Site icon IMLebanon

يجب الحذر من العيش في عالم أسعار فائدة غير طبيعية

InterestYellenFederalReserve

جون بليندر

حين نفكر في الأمر، نجد أن من الغريب أنه عندما تم تخفيض أسعار الفائدة الرسمية في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة لأدنى مستوى لها على الإطلاق في آذار (مارس) 2009، توقعت الأسواق ارتفاعها خلال ذلك العام. بعد أكثر من ست سنوات، تبقى الأسعار ثابتة والأسواق لا تزال مهووسة بتوقيت الارتفاع. وتوقيت حدوثه يبقى أمرا غائما إلى حد بعيد، بعد صدور بيان اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة الأسبوع الماضي.

لا شك أن “تطبيع” السياسة النقدية لن يتم قبل مرور فترة طويلة. فقد أشارت جانيت ييلين، رئيسة الاحتياطي الفيدرالي، إلى أنه عندما يأتي موعد الارتفاعات، فإنها ستكون ضئيلة وتدريجية ويمكن التنبؤ بها. لذلك سنعيش لعدة سنوات في عالم أسعار فائدة دون المعدل الطبيعي.

سيكون أيضا عالما من النمو المتدني – الدليل على ذلك هو المراجعات النازلة لتوقعات النمو من الاحتياطي الفيدرالي وبنك إنجلترا هذا الشهر. ويناضل كل من منطقة اليورو واليابان، على الرغم من تمتعهما بمزايا التخفيضات التنافسية الكبيرة في أسعار عملتيهما، من أجل تحقيق معدلات نمو لائقة.

والتخفيضات التنافسية تعتبر على أي حال أمرا يربح فيه طرف على حساب الطرف الآخر، ولا تفعل أي شيء لتعزيز الاقتصاد العالمي. وتتباطأ الصين بشكل ملموس حتى لو كانت الأرقام الرسمية تخفي الواقع الأساسي. ولم يعد يجدي الآن ذلك الافتراض (الذي جاء بعد الأزمة) بأن اقتصادات الأسواق الناشئة قد تظهر للعالم المتقدم آلية جديدة كليا.

على خلفية عدم كفاية الطلب، أضاف الانهيار في أسعار الطاقة والسلع الأساسية زخما انكماشيا قويا. أما زيادات الأجور في العالم المتقدم، مع الاستثناء الملحوظ للمملكة المتحدة في الآونة الأخيرة، فقد كانت خافتة.

وتخبرنا أسواق العقود الآجلة بأن أسعار الفائدة ستكون أدنى بكثير من متوسط أسعار الفائدة الرسمية منذ عام 1945 حتى فترة ما قبل الأزمة بالنسبة لكل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ومنطقة اليورو واليابان، التي كانت على التوالي 3 في المائة، و7 في المائة، و3 في المائة، و4 في المائة.

بعبارة أخرى، تقول الأسواق إن الأمر مختلف هذه المرة، وهي صيغة يمكن أن نكون على ثقة بأنها خطيرة عندما يتعلق الأمر بالتنبؤ بالمستقبل. بالطبع، بعض الأشياء مختلفة فعلا. فعلى مدى معظم فترة ما بعد الحرب، كانت غالبية المصارف المركزية غير مستقلة، وإن كانت مسألة ما إذا كان الاستقلال هو القوة الدافعة وراء فترات طويلة من عدم التضخم تبقى أمرا آخر، وكذلك هو الحال بالنسبة لمسألة ما إذا كانت المصارف المركزية ستبقى مستقلة في المستقبل.

نظرا لطبيعة أنشطتها ذات الطابع الشبيه بالمالية العامة منذ الأزمة، والمخاطر التي تفرضها التدابير غير التقليدية على ميزانياتها العمومية، فإن إمكانية استيلاء السياسيين على أراضي السياسة النقدية هي أمر لا يستهان به.

من ناحية أخرى، يبدو أن تحرير أسواق العمل وتراجع قوة اتحادات العمال من غير المرجح أن تشهد انقلابا على الأجلين القصير والمتوسط. لاحظ أنه مع وجود سكان في مرحلة الشيخوخة، قد تمارس القوة العاملة المتقلصة سلطة سوقية للحصول على أجور أعلى في مقابل سكان متقاعدين يحاولون استخدام القوة التصويتية لتأمين دخل تقاعدي مستقر.

وترتبط الأخطار الكامنة في عالم أسعار فائدة دون المستوى الطبيعي، أولا، بتراكم الديون. ويصبح الدين من أي حجم تقريبا فيما يتعلق بالناتج المحلي الإجمالي قابلا للإدارة من خلال أسعار الفائدة الضئيلة اليوم. لكن ما إذا كان سيبقى قابلا للإدارة فهذا يعتمد على مدى اغتنام السياسيين الفرصة لإنجاز إصلاحات هيكلية واستثمارات في البنية التحتية لتعزيز النمو، التي بدونها لا يمكن خدمة الديون في نهاية المطاف.

إن العقبة هي أن النمو المنخفض يجعل من الصعب استجماع الإرادة السياسية للإصلاح، وهو ما يغلب عليه أن إعاقة النمو على المدى القصير قبل أن ينتج الفائدة المرجوة على الأمد الطويل.

ومن ثم هناك عائدات الاستثمار الكئيبة وتأثير أسعار الخصم المنخفضة في التزامات صناديق المعاشات التقاعدية. ومن المستحيل أن نعرف مدى تأثير العجز في صناديق المعاشات التقاعدية على نفسية ونشاط أعضاء مجلس الإدارة، لكن في الحالات التي تكون فيها تلك الصناديق كبيرة بالنسبة للشركة، فإن العجز لا يجدي.

ربما كان العجز عاملا، وإن كان عاملا طفيفا، في ضعف الاستثمار منذ عام 2008. وعلى القدر نفسه من الأهمية، تقلل البيئة دون العادية من أسعار الفائدة من حجم التدمير الخلاق وتمنح ميزة للشركات الكبرى على حساب الشركات الأصغر والأكثر إنتاجية، التي تفتقر إلى إمكانية الوصول الجيد إلى أسواق الائتمان.

في مثل هذا العالم، فإن أي عودة إلى متوسط أسعار الفائدة التاريخي هي أمر بعيد. لا توجد أي قاعدة عامة مرجحة تخيم على العالم المتطور المثقل بالديون الآن. مع ذلك، بالنسبة للدول المنفردة فإن عودة مبكرة قد تكون بمثابة مكافأة للسياسة السيئة. وتعتبر اليابان وجنوب أوروبا المختبرات التي سيتم فيها اختبار هذه الفرضية.