كتب معروف الداعوق في صحيفة “اللواء”:
يحذر دبلوماسي غربي بارز في بيروت بان مخاطر ذهاب «حزب الله» للقتال إلى جانب نظام الرئيس بشار الأسد في سوريا منذ أكثر من ثلاث سنوات لا تقتصر على معاداة أغلبية الشعب السوري المنتفضة ضد النظام والشعوب العربية المؤيدة لها وقسم كبير من اللبنانيين المعترضين على هذا التدخل، ولا في استقطاب الأعمال العدائية والتفجيرات من قبل بعض التنظيمات المتطرفة السورية إلى الداخل اللبناني وعلى الحدود اللبنانية السورية وصولاً حتى مناطق نفوذ الحزب، بل تعدته إلى أكثر من ذلك بكثير عندما تجاوز مقاتلو الحزب مهمتهم بالدفاع عن النظام والتوجه نحو منطقة القنيطرة في الجولان للتمركز فيها أو تنظيم عمليات عسكرية ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي بمشاركة مكشوفة من قيادة الحرس الثوري الإيراني كما ظهر خلال الغارة التي شنتها إسرائيل على المجموعة المشتركة من الحرس الثوري الإيراني و«حزب الله» في هذه المنطقة وما تبع ذلك من ردّ الحزب على دورية إسرائيلية في منطقة مزارع شبعا التي لم يحسم الخلاف حول أحقية ملكيتها حتى اليوم أكانت للبنان أو سوريا وما اعقبها من تهديدات إسرائيلية متواصلة بالرد داخل الأراضي اللبنانية أو باستهداف البنى التحتية وتدمير لبنان كما صدر عن أكثر من مسؤول إسرائيلي أو في الاستعداد لتنفيذ عملية عسكرية واسعة ضد الحزب وقواعده.
ومن وجه نظر الدبلوماسي المذكور فإن التهدئة الظرفية للتصعيد بين إسرائيل و«حزب الله» لا تعني انتهاء مفاعيل وذيول عمليتي القنيطرة ومزارع شبعا عند هذا الحد كما يعتقد البعض أو يتراءى له، بل تمّ تجميد استكمال المواجهة حالياً مرده إلى انشغال الإسرائيليين بمسألة الانتخابات النيابية التي أصبحت قريبة جداً والخوف من أن تؤثر أي عملية عسكرية واسعة أو حتى رد قوي ومؤثر ضد «حزب الله» سلباً وتؤدي إلى خسارة رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أو أي من حلفائه أو الذين يتحالفون معه.
ولذلك، فإن زوال المخاطر وانتهاء التهديدات ضد لبنان ليس واقعياً برغم كل الادعاءات والمواقف المعلنة بهذا الخصوص، بل هي ما تزال قائمة وقد تتجدد بعد انتهاء الانتخابات الإسرائيلية وتشكيل حكومة إسرائيلية جديدة وتتفاعل بحدة أكثر وهو ما يجب ان يحسب له المسؤولون اللبنانيون ويتخذون ما امكن من إجراءات وتدابير احتياطية لتجنب التداعيات الخطيرة المحتملة لأي عدوان إسرائيلي يشن على لبنان، وهذا لا يمكن ان يتحقق الا من خلال انكفاء الحزب عن المشاركة في أية عمليات عسكرية ضد إسرائيل من الأراضي السورية، في الجولان وهو أمر من اختصاص قيادة الحرس الثوري الإيراني واكبر من صلاحية الحزب بالداخل اللبناني وسوريا خلال الأيام القليلة الماضية.
وفي اعتقاد الدبلوماسي الغربي البارز فإن مخاطر مشاركة «حزب الله» بالقتال في سوريا أصبحت مزدوجة على لبنان الذي يتأثر من كثرة عدد اللاجئين السوريين وتأثير وجودهم على الأوضاع الاقتصادية والأمنية وغيرها واستنزاف الحزب المتواصل بشرياً وارتدادات هذا التدخل على علاقات اللبنانيين بين بعضهم البعض مستقبلاً من جهة ومن إمكانية تجدد التهديدات الإسرائيلية بوتيرة أسرع في حال قيام الحزب أو حلفائه بتنفيذ أي عملية عسكرية ضد القوات الإسرائيلية بالجولان أو في جنوب لبنان من جهة ثانية. فلبنان قابع حالياً امام خطرين داهمين، جرّاء استمرار مشاركة «حزب الله» بالقتال في سوريا، الخطر من ارتدادات هذه المشاركة على الداخل اللبناني من خلال زيادة حدة التشنج وتفاعل أجواء الانقسام السياسي والمذهبي كما حصل خلال السنوات الماضية وتنامي الاتجاهات المتطرفة في اكثر من منطقة وتوفير ظروف مؤاتية لتموضع المنظمات الإرهابية واستقطاب اعداد الناقمين والمحبطين في صفوفها وهذا الخطر قد يُهدّد لبنان برمته في حال توسع ولم تستطع القيادات السياسية والأمنية محاصرته والقضاء عليه بعدما نجحت أكثر من مرّة سابقاً في تطويقه ومنع تمدده إن كان خلال ما حصل أثناء قيام الجيش اللبناني بإنهاء ظاهرة الشيخ احمد الاسير في صيدا والجوار او ما حصل في عرسال وطرابلس مؤخراً.
أما الخطر الثاني والخطير أيضاً فهو خطر قيام إسرائيل بشن عدوان على لبنان بحجة الرد على وجود «حزب الله» قرب تواجد قواتها على الحدود السورية بالجولان أو رداً على أي عمل ضدها انطلاقاً من هذه الأراضي تنفيذاً لمخططات وأوامر الحرس الثوري الإيراني، إن كان بالنسبة لتحسين موقع طهران التفاوضي في الملف النووي مع الدول العظمى أو لإظهار مدى تأثيرها ونفوذها وقدرتها على مشاغلة إسرائيل واستنزافها.
ويلفت الدبلوماسي الغربي إلى أن محاولات السلطة اللبنانية لاستيعاب نتائج تدخل الحزب بالقتال في سوريا، هي معالجات ظرفية ولا ترقى إلى المعالجات النهائية والحاسمة، لأنها قد تتهاوى في اي لحظة تحت وطأة استمرار الحزب بوجوده بالداخل السوري على النحو الجاري حالياً، وفي ظل عدم وجود رئيس جمهورية جديد وسلطة موحدة وقوية تستطيع فرض سيطرتها وحمل الحزب على الانسحاب نهائياً من سوريا، وهذا غير متوافر في الوقت الحاضر، الأمر الذي يبقي الوضع في لبنان مفتوحاً على الخطرين المحدقين به اكثر من اي وقت مضى.