Site icon IMLebanon

إقتصاد إسبانيا عِبرَة للبنان لا اليونان

SPAINECONOMY
طوني رزق
يمكن لإسبانيا ان تعتبر أمثولة للبنان ولغيره من الدول التي تعاني الركود الاقتصادي وضخامة الدين العام ونسبة البطالة المرتفعة، حيث تمكنت مؤخراً من تسجيل افضل نموّ فصلي لها في ثماني سنوات مع توقّع نمو اقتصادي ونسبته 3,3 في المئة في العام 2015.

وكانت اسبانيا قد قامت بتدابير شجاعة وجريئة وغير شعبية يبدو انها أتت بنتيجة مُرضية في النهاية، وكانت قد اضطرّت في العام 2012 للاستدانة بنحو 100 مليار يورو من الاتحاد الاوروبي ضمن سلة متكاملة.

وقد شهدت هذه الدولة أزمة مالية قاسية جداً وتضخماً كبيراً في اسعار العقارات، والتي انهارت بعد ذلك كما زادت نسبة البطالة عن 25 في المئة وسلسلة طويلة من إشهار افلاس الشركات والمؤسسات والافراد ما قَوّض الثقة العامة. فتجاوز عائد السندات الاسبانية الخمس نقاط فوق العائدات الالمانية في تموز العام 2012، الأمر الذي دفع الاتحاد الاوروبي للتدخّل للَجم المضاربات على سندات اسبانيا السيادية.

وقد لجأت الحكومة الاسبانية ضمن المعالجات الاقتصادية والمالية الى قرارات تقشفية، كان ابرزها: خفض الأجور في القطاع العام اضافة الى التقديمات الاخرى. كما زادت الضريبة على القيمة المضافة الى 21 في المئة صعوداً من 18 في المئة (مع ملاحظة استثناءات محددة).

ويبدو انّ اسبانيا بدأت بالفعل في مرحلة انتعاش، وقد ساعد على ذلك نسبة التضخم المنخفضة تراجع سعر صرف اليورو وانخفاض اسعار النفط وتجدد نوع من الاستقرار المالي في اوروبا.

كل ذلك دفع المستهلكين للانفاق بشكل أفضل. ولقيت اسبانيا ايضاً دعماً للأزمة اليونانية نوعاً ما، إذ تحوّلت السياحة الى اسبانيا نتيجة تدابير الحد من السحوبات النقدية في المصارف وآلات الصرف الاوتوماتيكي (ATM)، وعمدت الحكومة الاسبانية ايضاً الى إصلاحات عديدة في الاقتصاد الاسباني مع مراجعة الضرائب على ارباح الشركات وعلى الاجور حتى وصولها ايضاً الى سلسلة الاجور نفسها. وترك للمؤسسات والشركات بعض الحرية في تحديد الاجور مقارنة مع الانتاجية وعدم ترك هذه الاجور تتجاوز هذه الانتاجية.

ولا يعني كل ذلك انّ اسبانيا تجاوزت أزمة البطالة نهائياً، لكنها خَفّضتها من 25 في المئة الى 18 في المئة، أي ثلاثة اضعاف نسبة البطالة في الولايات المتحدة الاميركية. غير انّ الانجاز الاسباني يبقى في التوصّل الى نمو 3,3 في المئة مقارنة مع ركود اقتصادي ونمو سلبي في الماضي. اي انّ توقعات النمو في اسبانيا للعام 2015 هي الافضل بين دول الاتحاد الاوروبي جميعها.

وعليه، يعكس كل ذلك إمكانية واقعية لتحقيق تحوّل ايجابي في اتجاهات الاقتصاد اللبناني بالتعاون مع السلطات الرسمية السياسية والنقدية. كل ذلك يجب ان يتمّ في ظروف بمنأى عن الفساد الاداري والسياسي في القطاعين الخاص والعام، ويؤخذ على لبنان وعلى السلطات النقدية عدم إقرار خفض لأسعار الفائدة بما يكفي لتحويل الاموال من المصارف الى التوظيف في الشركات ومؤسسات انتاجية يكون من شأنها تعزيز النمو الاقتصادي وخلق الوظائف الجديدة.

انّ الاداة المصرفية النقدية المتمثلة بخفض اسعار الفائدة لم تستعمل في لبنان حتى اليوم. كذلك لم يستخدم لبنان سياسة اسعار الصرف، بل استمر بربط الليرة بالدولار الاميركي المرتفع بقوة إزاء العملات الاخرى، الأمر الذي يضرّ بقوة في حجم الصادرات اللبنانية، وبالتالي بالقطاع الصناعي اللبناني كما بالقطاعات الاقتصادية الاخرى.

واذا كان التقصير من السلطات النقدية بَدا واضحاً في سياسات اسعار الفائدة واسعار الصرف، فقد جاءت مبادرات مصرف لبنان في ضَخّ بضع مليارات دولار سيولة في الاسواق اللبنانية لتسدّ بعض الحاجات الاقتصادية الماسة وتدعم نسبة النمو الاقتصادي من دون ان تكون كافية لوحدها، فإنّ غياب المبادرات والقرارات والاصلاحات في الادارات العامة اللبنانية يبقى سيفاً مسلطاً على الاقتصاد والتوازن المالي في لبنان، وهو الاشد خطراً ولا يستطيع لبنان الارتكاز على تحويلات اللبنانيين من الخارج والدعم المالي الخارجي المرتكز على الولاء السياسي من دون إجراء الاصلاحات الضرورية.

وتبقى كل اقتراحات المشاريع حبراً على ورق في ظل الانشقاق السياسي العمودي في البلاد، حيث يفضّل القيّمون على السلطات الرسمية والواقعية في لبنان الاهتمام بالشؤون السياسية الاستراتيجية الكبرى وإبقاء الشعب منشغلاً بالقضايا الامنية والسياسية بدلاً من قضايا التطور والاصلاح والازدهار والسير قدماً الى الامام.