كتبت ألين فرح في صحيفة “النهار”:
لم يشارك النائب العماد ميشال عون في جلسة الحوار الثانية أمس، فمثّله رئيس “التيار الوطني الحر” الوزير جبران باسيل. هذا التوجه كانت نقلته “النهار” اول من أمس عن مصادر في “التيار”. وثمة ترجيح ان تكون الجلسة الأخيرة التي يشارك فيها “التيار” عموماً في الحوار، خصوصاً اذا لم يكن له جدوى في التوصل الى حلول للمشكلات القائمة وتصحيح الخلل في المؤسسات. فما هي الرسائل السياسية التي أراد العماد عون توجيهها عبر عدم مشاركته شخصياً؟
في الأساس كانت مشاركة العماد عون في جلسة الحوار لعدم إضاعة فرصة الحوار والتلاقي وبادرة حسن نية، حتى لو لم يكن عون مقتنعا بإمكان التوصل الى حلول للازمة السياسية التي يتخبط فيها البلاد. وهو أراد بغيابه توجيه رسائل في اتجاهات متعددة، أولها الى الرئيس نبيه بري انه غير مستعدّ أن يكمل في حوار مسدود الأفق بالنسبة الى الخيارات الأساسية المطلوبة التي طرحها في الجلسة الأولى، أي العودة الى الشعب. كما ان عون غير مقتنع بحوار لإمرار الوقت، في حين ان على السلطة السياسية السعي الى تصحيح الخلل القائم. وعلمت “النهار” ان بري امتعض لدى تبلغه بعدم مشاركة عون شخصياً في الحوار، وتلت ذلك وساطات واتصالات بعون الذي قرر في اللحظات الاخيرة ان يمثله باسيل. وأكدت مصادر قريبة من العماد عون لـ”النهار” عدم المشاركة في أي جلسة مقبلة “اذا لم يحصل تقدّم في الحوار في الخيارات التي نريدها، أي تكوين السلطة من خلال العودة الى الشعب، خصوصاً ان ما استنتجناه ان الحلول هي مجرد دوران في حلقة مفرغة سقفها الأعلى تسويات على حساب مطالب الشعب وخياراته وعلى حساب الديموقراطية في إعادة تكوين السلطة”.
اما الرسالة الثانية فأراد عون توجيهها الى الحلفاء، وتقضي بالإقرار بالتعاون ولكن من دون تخطّي خياراته وصدقيته، “ونستطيع تدوير الزوايا ولكن ليس على حساب وجودنا واقتناعاتنا الجوهرية والأساسية بالنسبة الى النظام ورؤيتنا الى المستقبل السياسي”. فهو أبدى حسن نية في البدء وشارك في الجلسة الاولى، وأوفد باسيل في الثانية، “لكن اذا لم يتمّ تلقف رسالته ويرفعوا سقفهم في النقاش ولم يذهبوا في اتجاه البحث عن صيغة تؤمّن هذا المنطق، فلن يحصل حوار. ونحن أساساً نراه عملية استدراج لتنفيس حالتنا الشعبية والسياسية وحالة الحراك المدني. وعلماً بان السهام التي تصيبنا من الحراك المدني ليست عادلة، اذ اننا نناضل لإعادة تكوين السلطة ومكافحة الفساد ورفضنا التمديد منذ سنين ولم يرد أحد علينا”. مع التأكيد على ان “جوهر الحراك مفيد ويجب اعطاؤه مجاله لكن الهدف الاساس الذي يجب ان يصل اليه هو تكوين السلطة، اذ ان الإصلاح الجزئي غير مفيد ويخرب سريعاً”. يعني ذلك ان “التيار الوطني الحر”، وعلى رأسه العماد عون لن يقبل ان يكون شريكاً في تسوية، وخصوصاً أنه وتياره رفضا من الأساس التمديدين لمجلس النواب ورفضا تكريس الامر الواقع ومحاولات فرضه في المؤسسات، وخصوصاً على مستوى آلية عمل الحكومة. رفض عون المشاركة في جلسة حوار لأنه يعتبر ان اي عملية انتخاب سلطة من دون العودة الى الشعب عبر انتخابات نيابية وفق قانون النسبية او انتخابات رئاسية من الشعب، تعتبر تمديداً مقنّعاً للوضع السياسي الحالي والتفافاً على مطالب الشعب، وهذا ما لمسه من الجلسة الأولى لدى رفض الاقتراح الذي قدّمه.
والرسالة الثالثة موجّهة الى الخصوم لئلا يتّكلوا على ضغوط داخلية وخارجية كي يرضخ عون لتسويات تمديد الأمر الواقع الذي يُحاولون فرضها عليه. فالمسألة ليست شكلية وقد اعطى عون في الشكل رسالة ايجابية عبر المشاركة في الحوار، اما في المضمون فلن يقبل بأي حلّ يكون ضد إرادة الشعب، ولن يقبل الا بتثبيت الشركة الحقيقية والصيغة والدستور. ويفترض أن يكون الوزير باسيل قد عبّر عن هذا الموقف في جلسة الحوار أمس.

