Site icon IMLebanon

الإجهاض في لبنان يتحدّى القانون

pregnant

 

كتبت سابين الحاج في صحيفة “الجمهورية”:

مرّ اليوم العالمي للإجهاض في الثامن والعشرين من أيلول الماضي على عالم ما زال ينقسم بأسره حول مسألة تشريع قتل الأم لجنينها أو تحريمه. وفي حين يمنع القانون اللبناني الإجهاض، إلّا أنّ منتهكات القانون من النساء الحوامل الراغبات في إجهاض “عارٍ” أو “عبء” كثيرات في مجتمعنا، وهنّ يلاقين من يلبّي رغباتهنّ من بين الأطباء. ولكن كيف يمكن لأمّ أن تقتل طفلها؟

في القانون

لم تتردّد دول غربية عديدة يحكمها نظام علماني ملحد، في اعتبار الإجهاض حقاً مشروعاً من حقوق المرأة مانحةً إيّاها حرية المحافظة على حياة بدأت تتكوّن في داخلها أو التخلّص منها. أمّا القانون اللبناني فيحظّر الإجهاض ولا يسمح حتّى بالإجهاض العلاجي إلّا وفقاً لشروط محدَّدة.

يعاقب القانون المرأة بالحبس من 6 أشهر إلى 3 سنوات، إذا ما أنهَت حملها قبل الولادة برضاها، بوسائل تستخدمها هي، أو يستخدمها غيرها مساعداً إيّاها على بلوغ غايتها. في حين لا يُعتَبَر الإجهاض جرماً إذا ما سقط الجنين وحده لأسباب خارجة عن إرادة المرأة.

إلى ذلك، تنصّ المادة 542 من قانون العقوبات على السجن من سنة الى 3 سنوات لكلّ من يُقدم بأيّ وسيلة على تطريح امرأة أو محاولة تطريحها برضاها. أمّا إذا أدّى الإجهاض الى موت المرأة فيُعاقب مجهضها بالأشغال الشاقة من 4 سنوات إلى 7.

أجهضت جنيني!

صحيح أنّ صرامة القانون كبحت عمليات إجهاض كثيرة في لبنان، ودفعت معظم أطباء الأمراض النسائية إلى رفض إجرائها. ولكن غياب الرقابة المشدَّدة والتهاون في تطبيق القوانين سهّل عمل المتمرّدين من الأطبّاء والممرّضين، قاتلاً الأجنة ومعرّضاً حياة الأم لمخاطر شتّى. فوسط سكوت مطبق تستقبل دكاكين الطبّ النسائي في لبنان من تُقرِّرن إفراغ بطونهنّ من حِمْلٍ أثقلَ حياتهنّ.

تروي “زينة” لـ”الجمهورية” قصتها بأسى، وهي لبنانية عزباء تبلغ 26 عاماً امتهنَت مجال الأعمال. فأكّدت أنها “اتّخذَت قرار الإجهاض عندما لم يتبقّ أمامها حلّ آخر”.

وتروي: “دخلْتُ العيادة في ذلك اليوم المشؤوم منذ عامين وكنت خائفة جداً، أستمع إلى ضربات قلبي وأنظر بحذر إلى السرير الذي سأستلقي عليه بعد قليل لأنهي كلّ شيء. التردد كان ينتابني، فحتّى قبل لحظات من بدء العملية كنت ما زلت أفكّر بالتراجع والخروج من هذه العيادة، ولكن ليس من حلّ آخر… هذا الطفل لا يمكنه أن يبصر النور”.

وتضيف: “تمّ تخديري بطريقة موضعية باستخدام الحقن، فبقيت واعية أشاهد تفاصيل تلك اللحظات وأشعر بها. تأثير هذا المخدّر لم يُجَنّبني سوى القليل من الألم الجسدي، فيما يسيطر الإحساس بأنّ روحي تنفصل عنّي، وبأنّ في أحشائي كائن حيّ أقوم بقتله، وبأنه يتمّ انتزاع قطعة مني”.

الإجهاض يقتل الجنين ويهدّد المرأة

يسهل وصول النساء إلى العيادات الخارجة عن القانون في لبنان. فعناوينها متداولة بين اللواتي يهدفن إلى زيارتها، وأسعارها مقبولة جدّاً، خصوصاً لكونها تمارس نشاطاً غير قانوني. وتتراوح أسعار عمليات الإجهاض بين 400 و600 دولار أميركي. لكنّ خدماتها في معظم الأحيان رديئة وتعرِّض المرأة لمضاعفات خطيرة.

وتكشف “زينة” بألم أنّ مأساتها الجسدية لم تنته بعدَ العملية. وتوضح أنّ الطبيب في العيادة طمأنها بعد إسقاط جنينها، مؤكّداً لها أنّ النزيف الذي تتعرّض له سيتوقف في اليوم التالي. ولكنّ ذلك لم يحصل، إذ استمرّ النزيف بكميّات كبيرة لمدة 3 أيام، فوقعَت أرضاً في منزلها فاقدةً الوعي، ما اضطرّ نقلها إلى المستشفى.

وأظهر الكشف الطبّي على حالة “زينة” أنّ مُجهِضها لم يقم بسحب جميع البقايا الجنينية من أحشائها، فأُدخلت غرفة العمليات على وجه السرعة لاستئصال ما تبقّى، لأنّ ذلك كان سيعرّضها للتسمّم مهدّداً حياتها بشكل كبير خلال بضعة أيام.

وتنقل زينة “أنّ الإجهاض يسبّب تعباً وضعفاً وآلاماً في الظهر والرجلين، لافتةً إلى أنّ الطبيب قد أوصاها بعد العملية بتناول الأدوية التي تحتوي مركّبات الحديد لثلاثة أشهر تقريباً”.

أسباب عديدة والنتيجة جرم

لم تقف مضاعفات الإجهاض ومخاطر إجرائه بطريقة غير شرعية في عيادة غير مستوفية للشروط حاجزاً تتراجع أمامه المرأة عن قرارها بإنهاء حمل في حالات عديدة. والمؤكَّد أنّ الإقبال على الإجهاض تقابله مشاكل إجتماعية ونفسية، ولكلّ سيّدة أسبابها ودوافعها.

وإذا كانت زينة قد اتّخذت هذا القرار لتجنِّب نفسها وأهلها ألسنة الناس التي ما كانت سترحمها في حال ظهور حملها إلى العلن، في مجتمع ما زال يرجم الأم العزباء بوابل من التمييز، إلّا أنّ سبل الإجهاض تبحث عنها أيضاً المتزوّجات اللواتي قرّرن مع شريكهنّ التخلّص من طفل منتَظَر لعدم إمكانية تحمّل أعباء مادية ستفرضها ولادته على العائلة.

ويبقى اكتشاف حمل في علاقة زوجية مشوّشة وعلى حافة الانهيار سبباً جوهرياً يدفع نساء كثراً إلى الإجهاض، حتّى لا يبصر طفلهنّ النور في عائلة مفكَّكة. أضف إلى ذلك حالة الزوجة التي حملت من غير زوجها.

وتلجأ النساء إلى تناول الحبوب لتحقيق الإجهاض في الأسابيع الأولى للحمل، في حين يتطلّب عمليةً يجريها طبيب في حال تخطّي الحمل شهره الثاني.

وفي الختام، نؤكّد أنّ الجنين هو مشروع حياة وروح كائن حَي تتكوّن في أحشاء المرأة، في انتظار أن تكبر 9 أشهر لتبصر النور. فكيف لدول تتغنّى بدفاعها عن حقوق الإنسان، مدافعةً عن حقوق الحيوان أيضاً إلى حدّ تجريم من يقتل هرّة، أن تُشرّع في المقابل لأمّ أن تقتل إنساناً صغيراً بريئاً لم يولد بعد، معتبرةً أنّ ذلك يصبّ في خانة الحفاظ على حقوقها.

وكيف لامرأة تحلم بالأمومة منذ الصغر أن تقوم بعمل جرمي تجاه فلذة كبدها ما كانت ستقوم به ربما بحقّ حيوان؟ فهل شعور الأمومة يولد عندما يصبح الطفل جسداً تحمله بين يديها؟ أم أنّ إقدامها على الإجهاض سيُشعرها بالندم وبالذنب لفترة طويلة مُتخايلةً الطفل الذي قتلته ينمو بقربها؟