Site icon IMLebanon

خفايا وأسرار الهيمنة على “الوظيفة العامة”.. كيف يُهمّش المسيحيون؟! (رولان خاطر)

 

 

خفايا وأسرار الهيمنة على “الوظيفة العامة”.. كيف يُهمّش المسيحيون؟! (الجزء الأول)

الأب خضره : من الضروري تشجيع الشباب من كل الطوائف على الإنخراط في الدولة حتى لو على حساب القانون

 

تقرير رولان خاطر

 

عاش المسيحيون إحباطاً بشأن فكرة الانخراط في الدولة منذ ما بعد الطائف. بدأ الإحباط معهم بعد حرب “الالغاء” 1990، والتي نتج عنها أولاً، تكليف النظام السوري تنفيذ اتفاق الطائف بعد حرب الخليج الثانية، وثانياً، تسليم سلاح المسيحيين وحدهم للدولة.

واستمر الإحباط مع تحوّل الدولة اللبنانية بفعل الاحتلال السوري إلى أداة، تنكّل، وتقمع، وتضطهد، وتطبخ المؤامرات، وتزوّر الحقائق، وتركّب الملفات للقوى المسيحية وحدها التي مانعت الانتقائية في تطبيق اتفاق الطائف.

بعد ثورة الأرز، استعاد المسيحيون شيئاً من الأمل بدولة تحتضنهم وتعاملهم أسوة بباقي المواطنين، عبّروا عنه مع الشريك المسلم ضمن حركة 14 آذار تحت شعار “العبور إلى الدولة”.

هذا العبور، الذي يفترض أن ينجح بفعل تضامن كل المكونات اللبنانية، تعرّض ويتعرض للاهتزاز لعوامل عدة، منها سياسية وأمنية واقتصادية، ومنها على مستوى الإدارة العامة، بفعل التعصّب الفكري والديني الذي يتحكم ببعض من الشريك الآخر في الوطن، وبفعل هيمنة السلاح التي يستقوي بها الجزء الآخر من الشريك الآخر في الوطن.

وانطلاقاً من هنا، يتعرّض المسيحيون لعملية تهميش واسعة ومدروسة في الوظائف العامة للدولة. ما هي أسرارها، وكيف يتم الالتفاف على الوظيفة العامة، وكيف يتم مصادرة القانون لمخالفته؟.

بعد دراسة المسار الذي تسلكه الوظيفة العامة، يمكن تقسيمها إلى أربع مراحل:

المرحلة الأولى: الاعلان عن الوظيفة

صدرت في العام 2013 دراسة عن مجلس الخدمة المدنية تقول إن الادارات الرسمية والوزارات تعاني شغورا يبلغ نسبته 69.5%. هذا الأمر، حرّك دينامية الوزارات لتعبئة شغورها.

وبناء عليه، يقوم كل وزير بتحديد الشواغر في وزارته، فيطلب من رؤساء المصالح والمديرين العامين القيّمين على وزارته إفادته بالشواغر المطلوبة للوزارة. فيقوم هؤلاء بتقديم تقريرهم بشأن احتياجات الوزارة إلى الوزير المختص، الذي يقوم بدوره برفع التقرير إلى مجلس الوزراء لأخذ الإذن بالوظيفة. وبمجرد منح مجلس الوزراء موافقته، يرسل الوزير المختص الموافقة إلى مجلس الخدمة المدنية الذي يبدأ بتحضير مرسوم للإعلان عن الوظيفة الشاغرة.

إشارة إلى أن هذا العمل يحتاج إلى ما بين ثمانية أشهر حتى سنة تقريباً، أي منذ بدء تحديد الشواغر إلى حين الاعلان عن الوظائف.

هذا الأمر يتيح للوزير المختص، أو حتى لرؤساء المصالح والمديرين العامين إبلاغ طائفتهم عن وجود نية لإعلان عن وظائف شاغرة في الوزارة، فتعمل المراجع الحزبية او الروحية في هذه الطائفة على استدعاء الشباب، فتختار من بينهم عدداً معيناً، وتُسجل أسماء المرشحين، ويبدأ العمل على تدريبهم على الأسئلة والمواد وطريقة سير الامتحانات، وذلك كله قبل الإعلان عن الوظيفة. فيما هذا الامتياز لا يُعطى للطوائف المسيحية لأسباب غير معروفة.

هذا يعني ان خطوة استبعاد المسيحيين تبدأ من ما قبل الاعلان عن الوظيفة الشاغرة، لترتيب المرشحين المسلمين وتجهيزهم إلى المباريات.

وهنا، المسؤولية الكبرى تقع على عاتق الوزراء المسيحيين أولاً، الذين يعلمون مسبقاً بأن هناك مباريات ستجري في هذه الوزارة وتلك، من دون ان يفيدوا أو يبلغوا المراجع المسيحية المختصة بها الأمر، إضافة إلى رؤساء المصالح والمديرين العامين الموجودين في الوزارات الذين يمتنعون أيضاً عن الابلاغ عن وجود نية لدى هذه الوزارة أو تلك بإجراء مباريات لملء الشواغر فيها.

المرحلة الثانية: المتقدمون

عند الاعلان عن الوظيفة العامة، يتقدم المرشحون من المسيحيين والمسلمين بترشيحاتهم في المحافظات والمراكز المحددة المختصة.

ومن هذا الباب، يمكن الاضاءة على دور “لابورا”، التي تُعنى بمتابعة وتدريب المرشحين المسيحيين إلى وظائف الدولة.لا تعلم “لابورا” مسبقاً بأسماء من ترشحوا إلى الوظيفة العامة إلا أسماء من تقدموا عبرها، ولدى تقدم هؤلاء إلى مجلس الخدمة المدنية، وقبولهم، تبدأ مؤسسة “لابورا” بإعدادهم، وإخضاعهم لدورات تدريبية، كي يكونوا جاهزين في الامتحانات الذي سيخضعون لها.

إلا ان المشكلة تكمن في أن “لابورا” لا تستطيع ان تحصل على أسماء كل المرشحين المسيحيين إلى الوظائف الشاغرة، الذين ترشحوا في كل المحافظات بطريقة فردية وليس عن طريق “لابورا”.

فإذا تقدم إلى الوظيفة 1000 مرشح مسيحي، وهناك 250 منهم فقط ترشحوا عبر “لابورا”، تستطيع “لابورا” تجهيز وتدريب الـ250 شخصا فقط من دون القدرة على تدريب وتجهيز بقية المرشحين المسيحيين، لعدم توفر كل الأسماء لديها، والذين لا يسمح “مجلس الخدمة المدنية” برئيسه أنطوان جبران بحصول “لابورا” عليهم كما قرأت في العديد من وسائل الإعلام اللبنانية، علماً ان الطوائف الأخرى، تحصل مسبقاً، على أسماء مرشحيها، فتجهزهم وتعدّهم جيداً من أجل المنافسة وخوض المباريات، ما يعطيها القدرة على تحقيق نسب نجاح عالية في الوظيفة العامة.

وفي هذا الإطار، علم موقع IMLebanon، بأن بعض المرجعيات الحزبية والطائفية، وفي طليعتهم “حركة أمل”، لديها من هم محسوبون عليها في “مجلس الخدمة المدنية” يؤمّنون لها السجلات بأسماء المرشحين إلى الوظائف العامة، وخصوصاً من ينتمون إلى الطائفة الشيعية، فتقوم بمتابعتهم، وتحضيرهم، وتدريبهم، في حين أن هذا الأمر ممنوع على المسيحيين. مع العلم أن “حزب الله” فوّض الرئيس نبيه بري بملف التوظيف في الدولة.

وفي هذا السياق، لا يعارض رئيس مؤسسة “لابورا” الأب طوني خضره تعميم اسماء المرشحين إلى الوظائف الشاغرة في الوظيفة العامة على كل الطوائف، ولا يبقى الأمر محصوراً بطائفة معينة صوناً للحقوق وتشجيعاً للكفاءة.

وشدد على أن هذا الموضوع إذا تحقق، يحقق تفادياً للاحباط المسيحي، الذي بات لا يؤمن بمؤسسات الدولة، ويرى أن الطريق للولوج إلى مؤسساتها هو عبر “الواسطة”، أو الوقوف على أبواب الزعماء، وليس على أساس الكفاءة والعلم، وبات مجلس الخدمة المدنية موضع شك من قبل الشباب المسيحي، علما ان امتحانات “مجلس الخدمة” شفافة تماماً كما يؤكد الأب خضره لموقع IMLebanon.

ويرى أنّ مسألة التعميم على كل الطوائف تساهم بوصول نوعية جيدة من الموظفين لبناء دولة سليمة،خالية من الفساد ومن المحاصصة في الوظيفة العامة، وسأل: “لا أعرف ما الذي يضر “مجلس الخدمة المدنية” إن قام المسيحيون بتدريب مرشحيهم إلى الدولة”؟. “هذا أمر مرفوض للمسيحيين”.

نكتفي في هذا التقرير بإيراد المرحلتين الأولى والثانية، على ان يتم في التقرير المقبل إيراد المرحلتين الأخريين، لنبدأ بعدها بفتح ملفات الوظيفة العامة في كل مرفق ووزارة من وزارات الدولة.

(يتبع جزء ثان)