ميليسا لوكية
لم يقف التراجع الذي يضرب لبنان عند حدود قطاع أو مؤسسة أو إدارة، بل تعدّاها ليصل إلى أبعد من ذلك بكثير. فقد أظهر تقرير التنافسية العالمية لسنة 2015، والصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، أنَّ لبنان حلّ في المركز الـ101 بين 140 دولة، لينحدر بذلك ما كان يُسمّى “سويسرا الشرق” إلى القاع.
تسبّب التردّي المتغلغل في مختلف القطاعات والفساد المستشري في أوصال الدولة إلى حصول لبنان، وفق التقرير، على علامة 3,84 من أصل 7 نقاط، فجاء وراء النيبال، فيما تقدّم جمهورية قيرغيزستان.
ويشرح الخبير الاقتصادي غازي وزني لـ”النهار” أنَّ التقرير يستند في تصنيفه إلى عوامل تقويم عدّة، منها الأوضاع السياسية والأمنية، تطور الوضع الاقتصادي، المالية العامة والموازنة الغائبة، تكلفة الإنتاج، الشفافية والفساد والهدر، الإصلاحات المُتخذة لتحسين أوضاع البلد المعني، إلى جانب الأخطار التي تحوطه. وبما أنَّ الأحوال السياسية والأمنية تنّم عن حال من عدم اليقين، وفق تعبيره، وسط العجز المستمر عن انتخاب رئيس للجهمورية، وبما أنَّ كلّ التوقعات المتعلّقة بأوضاع المالية العامة والموازنة العامة والقطاعات الانتاجية سلبية، إلى جانب ارتفاع الدين العام وتكاليف الانتاج وغياب الشفافية وتردّي الفساد، يستبعد وزني أن يرتفع لبنان في المراتب السنة المقبلة، خصوصاً أنَّه بلد فيه أخطار عدّة، تغذيها الأزمات السياسية الإقليمية.
من جهته، اعتبر رئيس مجموعة “بادر” النائب روبير فاضل لـ”النهار” أنَّ التقرير هو بمثابة “جرس إنذار في وقت تدهورت فيه ثقة الرأي العام بالسياسيين ونوعية الخدمات العامة إلى حد غير مسبوق”، معتبراً أنَّ الفساد وسوء إدارة المرافق العامة يجعلان لبنان يتراجع أكثر من أي وقت مضى. وقد احتلَّ لبنان المركز 127 من بين 140 بلداً في ما يتعلق بالثقة بالسياسيين، والمرتبة عينها في ما يرتبط بالدفع غير المنتظم ومؤشر الرشى. أما في مجال نوعية البنية التحتية، فيحل في المركز 138. وهنا، يرى فاضل أنَّ “ما يدعو إلى القلق الشديد ويدق جرس الإنذار، هو تصنيف لبنان في المركز 139 في ما يتعلق بالتبذير في الانفاق الحكومي”. أما بالنسبة إلى مؤشر “معززات الكفاية”، فحل لبنان في المرتبة الـ71، وحصل على المرتبة الـ58 في مجال التعليم العالي والتدريب، والمرتبة الـ56 في مجال كفاية أسواق السلع.
على رغم أنَّ لبنان يتقدَّم ماليزيا في مؤشر الصحة والتعليم الابتدائي، فهو متأخر بشكل كبير من ناحية المؤسسات، البنى التحتية والجو الاقتصادي العام، وهي من الرافعات المطلوبة في المراحل الأساسية لبناء الاقتصاد والدولة، إضافة إلى القدرات الابتكارية، وهي غالباً ما تأتي في المراحل المتقدمة.
ويؤكّد الخبير الدولي في الاقتصاد والاتصالات غسان حاصباني لـ”النهار”، أنَّه على صعيد المؤسسات ومن ناحية أداء القطاع العام، احتل لبنان المرتبة 130 بينما احتلت ماليزيا المرتبة 11. كذلك تقدمت الأخيرة في قطاع الاتصالات المتنقلة على غالبية دول أوروبا الغربية، ما عدا فنلندا وإيطاليا والنمسا، محتلة المرتبة 24، بينما احتل لبنان المرتبة 109، متقّدماً بعض الشيء عن المرتبة 114 في العام الفائت.
ويعتبر حاصباني أنَّ ما يجعل ماليزيا قادرة على تحقيق هذا المستوى من التنافسية ويؤخر لبنان عن القيام بذلك، هو أنَّ ماليزيا استطاعت توفير استقرارها في السبعينات بعدما استقرت على نظامين اقتصادي وسياسي واضحين. ويتابع أنَّ العبر المستقاة من النموذج الاقتصادي الماليزي هي أنَّ الدولة الماليزية استطاعت توفير استقرار سياسي وضوابط إدارية فعالة لحَوكمة المؤسسات العامة والخاصة لإدارة اقتصادها بطريقة فعالة. وعلى رغم أنَّها تعيش في ظل تعددية المذاهب والأعراق، ولا تخلو من الاختلافات السياسية، ساهم تحييد الاقتصاد والنمو عنها في جعل ماليزيا أكثر تنافسية من لبنان على رغم تشابه البلدين من نواح كثيرة.

