Site icon IMLebanon

توترات متزايدة في سوق العمل الصينية

chinaservicesjobs

توم ميتشل

في تشرين الثاني (نوفمبر) 2011، تلقى تشانج قوانجده استدعاء عاجلا إلى مدينة صناعية في جنوب الصين حيث كان ابنه، تنجزن، يعمل لدى فوكسكون، الشركة التايوانية المصنعة، بموجب عقد مقاولة، لإلكترونيات “أبل” وتعتبر واحدا من كبار أرباب العمل في الصين.

تنجزن، العامل المهاجر الذي يبلغ من العمر 28 عاما من وسط الصين، كان على سلم، يقوم بإصلاح مصباح أمني، عندما تعرض لصدمة كهربائية وسقط على بعد أربعة أمتار وضرب رأسه على الأرض. بحلول الوقت الذي وصل فيه تشانج إلى جوار سرير ابنه في شينزن، وهو مركز تصنيع في مقاطعة قوانغدونغ، كان الأطباء قد قاموا بإزالة جزء من دماغه المنتفخ بشكل خطير. تنجزن، الذي كان ذات مرة بطلا رياضيا في سباقات المضمار، ظل طريح الفراش لأكثر من عامين، وبدأ أخيرا فقط المشي من جديد. ويحتاج إلى رعاية بقية حياته.

حادث تنجزن جعل والده يشرع في رحلة طويلة لمدة أربع سنوات، عبر كل مستوى من مستويات النظام القضائي الصيني – المحاكم والتحكيم، وعندما فشلت تلك السبل، نظام الالتماسات الذي يعود إلى قرون، الذي ناشد الفلاحون من خلاله ذات مرة السلطات الإمبراطورية من أجل الإنصاف. في الوقت الذي أخذ ينضب فيه معين العمالة الريفية الهائل، الذي بدا ذات مرة أنه لا نهاية له – اللحظة التي يطلق عليها الاقتصاديون “نقطة تحول لويس” – حيث يكتسب العمال المهاجرون الذين مدوا المعجزة الاقتصادية في البلاد بالطاقة على مدى السنوات الـ 30 الماضية، سلطة لم يسبق لها مثيل على أرباب عملهم في كل شيء، ابتداء من مفاوضات الأجور والمستحقات إلى مطالبات التعويض عن العجز.

وقد أدى ذلك إلى زيادة في الاضطرابات الصناعية وزيادة ملحوظة في عدد العمال الذين يرفعون قضاياهم إلى المحاكم، كما فعل تشانج. آخرون يجدون أنفسهم في خطر قانوني بتهمة “الإخلال بالنظام الاجتماعي” – وهي تهمة غامضة تصل عقوبتها إلى خمس سنوات في السجن – أثناء المنازعات الصناعية.

لكن بعد سلسلة من القضايا العمالية التاريخية على مدى العامين الماضيين، استطاع عمال الصين تأمين القليل من الانتصارات القانونية. وقد ولدت هذه الشكوك على نطاق واسع حول قدرة النظام القضائي على تحقيق العدالة للعاملين الداخلين في نزاعات مع أصحاب النفوذ والمسؤولين المحليين. يقول تشانج: “في الصين القوانين لا حيلة لها أمام السلطة. الصين فاسدة جدا والحكومات المحلية تخدع باستمرار رؤسائها”.

الصراع الصناعي

وو جويجن، وهو ناشط عمالي مقره شينزن، توصل إلى استنتاج مماثل بعد أن أمضى عاما في السجن بتهمة أسقطت في نهاية المطاف.

يقول: “النظام القضائي في الصين يعتبر بيروقراطيا للغاية وعرضة لضغوط الحكومة”. ويضيف: “هذا يجعل من الصعب على العمال حماية حقوقهم”. اعتقل وو أثناء نزاع في عام 2013 وجهت له خلاله مزاعم بأنه قاد العمال في مسيرة احتجاج قال الإدعاء إنها أحدثت اضطرابا في النظام الاجتماعي.

أشار الحزب الشيوعي الحاكم إلى تصميمه على إنهاء التدخل المحلي في قرارات المحاكم، وهو ما يعزز قضية العدالة، في حين أنه أيضا يركز سيطرة بكين على النظام القانوني. وكرس اجتماعه الخاص السنوي الماضي الذي عقد في تشرين الأول (أكتوبر)، لمسائل متعلقة بسيادة القانون. ويقول إنه يريد غرس ما يكفي من الثقة العامة بنظام العدالة، حيث يصبح الملتمسون فيه هم المدعين، ويتم الاستئناف إلى المحاكم المحلية بدلا من التدفق إلى بكين. ويأمل أيضا في أن أي محكمة ونظام تحكيم فعال يمكن أن يساعد في نزع فتيل الاحتجاجات العمالية الكبيرة، مثل الاحتجاج الذي قاده وو، قبل أن تصل إلى كتلة حرجة وتمتد إلى الشوارع.

أحد فروع «وول مارت» في الصين، الذي يطالب العاملون فيه بأجور أعلى.

لكن الحزب أوضح أيضا أنه ليست لديه أي نية للتخلي عن سلطته المطلقة على المحاكم. ويشمل هذا الحق في أن يقرر الأحكام في القضايا الحساسة سياسيا، التي تشرف عليها لجنته القوية الخاصة بالشؤون السياسية والقانونية.

النتائج في سلسلة من القضايا العمالية الشخصية البارزة خلال العام الماضي تشير إلى أن اللجنة تحاول تحقيق توازن دقيق. ومع أنها لا تريد أن توقع على عقوبات شديدة يمكن أن تثير رد فعل عنيف من الحركة العمالية التي تتطور بسرعة في الصين، إلا أنها لا تريد أيضا تشجيع نشاط العمال ـ القانون الصيني لا يحمي الحق في الإضراب والنقابات المستقلة محظورة. يقول تشانج كاي، المختص القانوني في جامعة رنمين في بكين الذي يقدم المشورة للعمال المشاركين في الإضرابات: “ترتبط النزاعات الجماعية مثل الإضرابات مع [مخاوف الحكومة بشأن] الاستقرار. من الصعب ضمان حقوق العمال في مثل هذه الحالات”.

في آذار (مارس)، أوعزت اللجنة المركزية للحزب تعليمات للمسؤولين من أجل “جعل إنشاء علاقات عمل يسودها الانسجام مهمة عاجلة”، مبينة أن “توترات العمل دخلت فترة متزايدة من الأهمية والتكرار ويظل عدد النزاعات العمالية مرتفعا”.

وسجلت الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية الرسمية ارتفاعا بمقدار عشرة أضعاف في عدد النزاعات العمالية الجماعية التي تشمل ما بين 100 و1000 عامل. وهذه زيادة من 23 حالة نزاع فقط في عام 2007 إلى 209 حالات في عام 2012. وخلال العام الماضي كانت هناك إجراءات صناعية تتضمن الآلاف من العمال – وفي بعض الحالات عشرات الآلاف. “نشرة العمل الصينية”، وهي مجموعة مناصرة مستقلة مقرها هونج كونج، وثقت 1171 احتجاجا عماليا بين حزيران (يونيو) 2011 وكانون الأول (ديسمبر) 2013. وسجلت المجموعة أيضا 150 حالة من تدخل الشرطة في الاحتجاجات العمالية في 2012 / 2013، وكانت هناك اعتقالات في 69 حالة.

وخلقت الاضطرابات معضلة للمسؤولين المحليين الذين يشعرون بالقلق من تؤدي إلى تنفير المستثمرين، مع دخول الاقتصاد الصيني في فترة طويلة من النمو الأبطأ. ويقول جيف كروثال، مدير الأبحاث في “نشرة العمل الصينية”: “الحكومات المحلية لا تريد إيجاد بيئة قانونية يمكن أن ينظر إليها على أنها غير ودية تجاه الشركات، خاصة عندما تكون الأمور مزدهرة بقدر ما كانت عليه”.

واعتقل وو في أيار (مايو) 2013 خلال مسيرة قام بها العمال من شركة لصنع الأثاث. اعترض العمال على شروط إنهاء الخدمة التي تقدم بها رئيسهم، الذي أراد نقل عملية التصنيع لموقع أرخص في المناطق الداخلية للصين.

هاجر وو، يبلغ الآن 42 عاما، لمقاطعة قوانغدونغ من مقاطعة هونان الوسطى قبل 13 عاما وكان يعمل في المصنع لمدة تسع سنوات. ونفى قيادته للمسيرة وأسقطت التهم الموجهة إليه في نهاية المطاف لعدم كفاية الأدلة.

نشطاء العمال

يصف وو 371 يوما من الاحتجاز بأنها “نوع من الجحيم” حيث كان محتجزا في غرفة صغيرة مع ما لا يقل عن 50 شخصا آخرين. وحضر محاكمته في شينزن نشطاء من مختلف أنحاء البلاد. وما أضاف إلى حساسية القضية، أن إضرابات اندلعت في شركات متعددة الجنسيات، مثل وول مارت وIBM بينما كان يجري تداول حكم وو في ربيع عام 2014. وشمل النزاع في وول مارت أيضا مطالب بتعويض أعلى بعد إغلاق منفذ في تشانغده بمقاطعة هونان.

ويعتقد نشطاء العمال أنهم كشفوا عن اليد الخفية للجنة الحزب الشيوعي في اللجنة السياسية والقانونية، التي تمتد فروعها وصولا إلى مستوى المحافظة، في قرار المحكمة النهائي إسقاط قضية وو ومنحه تعويضا بمقدار 74455.99 رنمينبي (12 ألف دولار). واستخدم المال منذ ذلك الوقت لتأسيس مجموعة حقوق العمل في شينزن الخاصة به.

وتطاولت قضية وول مارت إلى جمود استمر لمدة عام، وكانت كل قرارات التحكيم والمحكمة تسير ضد العمال. ومن بين 140 موظفا أصليا يعملون في المحل، استسلم الجميع وقبلوا التعويض، عدا تسعة منهم.

ومنع المسؤولون المحليون “فاينانشيال تايمز” من حضور أحدث جلسة يوم 26 آذار (مارس)، وحجز وكلاء مكتب أمن الدولة لفترة وجيزة اثنين من النشطاء الذين سافروا إلى تشانغده لحضور هذه الإجراءات. ويقول تشنغ هوي هاي، أحد الناشطين: “كثير من الناس الذين كانوا يرغبون في حضور جلسة الاستماع، بمن فيهم المحامون والباحثون، طلب منهم عدم الحضور”.

هذه لم تكن أول تجربة لتشنج مع الجهاز القانوني والأمني للحزب. يقول بصراحة “تعرف اللجنة السياسية والقانونية كل شيء عني”. ويضيف: “حتى أنهم عرفوا من دعاني لتناول العشاء. كان الأمر كما لو أنهم كانوا يجلسون على مائدتنا”.

مثل معظم مقدمي الطلبات، تشانج ليس على شاشات رادار أجهزة الهيئات القوية المتنفذة مثل مكتب أمن الدولة واللجنة السياسية القانونية. كان يعتبر على أنه بمنزلة مصدر إزعاج محلي – وإن كان يتمتع بإصرار وفعالية على نحو مثير للاستغراب. في نيسان (أبريل)، توصل رئيس عمال البناء السابق والبالغ من العمر 52 عاما، الذي عمل على مواقع بعيدة مثل جزيرة هاينان الجنوبية، إلى تسوية مؤقتة مع فوكسكون.

ومنذ عام 2011 دفعت فوكسكون معظم الفواتير الطبية لتنجزن، التي يمكن أن تصل إلى 20 ألف رنمينبي شهريا. لكنها أيضا تشاجرت بشكل متكرر مع عائلته حول الموقع ومدة رعايته، وفقا لتشانج، الذي جنبا إلى جنب مع زوجته انتقل إلى مسافة تبعد 1600 كيلو متر من منزلهما في مقاطعة هينان الوسطى للاعتناء بابنهما.

يقول تشانج إن فوكسكون أرادت أن يعالج تنجزن في مدينة أخرى حيث الأجور – وبالتالي معايير التعويض – أقل.

ورفضت فوكسكون التعليق على قضية تنجزن لأسباب تتعلق بالسرية، لكنها قالت إن اتفاق التسوية الذي تم التوصل إليه مع تشانج “تضمن أن يكون لدى [تنجزن] الدعم طويل الأجل الذي يحتاج إليه” وأن هذا الدعم “ينسجم مع الالتزام القوي نحو تنجزن وعائلته الذي حافظنا عليه منذ حادثه المأساوي”.

وبعد خسارته لسلسلة من تحديات المحاكم وهيئات التحكيم المكلفة، تحول تشانج في عام 2013 إلى أدنى درجة في النظام القضائي الصيني – أصبح صاحب التماس بدوام كامل، وقام بزيارات متعددة إلى بكين. أثناء وجوده في العاصمة سعى – لكن طلباته قوبلت بالرفض – إلى جلسات استماع مع السلطات بدءا من مكتب الدولة للرسائل والمكالمات، الذي يدير النسخة الحديثة من نظام العرائض الإمبراطوري، إلى مكتب مكافحة الفساد في الحزب الشيوعي.

ويمكن لتشانج الوصول إلى العاصمة عن طريق القطار أو الحافلة. وفي كثير من الأحيان يكون مفلسا، وكان ينام بالقرب من محطة سكة حديد بكين الجنوبية أو يتقاسم غرفة رخيصة مع مقدمي الطلبات الآخرين. لكنه كان قادرا على بيع معرفته بالقراءة والكتابة ومعرفته القانونية المتزايدة. يقول: “عندما كانت الظروف صعبة حقا، ولم يكن لدي أي أموال، كنت أكتب الرسائل لمقدمي الطلبات الآخرين في مقابل وجبة”. في زيارته الأخيرة في تشرين الثاني (نوفمبر)، ألقت الشركة القبض على تشانج بعد محاولته لفت الانتباه إلى محنة ابنه في منطقة منتجع كان يجتمع قادة العالم، ومن بينهم الرئيس الأمريكي باراك أوباما، لحضور القمة السنوية للتعاون الاقتصادي في آسيا والمحيط الهادئ، وفي وقت لاحق في ساحة تيانانمن.

وباعتباره مسجلا رسميا على أنه “مقيم مؤقت” في شينزن، اعتبرت حكومة شينزن هي المسؤولة عن تشانج. لذا أوفدت ثلاثة من رجال الشرطة لمرافقته في رحلة العودة إلى مركز التصنيع الجنوبي. وتلك كانت المرة الأولى التي يسافر فيها تشانج على متن طائرة. وفور مغادرته مبنى المطار في شينزن، هرب تشانج من موكب الشرطة الذي يرافقه. ويقول تشانج: “لقد طاردني أحدهم لمسافة كيلو متر تقريبا لكنه استسلم بعد ذلك”. مع ذلك، لم يتم اعتقاله في وقت لاحق. بدلا من ذلك، قامت الشرطة ومكتب الالتماس في مقاطعة شينزن، حيث أصيب ابنه، بالمساعدة في تسهيل محادثات التسوية الناجحة بين تشانج وشركة فوكسكون.

عندما يتم الانتهاء من تسويته مع شركة فوكسكون، ينوي تشانج إعادة ابنه إلى مقاطعة هينان.

يقول: “أنا لم أكن قادرا على القيام بأي شيء آخر منذ أكثر من ثلاثة أعوام. أنا أقضي أيامي في كتابة الالتماسات والليالي في القراءة والكتابة عن القانون. عندما ينتهي هذا، سأستمر في دراسة قانون العمل. وأود أن أكون محاميا”.

قضايا عمالية

كانون الثاني (يناير) عام 2014: حكم على شو تشي يونج، العضو البارز في حركة المواطنين الجدد، بالسجن لمدة أربعة أعوام من قبل محكمة بكين بتهمة الإخلال بالنظام العام. دوافع المجموعة تشمل وضع حد للتمييز المنهجي ضد العمال المهاجرين.

شباط (فبراير) عام 2014: يخضع وو جوي جان لمحاكمة بتهمة قيادة احتجاج عمالي أدى إلى عرقلة حركة المرور في تشينزن. اتهم بالإخلال بالنظام العام. ومحاكمته حضرها نشطاء من أنحاء البلاد كافة وهونج كونج.

آذار (مارس) عام 2014: بدأ عمال وولمارت في تشانجدي، مقاطعة هونان، احتجاجا للمطالبة بتعويضات أعلى من متجر التجزئة الأمريكي. كذلك قام عمال في أحد مصانع شركة آي بي إم بالإضراب عن العمل، مطالبين بأجر أعلى بعد قيام شركة لينوفو بشراء وحدتهم.

نيسان (أبريل) عام 2014: أدين 11 حارسا من حراس الأمن بتهمة الإخلال بالنظام العام خلال احتجاج في مستشفى جوانجتشو الذي يعملون فيه، ثم أطلق سراحهم في غضون شهر. كما أضرب الآلاف عن العمل مطالبين بالحصول على المنافع في مصنع أحذية تايواني في مدينة دونجقوان. اعتقل بعضهم، لكن لم توجه لهم أي اتهامات.

حزيران (يونيو) عام 2014: أسقطت التهم الموجهة ضد وو جوي جان. وحصل في وقت لاحق على تعويض بمقدار 74455 رينمينبي مقابل العام الذي قضاه في أحد مرافق الاحتجاز. آذار (مارس) عام 2015: رفع عمال وولمارت قضيتهم إلى المحكمة، لكنهم خسروا مرة أخرى. وكان قد تم اعتقال بعض مؤيديهم لفترة وجيزة من قبل مكتب أمن الدولة. مسؤول بارز في الاتحاد العمالي الوحيد الذي يحظى بقبول الحكومة قال إن “قوى أجنبية” تعمل في الحركة العمالية.