Site icon IMLebanon

من طرابلس.. 28 ألف طلب جواز سفر للمغادرة!

 

كتبت مرلين وهبة في صحيفة “الجمهورية”:

القلق يخيّم على أهالي عاصمة الشمال بعدما تخطّت أعداد المهاجرين الثلاثة آلاف مع عائلاتهم، في وقت تحدثت معلومات عن ارقام مخيفة تجاوزت الـ28 ألف طلب قدّمت للحصول على جوازات السفر استعداداً للمغادرة.دبّ الذعر بين أهالي مدينة الميناء عند انتشار خبر كاذب عن غرق قارب يقلّ هاربين من المدينة الى اوروبا، وعلى متنه أفراد من عائلة الصيداوي، وقد مرّ الوقت عصيباً قبل التأكد من أنّ جميع المغادرين من طرابلس الى تركيا فأوروبا بخير حتى الآن.

تختصر هذه الحادثة حالة التوتر الشديد الذي تعيشه طرابلس عقب موجة الهجرة الجماعية التي تجلّت مظاهرها بالزّحمة الشديدة عند مرفأ طرابلس أمام السفن المغادرة الى مرافئ تركيا. وكان الملفت تضارب المعلومات عن عدد المغادرين الذين لجأوا الى شبكات التهريب بهدف التخلّص من واقع البطالة والفقر المأسوي الذي تعيشه المدينة.

تجاهل تام للمسؤولين

منذ بداية هذه الموجة، لم يخرج تصريح سياسي لزعماء المنطقة تعليقاً على هذه الأزمة الاجتماعية الخطيرة في عاصمة الشمال وضواحيها في وقت ابتلع نوّاب المدينة ألسنتهم.

تأتي الميناء في طليعة المناطق التي تشهد هجرة جماعية وعائلية، ويتجلّى ذلك باليافطات المنتشرة فيها للإعلان عن منازل ومحال وسيارات معروضة للبيع بأبخس الاسعار.

وبعد الميناء، تحتلّ منطقة “القبة” الدرجة الثانية بحكم وجود أعداد كبيرة من أهلها في المانيا وقد وعدوا بمساعدة المهاجرين في الاقامة والمعيشة في المرحلة الاولى. بعدها تأتي منطقة الزاهرية وحي الحدادين والاسواق الداخلية التي عاشت الويلات نتيجة جولات القتال الطرابلسية، وها هي اليوم تلجأ الى الهجرة هرباً من المجهول بعدما وُعد أبناؤها بفرص عمل بعد الجولات العشرينية، لكنهم لم يتذوّقوا سوى الوعود في وقت هم بأمسّ الحاجة الى لقمة تُشبعهم مع اطفالهم الجائعين.

تشكّل الهجرة حديث الساعة في طرابلس، فمَن استطاع تأمين المبلغ المطلوب والذي يتراوح بين 1000 و 2000 دولار وفق عدد أفراد العائلة، يكون قد أمّن ثمن الرحلة المجهولة النهاية.

مصادر مواكبة كشفت لـ”الجمهورية” عن دفعة جديدة ستنطلق قريباً، منتصف الاسبوع المقبل من منطقة الاسواق الداخلية، وأنّ هناك استعدادات حقيقية للمغادرة في وقت خرق إعلام طرابلس موقعاً جديداً على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو مُغاير لمواقع طرابلس الاخبارية التي كانت تبثّ أخبار جولات القتال.

هذا الموقع يحمل اسم Tripoli Mazad يعرض عبره أهالي المدينة أثاث منازلهم للبيع، وحتى “كراسي الهزاز” للاطفال والالعاب البلاستيكية والاواني المطبخية وذلك بداعي السفر والهجرة.

وفي السياق، أكّدت قريبة احدى العائلات لـ”الجمهورية” أنّ عائلتها باعت أثاث منزلها وكل ما تملك، عبر الموقع المذكور بما فيها “الكرسي الهزاز” لصغيرة العائلة “التي فضّل أهلها ترحيلها مع إخوتها الثلاثة الأكبر منها والمخاطرة بحياتها بالسفر بحراً عوض البقاء والعيش في الذلّ واللاعدالة تحت سماء الوطن”، وفق تعبيرها.

صمت داخلي

قد يبدو طبيعياً عدم تحرّك المسؤولين حتى الساعة وتَخلّي الدولة عن واجباتها للحفاظ على مواطنيها، لكنّ المستغرب أن تقف أجهزتها موقف المتفرّج على مافيا التهريب تسرح وتمرح وتستغلّ مشاعر الناس وحاجاتها عبر استمالتها نحو مصير مجهول وغامض قد يلحق بها ما بين تركيا واليونان.

وفي وقت يتكتّم مخاتير طرابلس عن حقيقة الاعداد المغادرة او الذين يطالبون بأوراق تلزمهم من وثائق وجوازات سفر، هناك من يتحدّث عن طلبات تقدّر بنحو 28 ألف طلب للحصول على جوازات سفر في المدينة، علماً أنّ أصحابها يتخلّصون منها عند الوصول الى مرفأ ازمير، حيث يعمد المهرّبون لمصادرة هذه الجوازات، في وقت يدّعي المهاجرون أنهم من الجنسية السورية وهاربون من جحيم الحرب الداخلية مُحتمين بذلك بقوانين بعض الدول الاوروبية التي تمنح اللجوء الانساني للسوريين، فتمنحهم إقامات موقّتة وتؤمن لهم طبابة وتعليماً وفرَص عمل ورواتب وحتى منازل في المرحلة الاولى.

رحلة الموت

رحلة الموت كما يطلق عليها من تجاوَز هذه المغامرة تبدأ من شواطئ تركيا حيث يُهرّب المواطنون بقوارب صيد او قوارب مطاطية نحو جزر اليونان، ومن هناك ينقلون عبر القطارات أو الحافلات نحو حدود صربيا فمقدونيا والمجر قبل الوصول الى جنوب المانيا حيث يحتشد مئات الآلاف هناك.

كلّ ذلك وسط مخاطر كثيرة تبدأ بإمكانية ملاحقتهم من قبل سلطات هذه البلدان في حال وقوع المهرّبين في قبضة حرس الحدود وإبعادهم قبل الوصول الى الحدود الالمانية، لكن لا تنتهي هناك.

أمّا الأصعب فيُحدثنا عنه اهالي المدينة:

1 – محاولات مشبوهة لبعض عناصر مخابرات حرس الحدود لإغراق القوارب المطاطية الممتلئة عمداً.

2 – وقوع المهرّب في قبضة حرس الحدود في عرض البحر فيجبرونه على الاختيار: امّا العودة أو توقيقه.

3 – إكتظاظ المراكب المطاطية، والثقل الذي يعرّض المركب للغرق بالاضافة الى سوء أحوال البحر والموج الذي قد يتقاذَف المراكب والمهاجرين.

لكنّ الجدير ذكره أنّ هذه المخاطر تبقى “على ذمّة الراوي”، في وقت يخبر “ابو احمد”، وهو سائق أجرة قرب ساحة التل، كيف نجح ابنه (عمر ابو شنب) في الوصول مع زوجته واولاده الى المانيا.

ويقول “أبو أحمد” الذي ذاع صيته بين الناس لـ”الجمهورية” إنّ ابنه باع كل ما يملك بعدما ضاق ذرعاً بالحالة المعيشية، وقد وصله اقتراح للمغادرة الى المانيا، لكنه يجهل في المقابل كيف وَصلها، متمِلملاً من الجيران والاصحاب الذين يتهافتون عليه لطلب المساعدة فيما يُردّد أمامهم دائماً أنه لا يعلم من هَرّب ابنه وكيف.

طرابلس تتخبّط

تعكس هذه الهجرة الجماعية الحالة المأسوية التي تتخبّط فيها طرابلس، والدرك الذي وصلت اليه بعدما بلغت معدّلات الفقر والبطالة أعلى المستويات فضلاً عن الفلتان الامني الذي شهدته طيلة سنوات، ولامبالاة زعمائها وسياسييها لا سيما الذين يتمتعون بقدرات مالية كبيرة ولم يبادروا الى مساعدة ناخبيهم.

وتسجّل في المدينة موجة غضب شديدة على السياسيين بعدما استغلّ بعضهم حال العوز والفقر وسلّحوا مجموعات وفرزوا رواتب لأبناء طرابلس، ثم تخلّوا عنهم عند اول تسوية، من دون أن يقوموا بأدنى واجباتهم لتأمين فرَص العمل لهم عند نجاح الخطة الامنية.

 

من “داعش” الى الهجرة

إلّا أنّ موجات الهجرة الجماعية اليوم ليست جديدة على أهالي طرابلس، إذ انها سجّلت منذ عامين مغادرة مئات الشباب للالتحاق بـ”داعش” و”جبهة النصرة” في سوريا هرباً من الملاحقة الامنية، وهذا يدلّ على أنّ أسباب الهجرة تبدّلت بحكم عوامل وظروف عدة وسط غياب تام للمعالجات الجدية.

فأيّ مصير يخبّئ المستقبل لأهالي طرابلس في الوقت الذي يُشاع أنّ دولة كبيرة أخرى تعتزم فتح باب الهجرة اليها قريباً، وفي ضوء استعدادات داخلية لمئات العائلات التي تتأهّب لحزم حقائبها واللحاق بمَن سبقها؟