Site icon IMLebanon

بالتفاصيل.. هكذا اندلعت الحرب اللبنانية في 13 نيسان 1975 (بقلم نبيل يوسف)

 

كتب نبيل يوسف

 

1 – ما حدث في عين الرمانة ذلك الأحد، لم يشكل مفاجأة، رغم فظاعة ما جرى، فكل الذين كانوا يتابعون عمليات التعبئة الطائفية، وشحن النفوس بالحقد والإثارة خلال الأسابيع السابقة، كانوا يتوقعون الانفجار، بغض النظر عن حجمه وشكله وأسبابه، فعندما يكون المكان مليئاً بالمواد المشتعلة، يكفي أن تنطلق شرارة ولو من عقب سيجارة لتشتعل النار، وتمتد إلى مختلف الأرجاء.

2 – عند الساعة 11 من قبل الظهر كان مقرراً أن يبدأ الاحتفال بتدشين كنيسة سيدة الخلاص للروم الكاثوليك في شارع مار مارون المتفرع من شارع بيار الجميل، بحضور رئيس حزب الكتائب اللبنانية الشيخ بيار الجميل.

3 – طلبت قوة للمحافظة على السير، فعاونتهم مفرزة السيّار المحلية على ذلك.

4 – في الوقت ذاته كان الفدائيون الفلسطينيون يقيمون مهرجاناً تأبينياً في مخيم صبرا لشهداء الثورة الفلسطينية، اشتركت فيه جميع الفصائل الفلسطينية.

5 – نحو الساعة 10 تقريباً، وصلت إلى مكان الاحتفال في عين الرمانة سيارة فولكسفاغن يقودها لبناني إسمه منتصر أحمد ناصر، كانت لوحتها مكشوفة ومعروفة بأنها تابعة للكفاح المسلّح الفلسطيني.

6 – حاول رجال السير منعه من المرور، لكنه تجاوزهم، فاصطدم بشباب الكتائب الذين حاولوا منعه من المرور أيضاً، لكنه لم يتوقف وأكمل طريقه بسرعة، فأطلقت عليه النار، فتوقف ونزل من سيارته، وإذ به يسقط على الأرض ويجرح في كفه، وعلى الفور نقل إلى مستشفى القدس الذي تشرف عليه المقاومة الفلسطينية، وبحسب قوى الأمن الداخلي فقد إختفى من المستشفى صباح اليوم التالي

7 – بعد ثلثي الساعة تقريباً، أي قبل بداية القداس بنحو ثلث ساعة تقريباً وصلت إلى الشارع سيارة فيات حمراء غطيت لوحتها بأوراق تحمل شعارات فلسطينية، وداخلها 4 مسلحين، فتجاوزت حاجز الدرك الذي أقيم إثر عملية إطلاق النار السابقة، وأخذ المسلّحون في السيارة يطلقون النار عشوائياً على الناس المتجمعين عند مدخل الكنيسة فسقط قتيلاً كل من: جوزف كميل أبو عاصي مرافق الشيخ بيار الجميل وأنطوان ميشال الحسيني وديب يوسف عساف وإبراهيم حنا أبو خاطر، وأصيب 7 أشخاص صودف وقوفهم أيضاً. وتجدر الإشارة إلى أنه بعد ظهر ذلك الأحد كان بشير جوزف أبي عاصي الذي كان ولد قبل أيام قليلة سيتقبل سر العماد المقدس

8 – ردّ الأهالي بالرصاص على السيارة عندما حاولت الهرب، فقتل فدائي وأصيب 2 نقلتهما قوى الدرك إلى مستشفى القدس، بينما نقل جرحى عين الرمانة إلى مستشفى الحياة.

9 – فور وقوع الحادث شاع الخبر بأن مسلّحين فلسطينيين إستهدفوا الشيخ بيار الجميل في محاولة لإغتياله ومن ثم إنتشر المسلحون، الذين كانوا موجودين بكثافة في المنطقة، في الشوارع المحيطة.

10 – في هذا الجو المشحون والمتوتر جداً وبعد أقل من ساعة على مقتل الواقفين أمام الكنيسة، وفيما الأهالي ما زالوا مذهولين مما جرى، ويحاولون لملمة آثار ما حدث، والرجال المسلّحون يقفون على أعصابهم المشدودة، وصلت فجأة إلى الشارع الخالي حافلة مزدحمة بالمسلّحين الفلسطينيين كانوا متوجهين إلى مخيم تل الزعتر، وبنادقهم وثيابهم المرقطة وأعلامهم ظاهرة من نوافذ الأوتوبيس، وهم ينشدون الأناشيد الحماسية، فاعتقد الأهالي أن هجوماً مفاجئاً تتعرض له عين الرمانة.

11 – لحظات وإنهال الرصاص على الحافلة، الأمر الذي أدّى إلى مقتل 27 شخصاً ونجا السائق و2 من رجال المقاومة الفلسطينية بأعجوبة بعد أن غطتهم الجثث.

12 – على أثر حادث الأوتوبيس أقيمت الحواجز في عين الرمانة وفرن الشباك، وأشعلت دواليب الكاوتشوك لقطع الطرق، وانتشر المسلحون في الشوارع، وخلال ساعات معدودة، امتلأت المناطق المسيحية من أقصى لبنان إلى أدناه بالإشاعات، تدب الصوت قائلة: أن الشيخ بيار الجميل تعرض للإغتيال على أيدي الفلسطينيين، وأن 2 من مرافقيه قتلا. بينما راحت الاشاعات تنتشر في المناطق الإسلامية وفي المخيمات تقول أن الكتائب هاجمت مخيم تل الزعتر.

13 – فقد الناس عقولهم، فعندما تبدأ أصوات الرصاص والديناميت والقنابل والصواريخ تملأ الأسماع في كل مكان، وتستفز الناس لحمل السلاح، لا يستطيع أحد أن يسمع صوت العقل.

14 – خلال المحادثات التي جرت بعد ظهر الأحد 13 نيسان 1975 في مبنى المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي بمشاركة رئيس الحكومة رشيد الصلح وعدد من الوزراء وقادة الأجهزة الأمنية سأل وزيرا حزب الكتائب جورج سعاده ولويس أبو شرف المسؤولين الأمنيين لماذا اتخذت عين الرمانة طريقاً للاوتوبيس وبالشكل الاستفزازي المعروف؟ مع أن مديرية الأمن الداخلي كانت قد تلقت برقيات من بعض المسؤولين عن الأمن وقبل حصول الحادثة تحذر من كارثة قد تحصل بعدما تبينت لهم الطريقة الاستفزازية التي يسلكها الاوتوبيس والحوداث التي رافقت مرور سيارة الفيات في عين الرمانة. لكن أسئلة الوزيرين بقيت دون جواب.

15 – تبين فيما بعد أن السلطات الأمنية اللبنانية، ونتيجة التطورات المتسارعة بعد مقتل معروف سعد، ولتحاشي حصول إشكالات في محيط عين الرمانة والشياح وفرن الشباك والدكوانة وتل الزعتر والمناطق المجاورة حيث التداخل ما بين الفلسطينيين وأنصار الأحزاب اليمينية دعت إلى لقاء في قصر بعبدا عقد في 2 نيسان 1975 وترأسه العقيد جول بستاني رئيس الشعبة الثانية ف يالجيش اللبناني، وشارك فيه وليم حاوي عن حزب الكتائب اللبنانية ونعيم بردقان عن حزب الوطنيين الأحرار وأبو حسن سلامة عن حركة فتح وصلاح صلاح عن الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين وبسام أبو شريف عن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. تعهد خلاله المسؤولين الفلسطينين بتحاشي مرور المواكب الفلسطينية في شوارع المناطق المسيحية المحيطة بالتجمعات الفلسطينية، وإبلاغ قوى الأمن مسبقاً بأي مواكب قد تعبر الأحياء المسيحية ليتم التنسيق مع مسؤولي الأحزاب اللبنانية تحسباً لأي إشكالات قد تحصل.

16 – من المعروف أن المتوجه من مخيم صبرا حيث أقيم الاحتفال الفلسطيني يومها إلى مخيم تل الزعتر حيث كانت متوجهة الحافلة، لم يكن بالضرورة ليمر في عين الرمانة، وتحديداً في هذا الشارع البعيد نسبياً عن الطريق الرئيسية الموصلة إلى مخيم تل الزعتر.

17 – لماذا سلك سائق الحافلة وهو لبناني يعرف طرقات المنطقة جيداً هذه الطريق الداخلية في عين الرمانة؟ والسؤال الأهم لماذا لم تخطره القيادة الفلسطينية بتجنب المرور في عين الرمانة وهو ما تمّ الاتفاق عليه قبل أيام؟.

18 – من بين الأجوبة عن هذا السؤال كان جواب سائق الحافلة، الذي أوضح في التحقيق معه أنه سلك هذا الطريق بتوجيه من أحد رجال الشرطة البلدية وذلك حين وصلت الحافلة إلى مفترق شارع غنوم – مارون مارون وشارع سعيد الأسعد.

19 – يبدو أن المحققين الفلسطينيين استجوبوا سائق الحافلة وسألوه عن سبب سلوكه هذه الطريق؟، فأخبرهم قصة الشرطي البلدي، فاعتقد الفلسطينيون أن ذلك الشرطي هو شرطي سير، فتوجه بعض رجالهم ليل ذلك الأحد إلى بلدة المية والمية في شرق صيدا وقتلوا والد وشقيق النقيب (العميد) كليم واكيم الذي كان يشغل يومها مركز آمر مفرزة سير بعبدا التي تتبع لها عين الرمانة، وفي قناعة الفلسطينيون أن النقيب واكيم هو من أوقف ذاك الشرطي هناك، فقتلوا أهله انتقاماً علماً أن سائق الحافلة أكد للمحققين اللبنانيين أن ذاك الشخص كان يلبس ثياب الشرطة البلدية وليس لباس شرطة السير

20 – لم تعرف هوية ذلك الشرطي البلدي ولا أحد عرف كيف وجد في تلك النقطة وكيف أختفى منها فجأة، كما لو كان شبحاً، وبقي سرّ ذلك الشرطي لغزاً من ألغاز الحرب اللبنانية لا تفسير له.

21 – تبين أن منتصر أحمد ناصر راكب سيارة الفولكسن فاغن، الذي افتعل الاشكال الأول في عين الرمانة هو من الجنوب ومن مقاتلي جبهة التحرير العربية المدعومة من العراق، كذلك هم معظم ركاب الأوتوبيس.

22 – تبين أن المسلحين الأربعة الذين كانوا يستقلون سيارة الفيات، وأطلقوا النار عشوائياً على المتواجدين في الشارع أمام الكنيسة، وقتلوا جوزف أبو عاصي ومن معه، بقوا مجهولي الهوية، لأن الجريح من بينهم الذي نقل إلى مستشفى القدس، اختفت آثاره، ولم يعرف من هو، وبالتالي إلى أي فصيل فلسطيني ينتمي؟، بل هل ينتمي أصلاً إلى المقاومة الفلسطينية؟، وإصطدم التحقيق بجدار تهريب الدليل، الذي قد يكون مفتاحاً لمعرفة منشأ الحادثة.

23 – أوردت مجلة “النهار العربي والدولي” في عددها رقم 363 الصادر في 16 نيسان 1984 تحقيقاً واسعاً عن حادثة عين الرمانة، وجاء فيه أنه ليل ذلك الأحد وبعد ساعات عما جرى في عين الرمانة باشرت مجموعات فلسطينية قادمة من مخيم تل الزعتر بمحاولة اقتحام عين الرمانة، فتصدى لها الأهالي، وبعد ساعات من التراشق بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة تراجعت المجموعات الفلسطينية إلى داخل مخيم تل الزعتر، تاركة في أرض المعركة عدة جثث لمقاتليها قام رجال قوى الأمن بسحبها. ويضيف التحقيق أنه وجدت في ثياب أحد القتلى الفلسطينيين خريطة مفصلة لعين الرمانة مع أمر عمليات باقتحامها من 3 محاور: الأول من كنيسة مار مخايل – قصر الطيار، والثاني من شارع أسعد الأسعد باتجاه شارع مارون مارون، والثالث من مشاتل شمص نحو الطيونة. وفي التحقيق أنه بعد عدة سنوات على حادثة عين الرمانة حصلت مراجع لبنانية عليا على تقرير سري رفعه مساء 13 نيسان 1975 رئيس محطة الاستخبارات الأميركية في بيروت إلى قيادته يشير فيه إلى أن المقاتلون المسيحيون لن يتمكنوا من الصمود سوى أيامٍ معدودة وبالتالي فسقوط الحكم اللبناني سيتم في اليوم الثامن بعد 13 نيسان 1975 على أبعد تقدير، واعتبر المسؤول الأميركي في تقريره أن الحصار الفلسطيني المحكم المضروب على عين الرمانة وفرن الشباك وسن الفيل والدكوانة سيؤدي إلى سقوطها سريعاً في أيدي المنظمات الفلسطينية وبالتالي سقوط العاصمة بيروت بكاملها وسقوط الحكم اللبناني. ويختم التحقيق: “بعد مدة قصيرة نقل المسؤول الأميركي من بيروت”.

24 – نجحت حادثة بوسطة عين الرمانة بأن تشكل الشرارة المطلوبة، بعد أن فشلت المحاولة الأولى في صيدا، “فها هي قوى الإنعزال والفاشية في لبنان العاملة في خدمة الإمبريالية الأميركية والصهيونية تسعى لمحاولة تصفية الثورة الفلسطينية”، هكذا قرأت القيادات الفلسطينية واليسار اللبناني الأحداث.

25 – كانت حصيلة الحرب اللبنانية مفجعة فبحسب تقرير أوردته صحيفة الحياة في عددها الصادر في 10 آذار 1992 فقد سقط خلال سنوات الحرب (1975-1990) 144240 قتيلاً و197506 جريحاً و17415 مفقوداً. أما بطرس لبكي وخليل أبو رجيلي فأوردا في كتابهما “جردة حساب الحروب من أجل الآخرين على أرض لبنان” الصادر عام 2005 في الصفحة 151 أن الحرب في لبنان منذ العام 1975 ولغاية العام 1990 أوقعت 71521 قتيلاً و97627 جريحاً و9627 معاقاً و19860 مفقوداً وهاجر من لبنان بين العامين المذكورين 894711 شخصاً معظمهم من الفئة الشابة.