فؤاد خليفة
تُرمى التحديات في وجه القطاع المصرفي الذي أثبت مرونته وتفوّقه لاعباً أساسياً في الاقتصاد اللبناني. من تحدي وضع الأطر المناسبة لإدارة المخاطر بشكل عام، تماشياً مع متطلبات لجنة بازل الدولية التي أضحت في صميم متطلبات السلطات الرقابية اللبنانية، الى تحدي قيام حوكمة وادارة رشيدة (Corporate Governance) فاعلة على مستوى الادارة العليا ومجالس الادارة في المصارف، الى تحدي مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، الى كمّ آخر من التحديات التي رفعها القطاع المصرفي اللبناني بنجاح لافت.
وتطوّرت أعمال مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب من”معرفة العميل” بشكل كاف بغية حماية المصرف من عمليات مشبوهة قد تحصل من خلاله، الى ضرورة وجود نظام متكامل لحماية المصرف من مخاطر عدم الامتثال العام، عنيت مخاطر عدم الامتثال القانوني بالتعاميم والقوانين المرعية الاجراء والانظمة والسياسات والاجراءات الداخلية للمصرف والعقوبات المفروضة على مستوى العالم والمنطقة والقوانين النافذة لدى بلدان المصرف المراسلة، بالاضافة الى مخاطر تبييض الأموال وتمويل الإرهاب وضرورة التزام قوانين مكافحتها.
وأصبحت القوانين المحلية وتعاميم السلطات الرقابية المرعية الاجراء، الحد الادنى لامتثال المصارف بها، بحيث بات لزاماً على هذه الأخيرة التطلّع الى العالم بمجمله، للامتثال بقوانينه واجراءاته وعقوباته المفروضة على بلدان ومؤسسات وافراد مختلفة قد يحصل أن تتعرّض المصارف اللبنانية للتعامل مع أحدها. وقد فرضت عولمة الخدمات المصرفية على المصارف اللبنانية، التنسيق في ما بينها من جهة، ومع الجهات والمصارف العالمية من جهة أخرى، بهدف إبراز الشفافية التي يتمتّع بها القطاع المصرفي، ومستوى التعاون المتزايد الذي يرنو اليه.
ويتمثّل التحدّي الراهن بالاستمرار في الأعمال المصرفية كالمعتاد، وهو نمط معيّن من التعامل مع العملاء المصرفيّين في لبنان على أساسٍ من الحرية الاقتصادية والسرية المصرفية المقدّسة، بالتلازم مع التعاون الوثيق مع السلطات الرقابية والمصارف المراسلة بهدف تنقية القطاع المصرفي، مما قد يؤذيه من شوائب، وينعكس سلباً على الاقتصاد الوطني الذي يعتمد عليه للتمويل العام والخاص.
لا بدّ في هذا الخصوص من الارتباط الوثيق بلاعب أساسيّ على مستوى العالم: الولايات المتحدة الأميركية. وبالارتباط الوثيق عنيت التعامل الشفاف والتعاون المتبادل وتشاطر المعلومات مع وزارة الخزانة الأميركية وباقي السلطات الرقابية الأميركية بهدف حماية القطاع المصرفي من الهزّات والخضّات المتأتية من عقوبات حالية أو مستقبلية محتملة.
ويكون نجاح هكذا ارتباط مبنياً على رفع القطاع المصرفي اللبناني تحدّي الامتثال العام من خلال الاعتماد على سياسات واجراءات ادارة مخاطر عدم الامتثال (Non-Compliance Risks)، واشراك الادارات العليا للمصارف ومجالس اداراتها في اعطاء الزخم لأنشطة الامتثال وتعميم ثقافة النزاهة والسمعة الجيدة.
ويتكلمون على الـDe-Risking. وهو ما وجدت المصارف العالمية به حلا لمخاطر عدم الامتثال. أي الخروج من المخاطر والتنازل عن الاعمال التي قد تأتي بمخاطر اكبر من الفائدة المنتظرة منها. واذا نظرنا الى لبنان، نرى من المنطقي تخلي المصارف الاميركية عن التعامل معه لما يرتبط به من مخاطر قد تتخطى الاستفادة الربحية المتوقعة منه، وهي مصارف لصيقة بمنطق السوق والرأسمالية والربحية، لكنها ما زالت ترى استفادة كبيرة من التعاطي مع القطاع المصرفي اللبناني، على رغم محدودية حجمه مقارنة بمجمل أعمالها، وهي استفادة تتخطى المخاطر التي تحيط به وتعمل على اغراقه وشطبه من المعادلة العالمية.
أكتب هذه الاسطر وأتأمل بما قد تأتينا به الايام من تحديات جديدة. واذا بالبريد الالكتروني يضج بمشروع عقوبات جديدة – قديمة وصل للتو، على من يتعامل مع مجموعة مهمة من الواقع السياسي اللبناني، عنيت بها “حزب الله” التحدي الجديد؟ الاستمرار.

