عوامل كثيرة تشير الى استمرار سلوك سعر برميل النفط مساره الإنحداري، في ظل غياب أي مؤشر لعودته الى الإنتعاش في المدى القريب، فالعرض مستمر في الإرتفاع والعالم لا يزال يضخ كميات كبيرة من النفط بالرغم من تقلص الطلب بشكل ملحوظ. فدول “أوبك” لم تخفض “فعلياً” إنتاجها النفطي، وهي تلتزم بـ”التريّث” حيال تقليص الإنتاج في سبيل إعادة الإستقرار الى سوق النفط، حرصاً منها على رقعة أسواقها في العالم.
من جهتها الولايات المتحدة الأميركية وإن خفّضت إنتاجها، إلا أن بروزها أخيراً كمنتج أول للنفط الصخري في العالم شكّل تحدياً كبيراً للمنتجين، وكان له أثر مهم في خفض أسعار النفط، والسبب الأساسي يعود الى قيادة الصين لنمو الطلب على النفط طيلة سنوات، لكنها تراجعت هذا العام، جراء تخبطها في أزمة إقتصادية مالية، انعكست تراجعاً في الطلب على النفط.
المعطيات الدولية لم ترسل أي بارقة أمل بانتعاش أسعار النفط، حتى أن التوقعات التي صدرت في اليومين الأخيرين انعكست تذبذباً في أسعار النفط، ومنها توقعات جولدمان ساكس، الذي خفّض توقعاته لسعر برميل الخام الاميركي من 57 دولاراً في التقديرات السابقة للعام 2016، الى 45 دولاراً للبرميل، كما خفض توقعاته لمزيج برنت من 62 دولاراً، إلى 49.5 دولاراً للبرميل في العام المقبل.
ولم تمر توقعات غولدمان ساكس مرور الكرام في أسواق النفط، بل كان لها أثر بارز في أسعار العقود الآجلة للنفط، التي هبطت نحو ثلاثة في المئة، وإن دلّ ذلك على شيء إنما يدل على هشاشة أسواق النفط راهناً وارتفاع مستوى حساسيتها وبالتالي تقلباتها.
وبهذه التوقعات يكون غولدمان ساكس قد انضم إلى لائحة طويلة من البنوك التي خفضت توقعاتها لمتوسط أسعار الخام الأميركي في العام 2016 إلى نحو 45 دولاراً للبرميل، ومنهم من ذهب بتوقعاته الى عودة النفط الى حدود الـ20 دولاراً للبرميل (بينهم غولدمان ساكس)، في حال”تعنّت” الدول المنتجة للنفط وعدم خفض إنتاجها.
وفي مقابل النظرة التشاؤمية للكثير من المؤسسات الدولية، عدّلت وكالة الطاقة الدولية توقعاتها للطلب على نفط “أوبك” في واحد من أكثر التقارير تفاؤلاً منذ أن فاجأت الأخيرة الأسواق العام الماضي بقرارها عدم خفض الإنتاج، وآثرت حماية حصتها في السوق في مواجهة المنتجين المنافسين ذوي التكلفة العالية، مثل الولايات المتحدة الأميركية.
وتوقعت الوكالة “أن يتّجه الطلب العالمي على النفط الى الصعود بأعلى وتيرة له في خمس سنوات هذا العام، بفضل انخفاض الأسعار”.
تقرير وكالة الطاقة أثار استغراب الأسواق، إلا أن تبرير توقعاتها يظهر في تقريرها الذي ترى فيه “أن انخفاض أسعار النفط سيجبر المنتجين من خارج منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) ومن بينهم الولايات المتحدة الأميركية على خفض إنتاجهم العام المقبل، بأعلى وتيرة في أكثر من عقدين، بما يعيد التوازن لسوق النفط المتخمة بالمعروض.
نظرة الوكالة، وإن كانت لم تلق ترحيباً كافياً من المنتجين من خارج “أوبك”، إلا أنها في حال أصابت، فسعر النفط سيعود تدريجياً الى الإرتفاع مع عدم إضطرار دول “أوبك” الى خفض إنتاجها. أما في حال لم تُصب توقعات الوكالة (وهو ما ترجحه التقارير الدولية) فإن سعر النفط يتّجه الى “الإنتحار”. وقالت الوكالة في تقريرها الشهري ان “أبرز أحداث هذا الشهر هو انخفاض إمدادات المعروض، والأضواء مسلطة بقوة على المنتجين غير الأعضاء في أوبك”.