Site icon IMLebanon

ضغوط على منظمة العفو: لا لشرعنة تجارة الجنس!

sex-trade

 

ذكرت صحيفة “الأخبار” أنّ منظمة العفو الدولية صوّتت منذ نحو أسبوع على مسودة عن التعاطي مع العمل في مجال الجنس، تهدف الى عدم تجريم “تجارة الجنس”، ما يعني عدم تجريم جميع أطراف هذه “التجارة”، ما خلق موجة من الاعتراضات على الصعيد العالمي، فدعت الجمعيات المعارضة للقرار منظمة العفو الى التراجع عن قرارها، مع التشديد على عدم تجريم العاملات في هذا المجال لأنهنّ ضحايا.

لا يزال الجدل قائماً في العالم بشأن قضية الدعارة، حتّى في الدول التي سعت الى تنظيمها. عالمياً، هناك تياران يتعارضان كلياً، الأول يرى أنّ الدعارة مهنة يجب تنظيمها، والثاني يعتبر أنّ الدعارة هي مجال للاستغلال والإتجار بالبشر وعنف يمارس على العاملات فيها، وبالتالي هنّ ضحايا. أخيراً، احتدم النقاش بشكل قوي بين هذين التيارين عقب تصويت منظمة العفو الدولية في ختام الاجتماع الثاني والثلاثين لمجلسها الدولي الذي انعقد في 11 من الشهر الجاري، على مسودة عن كيفية التعاطي مع العمل في مجال الجنس، أقرّت فيها “وضع سياسات تدعم إنهاء التجريم الكامل لجميع جوانب العمل في مجال الجنس بالتراضي”، وفق بيان المنظمة.

لقي الأمر اعتراضات ونقاشات هائلة على الصعيد العالمي، وانهالت على المنظمة مناشدات تطلب منها التراجع عن المسودة المطروحة، معتبرين أنّ المنظمة تدعو الى عدم تجريم “تجارة الجنس”، بما في ذلك القوادين، أصحاب بيوت الدعارة ومشتري الأفعال الجنسية.

غضّت المنظمة نظرها عن واقع عاملات الجنس، معرفةً “العمل في مجال الجنس” بأنه “ينطوي على الترتيبات التعاقدية، حيث يتم التفاوض على الخدمات الجنسية بين البالغين بالتراضي، مع موافقة بائع الخدمة الجنسية ومشتريها على الشروط. وبالتالي يختلف هذا الأمر عن الإتجار بحكم موافقة العاملة على القيام بالفعل الجنسي”. لكنها تقرّ في المسودّة نفسها بأنّ “التمييز والقهر لهما تأثير على حياة العديد من العاملين في مجال الجنس، ويمكن أن يلعبا دوراً في دخول المرأة الى مجال الجنس. فأنظمة القمع مثل التمييز بين الجنسين، والعنصرية وعدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية تؤدي إلى الفقر والحرمان من الفرص، لذلك فإنّ الفئات المضطهدة والمهمشة هي الأكثر انخراطًا في مجال الجنس، وهؤلاء يشكلون أغلبية العاملين في مجال الجنس على الصعيد العالمي”.

إذاً، تعترف المنظمة بأنّ غالبية العاملات في الجنس مضطهدات ومهمشات، وبالتالي مجبورات على الانخراط في هذه الصناعة من أجل العيش، لكنها تطرح مسودة سياستها من منطلق “الخدمات الجنسية الإرادية”، فتأخذ منحى تنظيم هذا المجال باعتباره مهنة، طالبةً من الحكومات “حماية حقوق عاملات الجنس وتحسين ظروف عملهنّ من خلال أجر عادل، وتأمين ظروف صحية جيّدة وتحديد عدد ساعات العمل”. هكذا إذاً يصبح القوّاد، في حال وجوده، “رب عمل” وأصحاب بيوت الدعارة يتحولون الى “مستثمرين”. تركّز المسودة على ضرورة “تمتّع عاملات الجنس بالمساواة وحمايتهن من التمييز”، إضافةً الى التشديد على فحوصات “السيدا” للحفاظ على صحتهنّ.

الانتقادات التي وُجّهت للمنظمة من عدد كبير من المنظمات والجمعيات والأفراد، وأبرزها الكتاب المقدّم من أكثر من 500 منظمة وفرد في 11 من الشهر المنصرم أي قبل التصويت على المسودة، أيّدت عدم تجريم العاملات في الجنس والسعي لحمايتهنّ، إلّا أنها أعربت عن قلقها العميق “إزاء اقتراح منظمة العفو الدولية اعتماد سياسة تدعو إلى عدم تجريم القوادين، مالكي بيوت الدعارة ومشتري الجنس الذين يشكلون ركائز صناعة الجنس العالمية التي تساوي 99 مليار دولار”.

يعتبر هؤلاء أنّ الدعارة هي عنف يمارس على المرأة واستغلال تتعرض له على أيدي القوادين و”الزبائن”، “يودي بها الى أذى جسدي ونفسي، وغالباً الى الموت”، وبالتالي يجب حمايتها وإعطاؤها الفرص اللازمة للاختيار وتقرير نمط عيشها. ويقول الكتاب الذي تمّ توجيهه أول من أمس الى المنظمة، إنه “يومياً نرى “اقتحام” الرجال لأجساد النساء من خلال المال والسلطة. إنّ إعطاء المال مقابل هذا الأمر لا يلغي العنف الممارس على النساء في هذه التجارة، عام 2014 أقرّ البرلمان الأوروبي أن الدعارة هي شكل من أشكال العنف ضد المرأة وإهانة لكرامة الإنسان، داعياً الحكومات الى عدم تجريم العاملات في الجنس، وإنما تجريم مشتري الجنس”. أمّا عن اهتمام المنظمة بفحوصات “السيدا” للعاملات في الجنس، فترى هذه المنظمات أنّ هذا الاهتمام نابع من قلق المنظمة على صحة مشتري الجنس أكثر من قلقها على صحة العاملات في الجنس.

معظم النقاش القائم عن إنهاء تجريم صناعة الجنس لا يُعنى بالحق في الممارسة الجنسية التي تعدّ حقاً مقدساً، إنما له علاقة بمدى الحرية المتوفرة للشخص العامل في هذا المجال، وعليه ينقل كيفن راين في “الهافنغتون بوست”، عن مود أوليفييه، عضو البرلمان الفرنسي، سؤالاً واضحاً: “إذا أعلنت عاملة واحدة في الجنس عن اختيارها الحر لهذا المجال، فهل يصبح الإتجار بالأخريات مقبولاً”؟

ثلاث جمعيات لبنانية وقّعت على الكتاب المقدّم الى الأمانة العامة لمنظمة العفو الدولية، هي: “منظمة كفى، التجمع النسائي الديموقراطي اللبناني ومؤسسة النجدة”.
تقول غادة جبور، مسؤولة قسم مكافحة الاستغلال والإتجار بالنساء في جمعية “كفى”، إنّ قرار منظمة العفو يقوم على عدم تجريم كل القطاع”، وعليه هناك اتجاهان عالميان في هذه القضية: الاتجاه الاول يعتبر أن هذا المجال لا يمكن إلغاؤه ولا بد من تنظيمه وضبطه، ويذهب الى اعتبار أنّ هذا الأمر هو حق للنساء اللواتي لا يجدن في الأمر أي عنف. أما الاتجاه الثاني، فيقول إنه مهما حصل من تنظيم، فإن هذا المجال القائم على العنف والتنظيم سيعطي ضوءاً أخضر للقوادين لاستغلال النساء المستضعفات. تضيف جبور إنّ “هذا المجال مدموج بالعنف، إذ يُفرض على المرأة فعل جنسي لا تريده مقابل المال”، كذلك فإن العلاقة بين الطرفين ليست علاقة متساوية على الإطلاق وهي علاقة سلطوية. ترى جبّور أنّ التوجه الوحيد الذي يجب اعتماده هو تجريم المعنّف، مع التأكيد على عدم تجريم الضحية. وتلفت الى أنّ هذا الاعتراض لا يمس على الإطلاق بجنسانية المرأة وحريتها الجنسية المطلقة، إنما الجنسانية الحقيقية هي غير المقهورة والتي لا تأتي جراء القهر المادي.

نتيجة هذه الاعتراضات، ردّت منظمة العفو على الكتب الموجّهة إليها، معتبرةً أنّ هذا الخيار سيساعد في مواجهة الإتجار، إذ سيسمح للعاملات في الجنس بالمطالبة بحقوقهن وتحسين ظروف عملهن. لكنها في الرد نفسه ذكرت أنه “وفق دراسة جرت عام 2010 في غينيا الجديدة على فترة ستة أشهر، تعرضت 50% من العاملات في الجنس للاغتصاب”، ما يؤكّد أنّ هذا المجال مبني على العنف، وبالتالي يجب تجريم المعنفين.