Site icon IMLebanon

الشركات بين سمعة الجشع والفساد ودورها الاجتماعي والبيئي

company-responsibility

سلوى بعلبكي

في ظل الازمات المعيشية والحياتية التي يعانيها لبنان من جراء أزمة النفايات الى سلامة الغذاء وارتفاع الاسعار وغياب حماية المستهلك، ثمة سؤال متكرر عن مسؤولية القطاع الخاص في كل ما يجري، وعن مسؤولية الشركات حيال بيئتها ومجتمعها المستهلك لمنتجاتها ومحاربة الفساد.

لدى معظم المستهلكين اقتناع بأن الشركات تعمل بطريقة جشعة من دون ان تراعي الآثار البيئية والاجتماعية لأعمالها، وبأن قسما منها متورط عمدا أو بطريقة ما في الفساد المستشري في البلاد لتتمكن من تسيير اعمالها. وفيما جزء من هذا الاقتناع صحيح، فانها في جزء آخر تظلم الشركات عموما لأنها تعمل في ظروف صعبة في لبنان، ولأن مسؤوليتها كبيرة تجاه مجتمعها خصوصا حيال ديمومة العمل. فالشركات والمصارف والمصانع والفنادق والمتاجر الكبرى وغيرها، تشغل مئات الالاف من الايدي العاملة للعمال والموظفين وتعيل آلاف العائلات وتساهم في نمو الاقتصاد وصمود البلد. وهي رغم الشروط الصعبة للانتاج والاعمال والكلفة التشغيلية المرتفعة، إلا أنها تعاني سمعة سيئة لدى المجتمع عموما، لأنها بمعظمها لا تراعي المعايير والشروط البيئية والاجتماعية المطلوبة في عملياتها التجارية والانتاجية والخدماتية من المصدر الى المستهلك، وتتجاهل رأي المواطن المستهلك، وتحصر دوره في شراء منتجاتها من دون الاخذ في الاعتبار السؤال عن حاجاته ومتطلباته.
هذا الواقع تظهره استطلاعات آراء المستهلكين العالمية والمحلية والابحاث التي كان آخرها دراسة أجرتها شركة “سي.أس.آر. ليبانون”، تبين أنَّ 90% من الأداء الاداري للشركات في حقل المسؤولية الاجتماعية والبيئية ينضوي تحت عنوان “العلاقات العامة والتسويق” فقط، وأن 65% من كبرى المصارف والشركات في لبنان لديها مبادرات إجتماعية وبيئية في المناسبات والاعياد أو لمرة واحدة على المدى القصير، و2% فقط من المصارف والشركات تلتزم المفهوم الصحيح لمسؤولية الشركات حيال الإعلان عن استراتيجية واضحة وأهداف محددة.
وفي الوقت الذي يظهر الاستطلاع أن 61% من المستهلكين اللبنانيين قد يرغبون أكثر بشراء منتجات لدى صانعيها برامج حقيقية للمسؤولية الاجتماعية والبيئية، يعتبر الرئيس التنفيذي لشركة “سي.أس.آر. ليبانون” خالد القصار أن المستهلك أصبح أكثر وعيا لمفهوم “مسؤولية الشركات” ويدرك الفارق ما بين النشاط الذي تبتغي منه الشركة ظهورا اعلاميا واعلانيا فقط، وبين المشروع (الانساني والاجتماعي والبيئي) الذي تبتغي من خلاله الشركة أن تحدث فرقا حقيقيا وقيمة مضافة في مجتمعها وأعمالها وتعاملها مع المستهلك. ويشير الى ان هذا الامر لا يتحقق الا من خلال قرارت واضحة لمجالس الادارة ومتابعة مباشرة لرؤساء الشركات ومدرائها العامين مباشرة عبر اعداد استراتيجيات طويلة الأجل وتخصيص الموارد والوقت الكافيين لذلك، نظرا الى ارتباط هذا الامر بنمو الشركات وعلاقتها مع مستهلكي منتجاتها وخدماتها. ويستند القصار الى دراسة لشركة “نيلسون” ليؤكد اهتمام المستهلكين بالمسؤولية الاجتماعية للشركات، فيشير الى أنَّ 55% من المستهلكين في العالم مستعدون لدفع ثمن أعلى لمنتج أو خدمة إذا علموا أنها من شركات ملتزمة اجتماعياً وبيئياً وأحدثت فرقاً، و52% من المستهلكين يحبذون الشراء من شركات ملتزمة إعادة التدوير في تعبئة وتغليف منتجاتها.وتشير دراسة أخرى لـ KPMG أن 71% من أصل أكبر 4100 شركة في العالم تصدر تقارير سنوية عن نشاطاتها في حقل “مسؤولية الشركات” واشارت 53% منها الى ان “مخاطر السمعة الاجتماعية والبيئية هي أكبر من مخاطر الاعمال”. هذه الارقام تثبت وفق ما يقول القصار الى أن القيمة الفعلية لأي علامة تجارية مرتبطة ارتباطا وثيقا بأدائها في الاسواق، وتاليا بمدى انخراطها في مشاريع اجتماعية وبيئية حقيقية في مجتمعها. لم يعد مجديا للشركات والمصانع والمتاجر الكبرى والمصارف ان تستمر في ممارساتها التسويقية التقليدية ويجب عليها أن تدرج الشأن الانساني والبيئي والاجتماعي ومحاربة الفساد في صلب استراتيجيات اعمالها، اذ ان هذا الامر لم يعد مسألة ثانوية أو مجرد تسويق وعلاقات عامة (طائفية أو مناطقية) للشركة، بل يجب أن تدرجه في صلب أعمالها اليومية ونوعية منتجاتها ونشاطها الاقتصادي.
في لبنان، ارتفعت نسبة المعرفة العامة بحسب الاحصاءات لدى أكبر 500 شركة في لبنان بموضوع المسؤولية الاجتماعية للشركات من 15% إلى 60% ما بين 2010 و2015 (بحسب “سي.أس.آر. ليبانون”)، ويعتبر رئيس غرفة بيروت وجبل لبنان محمد شقير أن “غالبية الشركات الكبرى والمصارف تقوم بمسؤوليتها الاجتماعية حتى قبل انتشار هذا المفهوم عالميا، لأن الانسانية مترسخة فينا وكذلك الروابط العائلية وحب الوطن”.
واذا كانت المسؤولية الاجتماعية ترتب على الشركات اعباء مالية، إلا أنها برأي شقير تساهم في ايجاد بيئة اجتماعية مستقرة قادرة على تحقيق ذاتها، من ضمن عملية تنموية هادفة، لا بد من ان تنعكس في الوقت عينه إيجاباً على اعمال الشركات وايراداتها. وفيما يشير الى تقصير الدولة في واجباتها حيال توفير العيش الكريم لأبنائها، يشدد على الدور الاساسي للجمعيات الخيرية التي تسد هذا الفراغ، علما أن تمويلها هو من الشركات والمصارف.
وفق احصاءات حديثة، فإن 90% من المستهلكين في العالم يعتبرون أنَّ لمنتج شركة ملتزمة اجتماعياً وبيئياً، ميزة تفاضلية عن منتج آخر، وهذه مسألة بديهية برأي رئيس تجمع رجال الاعمال فؤاد زمكحل الذي يشير الى أن من واجب الشركات رد الجميل الى المجتمع الذي أعطاها وجعل ارباحها تزداد، وتاليا عليها أن تخصص جزءا من أرباحها للمساعدة على تنمية مجتمع هي أصلا من صلبه.
وإذ لا ينكر أن كل الشركات هدفها تحقيق الارباح لتطوير نفسها، إلا أنه يلفت الى أن الكثير من الشركات في لبنان تخصص جزءا من ارباحها للأعمال الخيرية حتى وإن كانت لا تعلن عن ذلك. ولا يعتبر أن الامر يجب أن يقتصر على المساعدة بالمال فحسب، بل يجب أن تخصص ساعات وايام من وقت موظفيها ومدرائها للمساهمة في نشاطات انسانية وبيئية وخيرية، لكي يشعر محيطها الاجتماعي أنها جزء لا يتجزأ منه.
ويلفت زمكحل كذلك الى مسؤولية الدولة في مقابل ما تقوم به الشركات حيال مجتمعها، وذلك بتحفيزها على القيام بمثل هذه الاعمال عبر اعفاء الاموال التي تخصص للمسؤولية الاجتماعية والبيئية من ضريبة الارباح.