Site icon IMLebanon

تجارة تهريب البشر بين 300 و800 دولار: سوريون يتسلّلون من الجبال إلى لبنان

 

 

كتب سامر الحسيني في صحيفة “السفير”:

حاول أحمد، مرات عدة، الانتقال من سوريا إلى لبنان عبر معبر المصنع الحدودي، لكن محاولاته انتهت بالفشل، جراء التشدد في معايير دخول السوريين التي أقرتها الحكومة اللبنانية، الأمر الذي يمنع آلاف السوريين من دخول لبنان عبر المعابر الشرعية، فيتحولون إلى معابر التهريب عند سلسلة جبال لبنان الشرقية.

يقول أحمد إن محاولاته لدخول لبنان عبر المصنع تكررت ست مرات، وفي كل مرة كان يقضي ساعات أمام مركز الأمن العام، ويمضي في بعض الأحيان ليلته إلى جانب الطريق الدولية التي تربط لبنان وسوريا.

يسكن أحمد اليوم في إحدى قرى البقاع الأوسط بعد دخول لبنان عبر أحد المعابر غير الشرعية، في رحلة لم تستغرق أكثر من ساعة ونصف الساعة، إنما بلغت كلفتها ثلاثمئة دولار دفعها لأحد العاملين على خط دخول الأشخاص والعائلات السورية الى لبنان.

دخول العابرين وخروجهم

الى جوار المعبر الشرعي في منطقة المصنع، ترتسم حركة دخول وخروج العابرين السوريين، بعيداً عن أعين الأجهزة الأمنية اللبنانية، إنما المعلومة لديها حتى بالأرقام، بينما لا يجد مئات السوريين الذين لا يستوفون الشروط المطلوبة التي نصت عليها الإجراءات الحكومية ضمن ما يُسمّى «الحد من دخول النازحين السوريين الى لبنان»، سوى الطرق الجبلية والترابية للدخول إلى لبنان، بإشراف مجموعات من الشبان اللبنانيين والسوريين الذين يتقاضون عن كل شخص مبلغاً مالياً يتراوح بين 300 و800 دولار.

يعود سبب الفارق المالي إلى وضعية الشخص الذي يريد الدخول وعمره وهويته. وفي حال كان مطلوباً أو ممنوعاً من الدخول يرتفع بدل عبوره، وفق إفادة أحد العاملين في مجال التهريب لـ «السفير».

يُعدّ خالد من أصحاب الخبرة في مجال التهريب، وفق تعبيره، بعد دخوله منذ 3 سنوات على خط تهريب الاشخاص من سوريا الى لبنان، وعمله سابقاً في تجارة تهريب السودانيين التي كانت ناشطة قبل الأحداث في سوريا. ويقول خالد إن البدل المالي أيام تهريب السودانيين كان متواضعاً، ويتراوح بين 50 و75 دولاراً عن كل شخص. أما اليوم فالواقع مغاير تماماً بسبب التشدّد في الإجراءات الأمنية اللبنانية والسورية، وتدفق السوريين في الاتجاهين، وكثرة طلبات العبور على طرق التهريب، الأمر الذي يرفع من كلفة الدخول.

يقول خالد: «لا تقتصر حركة العــبور على الطرق الجبلية في اتجاه واحد من ســوريا إلى لبنان، إنما هناك أشخاص وعائلات كثر يعودون الى سوريا، ثم يرجعون الى لبنان، عبر الطريق نفسه». في المقابل، لا تنفي أي من الأجهزة الأمنية والعسكرية ما تسمّيه «انتعاش وازدهار» تجارة تهريب السوريين، بل تؤكدها مجمل التقارير الأمنية اللبنانية التي دوّنت في محاضرها اعترافات عدد من الموقوفين، تصاعد نشاط ذلك النوع من التهريب، حتى أن بعض العصابات تحدثت عن عمليات انتقال 100 شخص يومياً في الاتجاهين. وقالت إحدى العصابات إنها أدخلت أكثر من 5 آلاف سوري بطريقة غير شرعية خلال بضعة أشهر.

قافلات وقود قبل العائلات

لا تعد عمليات تهريب الأشخاص عبر طرق السلسلة الشرقية بالأمر الطارئ، فقد قضى العديد من المهربين في عمليات الملاحقة التي كان يقوم بها الجيش اللبناني، وبعضهم قضى جوعاً وبرداً، أو قتلاً برصاص الهجانة السورية. يرفض بعض العاملين في المنطقة الحدودية وصف طرق التهريب بغير الشرعية، كونها ارتسمت ووجدت قبل الطريق الدولية الحالية بوقت طويل، وشكلت حركة العبور الرئيسية بين لبنان وسوريا.

وعبرت تلك الطرق قبل الأحداث السورية، مئات القوافل وصهاريج المازوت والبنزين المحملة من سوريا الى لبنان، حتى تجاوزت كميات الوقود المليون ليتر يومياً، يُضاف إليها آلاف الأطنان من السلع الغذائية ومواد التنظيف وسواها من المواد المنتجة في سوريا.

بعد الأحداث السورية، اختفت قوافل المازوت والوقود، وحلّت مكانها الأشخاص والعائلات السورية الذين وجدوا في تلك الطرق معبراً لكنه لا يخلو من المخاطرة، وفق ما قال أحد المهربين، مشيراً إلى أن غالبية العاملين في التهريب يتوافقون مع أشخاص سوريين أو لبنانيين على إدخال أقاربهم، ومن ثم يتم «قبض الاجرة» من الشخص الذي يقطن في لبنان، سواء كان لبنانياً أو سورياً.

ولا ينفي المهرّب نفسه احتجاز عائلات وأشخاص سوريين لأيام عدة في بعض الغرف التي تنتشر قرب الحدود والطرق، في انتظار وصول الشخص الذي تكفّل بدفع مصاريف الرحلة، وبعد الدفع يتم تحريرهم.

في المقابل، تؤكد مصادر أمنية لبنانية على بذل الجهود في مكافحة تلك التجارة، لاسيما أن التهريب لا يستثني أحداً، فالمهم هو تقاضي المال، وعليه لا يتم التدقيق في هويات الداخلين، وربما يختار إرهابيون الدخول عبر تلك الطرق للهروب من المعابر الشرعية، والتشدّد الأمني في ملاحقتهم.

وتتحدث المصادر عن معوقات كبيرة تقف أمام الحدّ من التهريب حيث تتم الاستفادة من عوامل عدة ترتبط بطبيعة الحدود، وفي مقدمها المساحة العقارية الممتدة بين جديدة يابوس عند الحدود السورية ومنطقة المصنع عند الحدود اللبنانية وتتجاوز السبعة كيلومترات، يضاف إليها الطبيعة الجبلية والجردية، عدا عن التداخل الواضح والمتكرر في الأراضي عند الحدود.

مع ذلك، يؤكد مصدر أمني حصول عمليات توقيف متتالية للعاملين على طرق التهريب، لكن توقيفهم لا يستمر أكثر من شهر. وفي ظل الحافز المالي المغري يعودون إلى المهنة التي تستقطب العديد من الشبان.