Site icon IMLebanon

سياسة القضم مستمرة و”حزب الله” يطوّق عرسال!

 

واصل “حزب الله” والجيش السوري سياسة القضم التدريجي للرقعة التي تنتشر فيها “جبهة النصرة” في جرود عرسال، وذلك استكمالا لمعركة القلمون التي أدت الى الفصل بين القلمون والزبداني من جهة، وتعزيز الحماية لخاصرة دمشق من ناحية القلمون الشرقي من جهة ثانية، فضلا عن حماية الطريق الدولي بين دمشق وحمص من جهة ثالثة.

ولا تعني هذه الأبعاد الثلاثة انتفاء البعد اللبناني، خصوصا أن منطقة القلمون، شكلت طوال سنوات ثلاث تقريبا مصدر الخطر الرئيسي على الداخل اللبناني، بتحولها الى مركز لتوريد السيارات المفخخة والانتحاريين، ومنصة لاطلاق الصواريخ على مناطق البقاع الشمالي وصولا الى البقاع الأوسط.
وتشير مجريات المعركة الميدانية الى أن «حزب الله» اتخذ قرارا استراتيجيا لا عودة عنه بإحكام سيطرته على جرود عرسال، تاركا للجيش اللبناني مهمة الامساك بأمن عرسال البلدة، وطرد المجموعات المسلحة منها مستقبلا.

في هذا السياق، يواصل «حزب الله» والجيش السوري ضغطهما باتجاه المعابر التي تستخدمها «النصرة» في الاتجاهين اللبناني والسوري، وآخرها السيطرة على معبر فليطا الحيوي الذي يربط بين القلمون وجرود عرسال، وكذلك الضغط لحصار المجموعات المسلحة في مثلث وديان «الخيل» و «الحقبان» و «الحريق» وجزء من «وادي قطنين»، بالإضافة إلى «ضهر الهوة» التي تفتح على جرد فليطا، تمهيدا لانتقال المعركة الى مرحلة جديدة وهي مواجهة مجموعات «داعش» التي تسيطر أيضا على نحو 200 كلم2 في منطقة جرود عرسال والقلمون المتصلة ببعضها.

وكان لافتا للانتباه قيام مجموعات من الوحدات الخاصة في «حزب الله» بتنفيذ عملية عسكرية خاطفة استهدفت احدى المغاور التي كان يتحصن فيها أمير «النصرة» في القلمون أبو مالك التلي، حيث عثر على بعض الوثائق في المكان.

وأعلن «مراسل القلمون 12» من أحد الحسابات الرسمية لـ «النصرة» عن استهداف آلية عسكرية لـ «حزب الله» في جرود فليطا بصاروخ «كونكورد إس» (السهم الأحمر)، وهي المرة الأولى التي تعلن فيها «النصرة» امتلاكها لهذا النوع من الصواريخ.
النصرة” تخسر جرود القلمون
وسارت المعارك في جرود القلمون الشمالي ـ الأعلى من الناحية السورية، وفي جرود عرسال بخط متواز على أكثر من جبهة في الساعات الثماني والأربعين الماضية، بحيث باتت تسيطر «النصرة» فقط على حوالي 35 في المئة من المساحات التي كانت تحتلها في جرود عرسال، وفق أحد المتابعين للمجريات الميدانية.

ومع إعلان الإعلام الحربي لـ «حزب الله» عن سيطرة الجيش السوري وعناصر «الحزب» على مثلث قرنة التنور ومثلث حرف التوم ومعبر الحمرا ـ القصير في جرد فليطا، بعدما كانا قد أحكما القبضة على قمتي صدر البستان الجنوبية والشمالية ومرتفعات التلاجة في الجرد نفسه، تكون النصرة قد خسرت منذ بدء المعارك الأخيرة في جرد القلمون منذ شهر تقريباً، جرود عسال الورد ورأس المعرة وما تبقى من جرد فليطا (أمس) بالنسبة للقلمون السوري الأعلى.

وعلى جبهة جرود عرسال، توالت خسائر «النصرة» أيضاً بحيث لم يتبقَّ لها من أصل نحو 200 كيلومتر كانت وضعت اليد عليها إثر اتفاقها مع «داعش» قبل ستة أشهر تقريباً، سوى نحو 35 كيلومترا هي مجموع مساحة أودية الخيل والحقبان والحريق وجزء من وادي قطنين، بالإضافة إلى ضهر الهوة التي تفتح على جرد فليطا.

لكن، ووسط خسائرها أمام الجيش السوري و «حزب الله» في القلمون، توافرت معلومات لـ «السفير» عن فتح «النصرة» متنفساً لها نحو مناطق سيطرة «داعش» في جرود عرسال، وبالتحديد شمالاً نحو كامل خربة يونين وسرج العجرم ووادي النضام.

وفي التفاصيل أن معركة نشبت بداية الإسبوع المنصرم بين «داعش» و«النصرة» بعدما وصلت مجموعة كبيرة من مقاتلي داعش إلى أوائل سهل الرهوة من ناحية وادي الخيل بذريعة مقاتلة «حزب الله»، بينما تعاطت «النصرة» مع تسللهم كمحاولة للسيطرة على مناطق نفوذها. وهناك نشبت معركة بين الفصيلين اللدودين انتهت إلى مقتل 47 مسلحاً من «داعش» و17 مسلحاً من «النصرة» وإلى سيطرة «النصرة» على كامل خربة يونين (كانت خط التماس بينها وبين داعش)، وعلى سرج العجرم ووادي النضام.

وتفيد المعلومات أن الكلام عن فرار عناصر «النصرة» من المناطق التي سيطر عليها «حزب الله» في جرود عرسال قد تم نحو المناطق الجديدة التي انتزعتها «النصرة» من «داعش» في جرود عرسال، وهي مناطق تقع على حدود أعالي مدينة الملاهي في وادي حميد.

ويعتبر احد الخبراء العسكريين أن سيطرة «النصرة» على أراض كانت تحتلها «داعش» يزيد المخاوف من فرار مسلحيها وتسللهم فرادى ليلاً نحو مشاريع القاع في ظل إعادة تموضع مسلحي «داعش» تمركزهم نحو أعالي جرود عرسال والقلمون السورية بعدما تمكن الجيش اللبناني من شل حركتهم في الجرد المنخفض عندما سيطر على تلتي الحمرا وأم خالد في جرود رأس بعلبك. وتعزز فرضية فرار العناصر وتوزعهم قيام «النصرة» مؤخراً بمنح عناصرها رواتبهم وتصفية الحسابات المالية للبعض من بينهم.

وقام الجيش اللبناني أمس بقصف مدفعي استهدف تحركات للمسلحين في خربة يونين وقلعة الحصن القريبة منها، كما نفذ دوريات روتينية وحواجز طيارة في عرسال البلدة، وجال في الحي الجنوبي من عرسال للمرة الأولى قبل أن يعود عناصره إلى نقاط التمركز الرئيسية حول عرسال.
وأكدت معلومات موثوقة لـ «السفير» أن عناصر «النصرة» سلبوا أمس خمس آليات من نوع «رفش» مخصصة للحفر وثلاث آليات «بوكلين» من نوع «جاكمار» وشاحنة ـ كميون من مقالع عرسال تمهيداً لتحصين مواقعهم في الجرود العرسالية التي ما زالوا يحتلونها.

وترافق سير المعارك مؤخراً مع نزوح من جرود عرسال إلى مشارف البلدة أو إلى داخلها. وشمل النزوح نحو أربع آليات «بيك آب» محملة بنازحين سوريين، بالإضافة إلى رعاة (نحو عشرة رعاة مع قطعانهم) كما أكد أحد المواطنين من العراسلة الذين يسكنون بعد مركز الجيش في وادي حميد.
جغرافية مناطق “النصرة
ويعتبر وادي الخيل (حيث تتجمع قيادة النصرة ومن بينهم زعيمها في القلمون أبو مالك التلي) ركيزة المناطق التي ما زالت «النصرة» تحتلها من جرود عرسال، ولكن الصعوبة الجغرافية تبرز في تلة ضهر الهوة التي تعلوه مع وادي قطنين، حيث الانحدارات الصخرية الحادة (في ضهر الهوة)، وكثافة غابات شجر اللزاب في قطنين.

وباستثناء أنفاق «الجبهة الشعبية» التي تقع في أسفل وادي الخيل لناحية خربة يونين، لا يمتاز الوادي بجغرافية صعبة نسبة إلى ضهر الهوة. وهو يبدأ بعد وادي العجرم الذي انتزعته «النصرة» مؤخراً من «داعش» في الجرد الأوسط، ويخترق خربة يونين حتى وادي الحقبان على الحدود بين عرسال وفليطا ورأس المعرة السورية. ولوادي الخيل منفذ من وسطه على أسفل سهل الرهوة غرب خربة يونين. ويرتفع نحو 1550 مترا عن سطح البحر من أسفله ويتدرج ببطء ليصل إلى نحو 1600 متر. ويُعتبر واديا سهل التضاريس، طرقاته ترابية ولكنها مرصوصة وسهلة العبور، ويخترقه مجرى سيل باتجاه الفاكهة قاطعا سهل العجرم فخربة يونين نحو أعالي الفاكهة.

ويوجد في خربة يونين ما لا يقل عن خمسين مغارة طبيعية غائرة في الأرض (ليست صخرية) كان المزارعون يستعملونها لتخزين علف المواشي والمونة.

مناطق “داعش
مع تركز المعارك حالياً في مناطق سيطرة «النصرة»، سواء في جرد القلمون السوري أو جرود عرسال، وهي معارك من غير المعروف موعد انتهائها، تسيطر «داعش» على كامل الجرد الممتد من أعالي جرود جراجير السورية بما فيها معبر الزمراني مع عرسال وقارة السورية أيضاً، امتداداً نحو أعالي جرود قارة على الحدود مع لبنان، وصولاً إلى الرحيبة السورية التي تطل على خط الشام من ناحية البادية. وفي جرود عرسال، خسرت «داعش» في معاركها الأخيرة مع «النصرة» خربة يونين وسرج العجرم ووادي النضام، وما زالت تحتل مناطق الشاحوط ووادي نورالدين، وخربة داوود، وأودية مرطبيا وميرا والمير علي (وفيه عين ماء غزيرة) وعين القريص ومرطيسا وحورتا وطاحون الهوا وشبيب وصفا الأقرع وصولاً إلى مشارف المناطق العليا من الحد مع وادي حميد. ولكن الجيش اللبناني يشل حركة عناصر «داعش» في المناطق المنخفضة من هذا الجرد والتي يسيطر عليها بالنيران. كما تحتل «داعش» جزءاً من أعالي جرود رأس بعلبك، وبالتحديد سرج الدبس وحورتا وبعض أعالي جرود القاع خاصة الضفة الثانية من وادي بعيون على الحد بين الجرود السورية وجرود عرسال.

ويقول خبير عسكري لـ «السفير» إن المناطق المتبقية مع «داعش» تتميز بتضاريس جغرافية صعبة خاصة في أعالي الجرود التي تتحصن فيها من جهة، مشيراً إلى أن الأسلحة التي تمتلكها «داعش» أيضاً أكثر تطوراً من أسلحة «النصرة». ومع ذلك يقلل من قدرات مسلحي «داعش» القتالية على الأرض هم غير منظمين كما النصرة التي تتمتع بتخطيط أفضل مما هو عليه حالهم.

وفيما تحدّثَت معلومات عن وصول مسلّحين فارّين إلى مخيّمات النازحين في عرسال للاختباء فيها، نَفى مصدر عسكري رفيع لصحيفة “الجمهورية” أن “يكون عددٌ منهم قد فرَّ من الجرود وخَرقَ الطوقَ الأمني الذي يفصل به الجيش عرسال عن جردها، ودخل البلدةَ أو مخيّمات النازحين”، لافتاً إلى “وجود مخيّمات في الجرود لا تقع تحت السيطرة الأمنية اللبنانية”.

وأوضَح أنّ “الدوريات التي نفّذَها الجيش في بلدة عرسال تأتي في سياق المهمّة التي يقوم بها، قبل قرار الحكومة الأخير وبعدَه، وهي مستمرّة بغيةَ فرضِ الأمن في البلدة وحمايتها”.

من جهة ثانية، أكّد المصدر أنّ “مشاركة قائد الجيش العماد جان قهوجي في اجتماع دوَل التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب في قطر، تأتي في سياق أنّ لبنان من الدوَل التي تحارب “داعش” والإرهاب، على رغم أنّه لم يشارك عسكرياً في هذا التحالف”، موضحاً أنّ “الجيش اللبناني كانت له استراتيجية خاصة في منعِ تمَدّد الإرهاب ويُعتبر لبنان البلد الوحيد في المنطقة الذي هزَم “داعش”.