Site icon IMLebanon

بالفيديو.. Fifty Shades of Grey: ممارسة جنسية بأوجه مختلفة!

sex-1

الصالة التي احتضنت “خمسون ظلاً لغراي” في عرضه الصحافي الـ”برلينالي” الأول انفجرت ضحكاً مراراً طوال ما يقارب كل فترة العرض. فهذا الشريط الخفيف بدا مُقحَماً إقحاماً بليداً في برنامج ينطوي على أفلام هائلة جاءت بها ادارة مهرجان برلين السينمائي (5 – 15 الجاري) الى المدينة الباردة. مقارنةً بالروعة الايروبورنوغرافية، “نمفومنياك”، للمخرج الدانماركي لارس فون ترير التي عُرضت هنا العام الماضي، بدا هذا الاقتباس الركيك لرواية باعت منها كاتبتها اريكا ميتشل 100 مليون نسخة حول العالم (بعد ترجمتها الى 50 لغة)، أقرب الى “والت ديزني للكبار”، منه الى سينما تستفز الذوق العام وتعطل الصواب الاخلاقي وترسم صورة اخرى متعددة البعد للطبيعة الجنسية. حاول المهرجان إشعال فتيل الفضيحة المنظمة، لكن الخطة كانت فاشلة، اذا ان الفيلم نفسه لا يحلق عالياً في طرحه، وخصوصاً في تلك المشاهد الساخنة التي من المفترض ان تظهر علاقة سادومازوشية بين الجنسين. مَشاهد يراهن عليها الفيلم، ولكن سرعان ما يتبين انها فراغٌ بفراغ.

الدول الأوروبية لم تتعامل مع الفيلم بطريقة موحدة: بريطانيا منعته لمَن هم دون الـ18. في أسوج، سُمح لمن هم فوق الـ15 بمشاهدته. في فرنسا، سخر رئيس التصنيف العمري في المركز الوطني للسينما من الفيلم قائلاً انه لا يرى فيه سوى مخلّفات “الأدب الرومنطيقي التافه”، فصنّفه لمَن هم فوق الـ12. في لبنان حيث يُعرض الفيلم حالياً، رفعت الرقابة سقف التصنيف الى مستوى غير مسبوق، فأجازته للذين في الـ21 وما فوق. لا تعليق!

“خمسون ظلاً لغراي”، هو أفلمة الجزء الأول من الثلاثية. الاخراج للبريطانية سام تايلور جونسون. توقيت خروجه الى الصالات في هذا الاسبوع تحديداً، ليس مصادفة. هناك دائماً فيلم حبّ مبرمج للرابع عشر من شباط، يوم الـ”فالانتاين” (عيد الحبّ). بيد ان هذا النصّ الذي تتوافر فيه العناصر الصادمة والمستفزة ــ على الأقل في نسخته الأدبية ــ، ليس سوى قصة حبّ واعجاب مُطّعَم ببعض التوابل، يتوجه به صنّاع الفيلم الى المراهقين ومَن لا يزال يمتلك روحهم. انه فعلاً الجنس في عيون الثقافة الـ”مينستريمية” المنتشرة، ومنطقها، ومفهومها، حيث كلّ شيء يذهب حتى منتصف الطريق ويتراجع، حيث الخطة مفصّلة كي يبقى الجنس في اطار اللطافة و”المقبول” اجتماعياً، حيث حركة الكاميرا مدروسة ومحسوبة كي لا تظهر ولو مرة واحدة شعيرات العانة أو طرف العضو الذكري. لا تفاصيل اخراحية او درامية، ولا روح، بل كلّ شيء مصمم بميكانيكية لافتة. هناك استحالة، والحال هذه، لجعل الفيلم ايروسياً، حسّياً، مثيراً، فيتيشياً. هنا، الجنس المبرمج خاضع لسلطة التسويق والمال والانتشار واستقامة القول والفعل. كلّ شيء معطوف على فكرة: نعطيكم طرف الخيط والباقي عليكم. بيد ان الفيلم هنا لا يطلق العنان للمخيلة، من شدة تسطيحه للأشياء. النتيجة: شريط محافظ يسعى الى ادانة الألاعيب الجنسية، مُظهراً الشاب المهووس بها ضحية أمّ تدمن مخدرات، وامتداداً للتربية التي تلقاها منها.

يبدأ الفيلم عندما تُجري الفتاة الطالبة اناشتازيا (داكوتا جونسون) مقابلة صحافية لمطبوعة الجامعة مع كريستيان غراي (جايمي دورنان)، صاحب شركة ضخمة. غراي مليونير شاب من سياتل يقفز من هليكوبتر الى طائرة، ولا نراه يقود السيارة نفسها مرتين. أمير عازب يعجب بغموضه العازبات اللواتي لا يجدن سبيلاً اليه. عندما تتطور العلاقة بين اناشتازيا وكريستيان، يعرض الأخير عليها ان تخضع له ولفانتاسماته الجنسية. هي فتاة بسيطة توّاقة للحبّ، وهو رجل بارد، يفرض شروط العلاقة. لديه طريقته الخاصة في النطق: كلماته شحيحة، وفي معظم الوقت يحكي كي يقول ما ليس مفيداً في سياق الحوار. كلّ شيء يلمع في الفيلم: الأزياء، طلاء السيارات، الوجوه. أرض المنازل الفخمة التي تجوبها الكاميرا، لا غبار عليها. حدّ اننا نخال أنفسنا في دعاية لإحدى ماركات العطر الفرنسية. لا غبار في أيّ مكان، وكأن الناس يعيشون في فقاعة لا يدخل اليها الأوكسيجين. هذا يقوّي الجانب الاصطناعي للفيلم، فلا نصدّق مثلاً في أيّ لحظة من اللحظات ان هذا الرجل يعمل. وكم مضحكٌ المشهد الذي يجري فيه استدعاؤه لحلّ مشكلة معينة في الشغل، فنراه يتحدث في الهاتف المحمول بشيء من الغضب متظاهراً بأنه في ورطة!

الحكاية في ذاتها، أكبر مستوعب للكليشيهات. كأنها اختزال او تجميع دقيق وممل لها. بطلة الفيلم شبه عذراء ناعمة رقيقة لا تختلف عن أي فتاة أميركية من الطبقة الكادحة. بيد انها تسلّم أمرها (وأشياء أخرى) لجهة يُمكن اعتبارها رمزاً للذكورية والاغراء: جسد رياضي مرسوم، تعجرف، سلطة. العلة انه لا مسوغات نفسية لسلوكها. انها ظل شخصية وليست شخصية كاملة. اذا كانت بياض الثلج (بلانش نيج) تكتفي بقبلة من الأمير كي تستفيق من نومها العميق وترحل معه، فلا شيء يهز مشاعر اناشتازيا هنا ويغريها سوى الـ”ماك بوك برو” والسيارة الرياضية الحمراء والمنزل المطل. تُبارك هذا كله بضربة على المؤخرة. هيّا ايتها النسويات… الى العمل!