تختفي النفايات تدريجاً من شوارع بلدات وقرى كثيرة في أقضية جبل لبنان، ليس لنشاط جمعيات “الحراك المدني” المنهمكة بالتظاهر والاعتصامات، ولا شركة “سوكلين” بل لتفاعل المواطنين إيجاباً مع مشروع لفرز النفايات من المصدر بدأته بلديات مسؤولة وتحترم نفسها ومواطنيها على حد سواء، في بلدات كبيرة مثل بكفيا وبيصور ورومية والزلقا وقرنة شهوان وغيرها، إذ بادرت بالتعاون والتواصل مع سكان نطاقها البلدي الى البدء بعملية جمع النفايات المفروزة بعد عملية توعية، او حملة اعلامية متواضعة قامت على توزيع منشورات وتعليق لافتات والافادة من حس المسؤولية العامة لدى مواطنين، يثبتون مرة اخرى استحقاقهم وحبهم لبلدهم وللحياة، وارادتهم الحقيقية في تجاوز كل ما يحكى عن حلول معلبة للنفايات، مثل الطمر والحرق والعوادم وغيرها، في أتجاه حل عصري وبيئي يقوم على اعادة التدوير وفرز النفايات أسوة بمجتمعات العالم الحديثة.
اخر النماذج الناجحة، ما بادرت اليه بلدية قرنة شهوان التي تضم بلدات عين عار وبيت الككو والحبوس وضمناً البياضة والربوة. حيث وضعت البلدية أشرطة صفراء وأغطية على مكبات النفايات التقليدية، وحددت أياماً معينة خلال الاسبوع لرفع الكرتون والزجاج والبلاستيك والتنك والورق والبطاريات من أمام المباني، والتي يفترض ان يتولى السكان فرزها داخل منازلهم، أو كما يقال “من المصدر” ووضعها في أكياس بيضاء وزرقاء او علب كرتون فارغة ودائماً حسب الحاجة. وتم تخصيص ايام اخرى لرفع مواد يمكن تدويرها من أمام المؤسسات والصيدليات والمطاعم والمدارس وغيرها، على ان ترفع النفايات العضوية بواسطة شركة “سوكلين” خلال ايام معينة.
ويشرح رئيس بلدية قرنة شهوان جان بيار جبارة ان عمال البلدية رفعوا حوالى سبعة أطنان من المواد التي يمكن اعادة تدويرها، مثل الكرتون البلاستيك والزجاج خلال جولة أولى من جمع النفايات المدورة، والمشكلة تتمثل في نفايات عضوية تحتاج الى “مكبس” لجمعها تمهيداً لنقلها الى مؤسسة او شركة قادرة على التعامل مع مسالة “التسبيخ” بفاعلية. وهذه عملية تحتاج بحسب جبارة الى معدات لكبس النفايات والتعامل معها في موازاة الفرز اليدوي الذي يقوم به عمال البلدية حالياً، حيث تصل نسبة المواد التي يمكن اعادة تدويرها الى 75 في المئة، والبقية من مواد عضوية يمكن اعادة فرزها مرة اخرى لإزالة 20 في المئة منها.
يبتسم جبارة ويقول “نحن جُدد في المصلحة” (فرز النفايات ومعالجتها)” ويشدد على ان البلدية لا ترمي النفايات في الوديان ومجاري الانهر، وبعد سنة ستستطيع السيطرة على ملف النفايات بشكل كامل والتحكم فيه في شكل يمنع أي ضرر للبيئة، بهذه الطريقة تكون مسألة النفايات حلت في البلدات التابعة لبلدية قرنة شهوان. والمشكلة الاكبر حالياً تتمثل في “أن لا شيء واضح والبلدية تدفع للفرز والجمع وفاتورة سوكلين ماشية”، والفاتورة لقرنة شهوان تعني مليوناً ومئتي ألف دولار سنوياً كان يتم اقتطاعها من دورة الانماء ومشاريع كان يفترض القيام بها، مثلها مثل بلدات وقرى كانت “سوكلين” تنظف نفاياتها ومعها الأمل في التنمية المستدامة.

