويات الحالية لسنوات، فربما تضطر الدول الأكبر اقتصادا في مجلس التعاون الخليجي إلى إجراء تخفيضات مؤلمة في الإنفاق. غير أن الأمور ستسير في المستقبل المنظور في مسارها المعتاد من دون تغيير يذكر في السعودية والامارات وقطر والكويت التي كونت احتياطات مالية ضخمة يمكن أن تعول عليها في مواصلة الإنفاق الحكومي بمعدلاته العالية.
وهذا يسهم في الحفاظ على المعنويات المرتفعة لدى المساهمين والشركات رغم تراجع النفط. فشركة «جرير» للتسويق، أكبر شركة مدرجة بقطاع التجزئة في سوق الاسهم السعودي وتعمل في مجال بيع الأجهزة الالكترونية والأدوات المكتبية، أعلنت زيادة بنسبة 20 في المئة في المبيعات السنوية في الربع الأخير من العام الماضي.
وأظهرت استطلاعات آراء مديري المشتريات لكانون الأول في السعودية والامارات أن نشاط القطاعات غير النفطية ينمو بالوتيرة نفسها التي نما بها في حزيران.
وقال إياد ملص، الرئيس التنفيذي لمجموعة ماجد الفطيم القابضة وهي من أكبر الشركات الخليجية في مجال مراكز التسوق والترفيه ويعمل بها 27 ألف موظف، إن مجتمع الأعمال في المنطقة ليس واثقا من اتجاه أسعار النفط لكنه يتوقع نموا قويا هذا العام.
اضاف لرويترز «بدأت مشاريع كبرى في البنية التحتية والإنفاق الحكومي مستمر.. نحن لا نتوقع تباطؤا في مبيعات التجزئة هذا العام في السعودية أو في المنطقة»، مضيفا أن ماجد الفطيم القابضة لا ترى ما يدعو إلى تغيير خططها الاستثمارية.
سياسة الموازنة
وكلفة انخفاض النفط بالنسبة لدول الخليج ضخمة. إذ يقدر جيسون توفي من شركة «كابيتال إيكونوميكس» في لندن أنه إذا بلغ متوسط أسعار مزيج برنت هذا العام 60 دولارا للبرميل فستسجل دول مجلس التعاون الخليجي عجزا مشتركا في موازين المعاملات الجارية يبلغ 60 مليار دولار.
أما إذا بلغ متوسط السعر 110 دولارات للبرميل كما كان في حزيران فسيتحقق لها فائض يبلغ 300 مليار دولار. غير أن تركيبة صناعة النفط في الخليج تقلل الأثر المباشر للتغيرات في أسعار النفط على الاقتصاد. فإيرادات تصدير النفط لا تتدفق مباشرة إلى القطاع الخاص بل للحكومات وهي التي تقرر ما تنفقه منها.
وهذا معناه أن العامل الرئيسي الذي يحكم الاقتصاد ليس هو سعر النفط بل سياسة الدولة في وضع الموازنة. وتشير البيانات الحكومية على مدى الأسبوعين الماضيين إلى أن إنفاق الدولة قد يتراجع هامشيا بالأسعار الحقيقية هذا العام لكنه سيظل مرتفعا وقرب مستوياته القياسية.
وتعتزم السعودية زيادة الإنفاق الاسمي لعام 2015 بنسبة 0.6 في المئة عن الإنفاق المستهدف لعام 2014. وقد أعلنت دبي زيادة الإنفاق بنسبة 9 في المئة. بل إن سلطنة عمان تخطط لزيادة الإنفاق بنسبة 4.5 في المئة.
وقال كبار المسؤولين في حكومات اُخرى بمجلس التعاون الخليجي بما فيها إمارة أبوظبي وقطر والكويت إنها لن تخفض الإنفاق على التنمية الاقتصادية.
وتستخدم بعض الحكومات هبوط أسعار النفط كستار سياسي لزيادة الضرائب أو خفض الدعم لكن الأمر لم يبلغ مبلغ التقشف. فقد خفضت الكويت دعم وقود الديزل لكنها استبعدت المساس بدعم البنزين. ورفعت أبوظبي رسوم المرافق.
ولذلك فمن المستبعد في ما يبدو أن ينخفض النمو كثيرا إذا انخفض على الاطلاق هذا العام بل وربما تتسارع وتيرته إذا كانت العوامل الاُخرى المؤثرة فيه إيجابية.
وقال يوانيس مونجارديني رئيس قسم الاقتصاد ببنك قطر الوطني أكبر المصارف القطرية «نحن نتوقع تسارع النمو الحقيقي للناتج المحلي الإجمالي في منطقة مجلس التعاون الخليجي في نطاق 5 إلى 5.5 في المئة في 2015 مما يقدر بنحو 4.7 في المئة عام 2014». أضاف «ما لم يحدث خفض في الاستثمارات العام وهو أمر غير متوقع في المنطقة فنحن لا نتوقع أثرا كبيرا على المعنويات العامة لقطاع الأعمال».
ومن المؤكد أن حكومات مجلس التعاون الخليجي لن تتمكن من تفادي تخفيضات كبيرة في الإنفاق إذا بقيت أسعار النفط منخفضة. فإذا ظل مزيج برنت عند مستواه الحالي حول 50 دولارا للبرميل فستشهد الدول كلها على الأرجح عجزا في الموازنة. غير أن احتياطياتها المالية من الضخامة ما يمكنها من تحمل العجز لسنوات.
وتتجاوز احتياطيات النقد الأجنبي وأصول صناديق الثروة السيادية في دول مجلس التعاون الخليجي 160 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي وفق حسابات «كابيتال إيكونوميكس».
ويقدر بنك «في.تي.بي كابيتال» الاستثماري أنه إذا ظلت أسعار النفط عند 60 دولارا للبرميل فان أرصدة الدول الأربع الكبرى في مجلس التعاون الخليجي يمكنها تمويل الإنفاق العام بالمعدلات الحالية لفترة تتراوح من عامين إلى 5 أعوام أو تغطي العجز في الموازنة لفترة تتراوح من 4 أعوام إلى 14 عاما وذلك دون اللجوء إلى الاقتراض مع الإبقاء على ربط عملات دول المجلس بالدولار الأميركي.
وحتى الآن يبدو أن المستثمرين المحترفين يتمتعون بثقة مماثلة. فقد انخفضت أسعار الأسهم في بورصات المنطقة التي يهيمن عليها المستثمرون الأفراد لكن العديد من مديري الصناديق يرون أنها مبالغ في قيمتها. ولم تتحرك أسعار السندات وأسواق التعاملات الآجلة في العملات بقدر يذكر فيما يظهر أن المستثمرين لا يتوقعون ضغوطا مالية في المنطقة.
وقال جون سفاكياناكيس المدير الاقليمي لشركة آشمور لإدارة الأصول في الرياض إن الخليج بدأ يدخل عصرا جديدا بعد الازدهار الذي شهده على مدار السنوات العشر الأخيرة بسبب انخفاض النفط. وأضاف ان
هذا العصر يتميز بنمو أقل لكن هذا لا يعني الركود بأي حال من الأحوال.
وتابع «سيحدث نمو جيد وليس بالضرورة انخفاض كبير. ستكون المعدلات في حدود 4.3 إلى 4.5 في المئة».

