IMLebanon

البنك الدولي: لا صعود قريبا لأسعار النفط… والانخفاض يُنعش النمو ويقلّص التضخم

OilWorld
برغم مرور أشهر على المسار الانحداري لسعر برميل النفط في الأسواق العالمية، لم تبرز بعد تأثيرات كبيرة ملموسة على اقتصادات الدول المنتجة والمصدرة، في وقت كان الحديث يدور عن “تأثيرات كارثية” تصيب بصورة خاصة اقتصادات الدول المنتجة المبنية موازناتها على سعر يزيد كثيرا عن الخمسين دولارا، وهو المعدل الذي بات عليه البرميل اليوم.
ربما يكون السبب الرئيسي لعدم تأثر المنتجين أن أجل استحقاق الأسعار المنخفضة لم يحن بعد، باعتبار أن النفط يباع بعقود آجلة في الغالب، فيما الدول المستهلكة بحاجة إلى ما هو أكثر من انخفاض ايعر الخام، كي تنتعش اقتصاداتها التي لم تتعافَ بعد من زلزال الأزمة المالية، برغم مرور نحو ثماني سنوات عليها…فهل من رؤية لهذه التاُثيرات في المدى المنظور؟
البنك الدولي حذر في تقرير حديث له، من تبعات وعواقب واسعة ، يرتبها انهيار أسعار النفط في الأسواق الدولية (أقل من 50 دولارا) على البلدان المصدرة والمستوردة للنفط على السواء في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وتوقع التقرير أن تسجل الدول المصدرة للنفط عجزا كبيرا في ميزانياتها وتقلصا في فوائض الميزانية بدرجة كبيرة، وتراجعا في ميزان المعاملات الحالية، ما يخلق ضغطا على العملة المحلية.
وفي الوقت نفسه، رصد تقرير البنك الدولي أبرز التأثيرات الإيجابية لانخفاض أسعار النفط في تراجع التضخم في الدول المصدرة والمستوردة للنفط، وزيادة طفيفة في الاستهلاك الناجم عن انخفاض الأسعار، ما يحقق انتعاشا لمعدلات النمو. وأوضح التقرير أن “هبوط أسعار النفط أدى بالفعل إلى تراجع معدلات التضخم على مستوى العالم، وقد يحفز ذلك على انتعاش الاقتصاد العالمي”.
وتقول تقديرات البنك الدولي إن “هبوطا متواصلا بنسبة 30 في المئة في أسعار النفط، قد يؤدي إلى زيادة إجمالي الناتج المحلي العام بنحو 0.5 نقطة مئوية في المدى المتوسط”.
ويوضح أن “البلدان المستوردة للنفط ستشهد تحسنا في موازين معاملاتها الحالية من خلال انخفاض فاتورة الواردات وفي موازين ماليتها العامة بفضل انخفاض تكلفة دعم الوقود (التي يصل بعضها إلى 10 في المائة من إجمالي الناتج المحلي)، بينما تتضرر اقتصادات البلدان المصدرة للنفط؛ حيث يشكل النفط أكثر من نصف إيرادات ميزانيتها وعائدات صادراتها (في اليمن وليبيا يشكل النفط أكثر من 90 في المائة من إجمالي الصادرات)”. ويوضح التقرير أن “دول مجلس التعاون الخليجي المصدرة للنفط في وضع أفضل في التغلب على آثار انخفاض أسعار النفط بفضل ما لديها من احتياطيات مالية وفيرة”.
الجانب الإيجابي
وفي الجانب الإيجابي، وفقا للبنك الدولي، سيؤدي انخفاض أسعار النفط إلى تراجع معدلات التضخم في الدول المصدرة والمستوردة للنفط على السواء بما يعود بالنفع على الفقراء. كما ستسهم الزيادة الطفيفة في الاستهلاك، الناجمة عن انخفاض الأسعار، في تحقيق انتعاش لمعدلات النمو.
ويركز التقرير الذي أعدته الخبيرة الاقتصادية ليلى متقي وشانتا ديفاراجان رئيس الخبراء الاقتصاديين في إدارة منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا – على آثار انخفاض النفط على 8 دول، بينها 4 مستوردة للنفط، وهي مصر وتونس ولبنان والأردن، و 4 مصدرة للنفط وهي إيران والعراق واليمن وليبيا، واقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي التي تلعب دورا رئيسيا في تقديم أموال في صورة مساعدات واستثمارات وعائدات سياحة وتحويلات مغتربين إلى بقية بلدان المنطقة.
ويتوقع التقرير أن أسعار النفط لن تعاود صعودها في أي وقت قريب بعد انخفاضها بمقدار النصف في الربع الأخير من عام 2014 إلى ما دون الخمسين دولار للبرميل. وعزا تقرير البنك أسباب انهيار أسعار النفط إلى 3 أسباب هي زيادة الإنتاج الأميركي من النفط الصخري وتحول سياسة منظمة الأوبك من استهداف سعر محدد إلى الحفاظ على حصتها من السوق، إضافة إلى تراجع الطلب العالمي عما كان متوقعا بسبب بطء النمو الاقتصادي العالمي.
توقعات المصدرين
ويوضح التقرير أن “الدول المصدرة للنفط، مثل: إيران والعراق وليبيا واليمن، تتوقع سعرا دون 60 دولارا للبرميل في ميزانية العالم القادم، وهو أعلى من السعر الحالي للنفط ومن سعر العقود الآجلة، وأقل من مستويات أسعار النفط التي تكفل تعادل العائدات والمصرفات في ميزانيات هذه الدول، وإذا استمر هذا الوضع مع مزيد من الانخفاض في أسعار النفط، فإن، وفقا لتقرير البنك الدولي، سيكون من الصعب على هذه الحكومات الحفاظ على سلامة أوضاع ماليتها العامة”.
ويتوقع البنك الدولي أن يكون كل من اليمن وليبيا الأكثر عرضة للمعاناة بين الدول المنتجة للنفط؛ حيث يدر النفط 95 في المائة من عائدات الصادرات وإيرادات الميزانية. وتوقع التقرير تراجع الميزان التجاري النفطي بنسبة 10 في المائة من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي في عام 2015. بينما تستفيد كل من الأردن وتونس ولبنان ومصر (التي تعتمد على واردات النفط) التي قد تتحسن موازينها المالية العامة ومعاملاتها الجارية بنسبة تصل إلى اثنين في المائة من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي.
حالة مصر
وفي ما يتعلق بمصر، يتوقع البنك الدولي أن تؤدي مبادرات الإصلاحات السياسية والاقتصادية إلى انتعاش معدلات النمو بفضل زيادة الاستثمارات وعائدات السياحة وتحويلات المغتربين واستعرض البنك البيانات المصرية لمعدل النمو الذي سيصل إلى 3.9 في المائة خلال 2015 وزيادة معدل نمو إجمالي الناتج المحلي للربع الأول من السنة المالية 2015 ليصل إلى 6.8 في المائة وتراجع معدل البطالة إلى 13.1 في المائة.
وتضمن التقرير توقعات بأن يترك انخفاض أسعار النفط تأثيرا إيجابيا على الاقتصاد المصري من خلال تقليص عجز المالية العامة وعجز ميزان المعاملات الحالية ومعدلات الفقر والتضخم. كما سيؤدي هبوط النفط إلى تعزيز قدرة الحكومة والشركات على توفير إمدادات كافية من الطاقة بأسعار السوق، ومن ثم زيادة الإنتاج ومعدلات استغلال الطاقة الإنتاجية وارتفاع مستويات الإنتاج.
وفي التوقعات أيضا، أن تتجنب مصر الانقطاعات المتكررة للتيار الكهربائي التي شهدتها في الأعوام الماضي، مما قد يسهم في تعزيز الاستقرار السياسي والاجتماعي؛ حيث يتيح انخفاض أسعار النفط مجالا للحكومة المصرية لمواصلة برنامجها الإصلاحي وخفض دعم الوقود على مدى السنوات الخمس القادمة حتى الإلغاء الكامل للدعم وتوقع التقرير أن ينخفض الإنفاق على الدعم بنسبة تبلغ 25 في المائة خلال العام الحالي، وتحويل الجهد الحكومي لتحسين مرافق البنية التحتية.
مالية تونس
وفي تونس، توقع البنك الدولي تأثيرا إيجابيا لانخفاض أسعار النفط على الاقتصاد التونسي، خصوصا في جانب المالية العامة من خلال انخفاض تكلفة دعم منتجات الطاقة وعلى ميزان المعاملات التجارية من خلال تحسن الميزان التجاري النفطي أما الآثار على معدلات التضخم والنمو والفقر، فتوقع التقرير أن تكون متوسطة. وتوقع التقرير أن يؤدي تحسن ميزان الطاقة إلى تخفيف الضغط على سعر الصرف واحتياطات النقد الأجنبي، لكن من غير المحتمل أن ترجع الحكومة من سياستها الرامية لإجراء خفض طفيف لسعر صرف العملة لذا سيظل انتعاش أسواق التصدير التونسية ضعيفة. ورجح التقرير أن يتراجع عجز الميزانية من 7.1 في المائة عام 2014 من إجمالي الناتج المحلي إلى 6.2 في المائة في عام 2015.
لبنان: وفورات
ويظل تأثير انخفاض أسعار النفط إيجابيا في لبنان، حيث يتوقع البنك الدولي تحقيق وفوررات كبيرة من انخفاض مدفوعات الحكومة اللبنانية لشركات الكهرباء، وأن يشهد ميزان المدفوعات أثرا صافيا جيدا وستؤدي انخفاض أسعار المنتجات البترولية إلى تعزيز الاستهلاك، لكن تراجع تحويلات المغتربين اللبنانيين في البلدان المنتجة للنفط قد يضعف هذا الاستهلاك من ناحية أخري. وتوقع التقرير تحسنا في أوضاع المالية العامة، وتحسنا في ميزان المدفوعات، لكن الغموض يكتنف التوقعات فيما يتعلق بالنمو والتضخم ويتوقف “دلم” على طول مدة انخفاض أسعار النفط؛ حيث سيعود هبوط أسعار النفط بالنفع على المستهلكين ويعزز النمو، لكن قد تتعرض تحويلات المغتربين من البلدان المنتجة للنفط لضغوط إذا استمرت أسعار النفط في الانخفاض وستتراجع معدلات التضخم الأساسي مع انخفاض أسعار النفط.
وفي الأردن، تأتي انخفاضات أسعار النفط أيضا بتأثيرات إيجابية على الاقتصاد الأردني في المدى القصير مع تخفيض تكلفة الإنتاج وتخفيف الضغوط السعرية على المواطنين واللاجئين، وتخفيض ضغوط المالية العامة المرتبطة بواردات النفط بما يؤدي إلى تخفيض عجز الميزانية بنسبة 10 في المائة، ولكن تبعا لطول مدة انخفاض الأسعار قد يصبح الأثر النهائي سلبيا مع انخفاض المنح المقدمة من مجلس التعاون الخليجي للأردن وانخفاض تحويلات المغتربين.
تأثر إيران
ويستعرض التقرير التأثيرات الناجمة عن انخفاض أسعار النفط على الدول المنتجة للنفط. ويشير إلى أن “أثر انخفاض أسعار النفط على إيران سيظهر في موازين المالية العامة والمعاملات الحالية ووضع المحادثات النووية بين إيران والقوى الدولية، وإذا تم التوصل إلى اتفاق نووي يؤدي إلى رفع العقوبات النفطية، فمن المتوقع أن تنتعش صادرات النفط، وأن تشهد الأسواق الدولية زيادة إمداد العرض بمقدار مليون برميل يوميا، وأن يحقق الاقتصاد الإيراني نموا ملموسا (يدر النفط في المتوسط 80 في المائة من إجمالي عائدات الصادرات و50 إلى 60 في المائة من الإيرادات الحكومية)”.
ويقول تقرير البنك الدولي إنه “في ظل سيناريو التوصل إلى اتفاق بين إيران والقوى الدولية، فإن معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي سيصل إلى 4 في المئة مع توقعات إيجابية بخفض معدلات البطالة وانحسار الضغوط التضخمية، لكن بسبب انخفاض أسعار النفط سيستمر عجز المالية العامة، وسيخلق ذلك ضغوطا هائلة على التضخم والبطالة وفي حالة تسجيل أسعار النفط مزيدا من الهبوط، تهبط عائدات النفط الحكومية بدرجة أكبر لتصل إلى مستويات عام 2004 الأمر الذي سيؤدي إلى زيادة عجز الميزانية”.
العجز العراقي
وفي العراق، تشير تقديرات البنك الدولي إلى أن “عجز المالية العامة سيرتفع إلى 20 في المئة من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي في عام 2015 مقارنة بنحو 6 في المائة من إجمالي الناتج المحلي في عام 2014 وسيمثل فائض الميزان التجاري النفطي 14 في المائة من إجمالي الناتج المحلي وسيتراجع معدل النمو الحقيقي لإجمالي الناتج القومي إلى نحو 1.5 في المئة في عام 2015. وفي ضوء عدم قدرة العراق على الوصول إلى أسواق رأس المالي والتزاماته المتعلقة بخدمة الديون، فإن عجز الحساب الحالي يشير إلى فجوة تمويلية كبيرة. وسيظهر الأثر الأكبر لانخفاض أسعار النفط على الإنفاق الحكومي بحدوث تخفيض في الإنفاق الرأسمالي بالحد من عدد الاستثمارات؛ مما سيؤدي إلى إعادة احتياجات القروض لدى القطاع العام إلى مستويات عام 2014 (ما بين 4 و8 في المائة من إجمالي الناتج المحلي).
خسائر اليمن
ويأتي انخفاض أسعار النفط بتأثيرات سلبية على اليمن ما لم يحصل اليمن على مساعدات خارجية للتخفيف من خسارة الإيرادات الصادرات النفطية، وسيكون التأثير سلبيا على المالية العامة لليمن. ومن المتوقع أن يؤدي انخفاض أسعار النفط، مقترنا بانعدام الاستقرار السياسي وأعمال التخريب لخطوط أنابيب النفط، إلى تراجع الإيرادات النفطية بنحو نقطتين مئويتين من إجمالي الناتج المحلي في عام 2015. وتوقع البنك تأثيرا سلبيا لانخفاض أسعار النفط على الحساب الحالي لليمن وميزان مدفوعاته وتراجع إجمالي تحويلات اليمنيين العاملين في بلدان مجلس التعاون الخليجي.
ويشير ابنك الدولي إلى أن انخفاض سعر النفط سيؤدي لخفض أسعار السلع المستوردة وزيادة هبوط معدل التضخم، وتقليل تقديم دعم الوقود للفقراء، لكنه توقع تأثيرا سلبيا على توفر احتياطيات النقد الأجنبي؛ مما يؤدي لحدوث نقص في السلع داخل البلاد، ولذا توقع البنك الدولي أن يكون تراجع أسعار النفط على أوضاع الفقر، متعادلا.
العجز الليبي
وفي ليبيا، توقع البنك الدولي أن يؤدي انخفاض أسعار النفط إلى زيادة عجز الموازنة في ليبيا بدرجة كبيرة؛ حيث يرتفع إلى 31 في المئة من إجمالي الناتج المحلي في عام 2015 مقابل 11 في المئة في عام 2014 وسيكون من الصعب تمويل هذه الفجوة المالية، لأنه لا يتوقع تعافي الصادرات النفطية الليبية في أي وقت قريب. وستتعرض احتياطيات النقد الأجنبي والعملة الليبية لضغط شديد.
دول “التعاون”
وفي دول مجلس التعاون، لفت البنك الدولي إلى أن استمرار الانخفاض الحالي في أسعار النفط خلال الأشهر الستة القادمة، سيكبد بلدان المنطقة خسائر في الإيرادات بنحو 215 مليار دولار؛ أي ما يمثل أكثر من 14 في المئة من إجمالي ناتجها المحلي مجتمعة. وتشير تقديرات البنك الدولي إلى أن فائض المالية العالمة في الكويت وقطر سيتقلص بدرجة كبيرة ويتحول إلى عجز في عام 2015 في كل من المملكة العربية السعودية والإمارات وسلطنة عمان، بينما سيتسع نطاق عجز الموازنة بشكل كبير في البحرين، على الرغم من امتلاك تلك البلدان لموارد وفيرة لتمويل الفجوة في ماليتها العامة، فإنه في ظل الاتجاه لارتفاع الإنفاق الحكومي، قد تتأثر آفاق النمو خلال العام المقبل.