Site icon IMLebanon

السياسات النقدية غير كافية بلا إصلاحات

Yuan-Dollar
طوني رزق
بعدما حدّد العالم أهدافه في تعزيز النمو الاقتصادي وخلق فرص العمل بدلا من اطفاء الديون العامة، وبعدما عمّم سياسات ضخ الاموال في الاسواق والدور الاساسي للبنوك المركزية، كان من الطبيعي ان تجد قمة العشرين نفسها امام التركيز على ضرورة الاصلاحات المالية استكمالا للسياسات النقدية.
يتابع العالم مسيرة الخروج من التباطؤ الاقتصادي الذي اصاب الاقتصاد العالمي منذ العام 2008 ويختبر في الوقت نفسه كل الوسائل والسياسات المالية والنقدية والاقتصادية الحديثة.

يبدو ان العالم يختبر ويتعلم ويستنتج ويقترح من اعلى منبر اقتصادي مالي في العصر الحديث والمتمثل بقمة العشرين (اي تجمع وزراء مالية اكبر عشرين اقتصادا في العالم). وفي الاجتماع الأخير الذي عقد السبت، توافق المجتمعون على خلاصة جديدة واقتراح علاج متطور لتعزيز النمو الاقتصادي.

وعلى هذا المستوى تأكد المجتمعون أن اعتماد سياسات اسعار الفائدة المنخفضة (اي التسليف الرخيص) تبقى سياسات ضرورية لتحسين النمو لكنها في الوقت عينه تبقى غير كافية لتسريع وتيرة النمو الاقتصادي. ومع التوصية بمواصلة هذه السياسات بالوكالة المعطاة الى البنوك المركزية، لاحظ المجتمعون ان نتائج هذه السياسات تبقى غير كافية واعجز من تسريع النمو بالوتيرة المطلوبة والضرورية.

اذ ان هذه السياسات بلا اصلاحات تبقى مبتورة، ومن هنان تمّ اقتراح خطوات اساسية للاصلاح على مستوى الضرائب والسياسة المالية من جهة، وعلى مستوى السياسات البنيوية ايضا. ومن العلاجات المقترحة الرئيسية جاء التركيز على سياسات الاستثمار والتوظيف المالي اذ على الحكومات ان تضع استراتيجيات سياسات الاستثمار والتوظيف لتعزيز النمو الاقتصادي.

على مثال الدول الصناعية الكبرى، ينبغي على الدول الاخرى اخذ العبر من هذه المقترحات الدولية والعمل على دعم تحرك البنوك المركزية وجهودها في المساهمة بدعم الاقتصاد والاستقرار المالي من خلال سياسات مالية واقتصادية واصلاحية متوازية مع السياسات النقدية. وكان العالم اكتشف ان ضخ السيولة في الاسواق بمئات مليارات الدولارات لم يكن كافيا وعلاجا سريعا.

وعلى سبيل المثال، فان النمو الاقتصادي في كل من الولايات المتحدة واليابان، ورغم تريليونات الدولارات التي تم ضخها في الاسواق، لم يبلغ مستوى مرضيا. من هنا يتأكد أن اجراء الاصلاحات على مستوى التوظيفات المالية للحكومات في الاقتصاد، وعلى مستوى محاربة الفساد المالي والاداري، اساسي وضروري لكي تستقيم الامور.

على مستوى آخر، ناقش المجتمعون في قمة العشرين موضوع قلق الاسواق العالمية، خصوصا في دول الاسواق الناشئة مبادرة اميركية لرفع اسعار الفائدة في السابع عشر من شهر ايلول اذ ان ذلك قد يؤدي الى تحول عملاق للاموال من الاسواق الناشئة الى الولايات المتحدة الاميركية والى الدولار الاميركي.

ورغم محاولة الولايات المتحدة طمأنة المجتمعين الى الشفافية التي سوف تعتمدها ازاء سياسات اسعار الفائدة فان رئيسة صندوق النقد الدولي اوصت بألاّ تعمد الولايات المتحدة الى رفع الفائدة في الوقت الراهن اذ اعتبرت ان من شأن ذلك الاضرار بالاقتصاد العالمي، رغم اعتبار الكثيرين ان للولايات المتحدة الحق في رفع اسعار الفائدة اذا ارتأت ان ذلك ضروري لاقتصادها.

تناول المجتمعون ايضا ملف خفض سعر صرف اليوان الصيني المفاجىء الشهر الماضي وتداعيات ذلك على الاسواق العالمية والتي تمثلت بتقلبات الاسعار في كل من اسواق الصرف والاسهم والسلع.

ازاء المخاوف من تباطؤ الاقتصاد في الصين ثاني اكبر اقتصاد في العالم اعلن مسؤول كبير في الصين ان نسبة النمو الاقتصادي في الصين في الوقت الراهن بات عند 7 في المئة ويجب التأقلم مع هذا المستوى مقارنة مع نحو عشرة في المئة في السنوات الماضية. وهي اشارة مباشرة الى الاسواق العالمية بلجم القلق من تأثيرات تباطؤ الاقتصاد في الصين على الاقتصاد العالمي.

يأتي ذلك في وقت يسجل فيه حجم التجارة العالمية اكبر تراجع له منذ الأزمة المالية العالمية في العام 2008، بناء على الارقام في النصف الاول من العام، وذلك نتيجة مباشرة لتراجع الاستثمار وتباطؤ النمو الاقتصادي في العالم الذي دفع المستهلكين الى تقليص حجم انفاقهم والحكومات لتأجيل استثماراتهم. ويأتي هنا دور الولايات المتحدة الاميركية والصين في الطليعة اذ ان حصتهما هي 20 في المئة من حجم التجارة العالمية.

وتضمّن اجتماع قمة العشرين في انقرة في تركيا السبت الماضي الحديث عن اسعار صرف العملات على اثر قيام الصين في خفض مفاجىء لعملتها، واتفق المجتمعون على عدم الدخول في حرب العملات في استخدام لهذه العبارات منذ العام 2013.

علما ان مؤشر الاسواق الناشئة تراجع هذا العام بنحو 18 في المئة وكان تخفيض سعر صرف اليوان اضر بجميع الدول التي تصدّر الى الصين. اما حجة الصين في خفض عملتها فكانت تراجع مؤشر اسهمها 20 في المئة عن اعلى مستوى له في ثلاثة اعوام. لكن الولايات المتحدة اعلمت الصين ان عليها ان تعطي اشارة الى الاسواق العالمية تفيد بأنها سوف تترك لحركة الاسواق تعديل سعر صرف اليوان بحرية.

وبعدما طمأنت الصين الى انها تتوقع نموا اقتصاديا عند 7 في المئة في السنوات الخمس المقبلة وبأنها لن تُقدِم على خفض عملتها، تحولت الاهتمامات مجددا الى رفع اسعار الفائدة الاميركية المحتمل في 17 ايلول الجاري رغم تحذير صندوق النقد من التسرّع بالقيام في ذلك.