IMLebanon

اقتصاد، سياسة… وإعلام

Lebanon-Economy

عاشت البلاد، أخيرا، مرحلة حوار الأقطاب التي دعا إليه، مشكورا، دولة الرئيس نبيه بري، والناس تتطلع إلى إيجابيات، لأن مستقبل لبنان على هذه الطاولة ولن يكون مستقبل إلا بالمحبة والسلام والوعي والتفاهم. وإنني في المناسبة، أتوجه إلى أقطاب الطاولة، بأن يهتموا جدياً بتركيز الوضع السياسي الذي سيعزز وضع الإقتصاد، لأن من شأن ذلك أن يؤدي إلى رفع تصنيف لبنان في اللوائح التي تصدرها مؤسسات التصنيف الإئتمانية العالمية لبلدنا، والتي تتابع عن كثب تطورات الأوضاع عندنا، ما سينعكس عندها إيجابا على مجمل أحوال البلد.
أنا لست سياسيا وكلماتي تنبع بمحبة من القلب، وخصوصا اننا كلنا في هذا الوطن ننشد السلام المفقود، “وليس هناك طريق للسلام، بل ان السلام هو الطريق”.
ووجدت من الضرورة أن أطرح “حاجة الوطن”، من الباب الذي أجد فيه نفسي، حيث مضمار تخصصي، أعني قطاع المصارف، ومن زاوية المؤسسة التي أتولى إدارتها والإشراف عليها، علّ ندائي يلقى سبيلاً الى الآذان.
لقد أصررت بعد تحصيلي الأكاديمي في كندا والولايات المتحدة الأميركية، على العودة الى لبنان، لاقتناعي، يومذاك، بأن باب النجاح مضمون هنا، إذا توافرت له عناصر الإلتزام والتصميم.
وما زلت أشجع الشباب وأؤكد لهم أن لامستقبل لهم إلا في لبنان فهنا الجذور وهنا الأمل.
وأقرنت رهاني بالواقع… جعلنا من مؤسسة مصرفية صغيرة تملكناها عام 1993، وكانت بخمسة فروع وعدد موظفين لا يتجاوز المئة، معلما مصرفيا هنا وفي الخارج، فصارت الفروع تناهز 63 محليا، وفاق عدد الموظفين الألفين وخمسمئة موظف، وانتشرت مؤسساتنا، في لندن وفرانكفورت وقبرص وسلطنة عمان ودبي والدوحة وأبوظبي والسودان ونيجيريا وغانا واوستراليا، رافعة إسم لبنان عالياً، عاكسة الصورة الحقيقية للنجاح الذي يحققه شعب طموح ونشيط، لا ييأس أمام المعوّقات والعراقيل، ويستمر بانياً صروح المجد حيثما حل ووجد.
ما حققناه، فعله سوانا أيضاً، حتى صار القطاع المصرفي اللبناني نجمة ساطعة يتوّهج نورها في كل العالم العربي… بل وأبعد، بفضل إرشادات ورؤية حاكم المصرف المركزي الذي تسلم مؤسسة متواضعة، وجعل منها أرقى وأهم وأسلم مؤسسة، حفظت للعملة الوطنية قيمتها واحتفظت باحتياطي جعلنا الأفضل، بعد دول النفط.
وفي الأرقام أبلغ دليل على السياسَةِ الحكيمة للحاكمية:
إرتفع حجم الودائع في قطاعنا من 6 مليارات ونصف المليار دولار عام 1992 ليقارب 179 مليار دولار أواخر عام 2014، وارتفع حجم الأَموال الخاصة من 122 مليونا عام 1922 الى نحو 20 مليار دولار أواخر 2014، وقفزت ارقام القروض من ملياري دولار تقريباً الى نحو 69 مليار دولار في الوقت نفسه، ما يعني تطوراً كبيراً في حجم الإقتصاد.
ما كنا، لننجز كل هذا لو لم يكن وطننا وطن الخيرات، حيث يمكن البناء وحيث يمكن تسجيل النجاح.
كلماتي هذه إنتفاضة صادقة أريدها في الوجدان، علّها تصل بأمانة إلى ذوي الأمر. فمنذ العام 1992، ونحن نعيش محاولات لإيقاف البلد على رجليه مجدداً، فهل إنتقلت البلاد الى حيث يريدها اللبنانيون؟
لكنني بالرغم من كل ما حدث ويحدث مقتنع بشيء مهم جدا، هو أنه في معزل عن كل المعاناة الإقتصادية والإجتماعية، لا يزال لبنان الأفضل في المنطقة.
صحيح هناك بطالة مرتفعة جعلت لبنان في المرتبة التاسعة بين 18 دولة عربية، وتراوح نسبتها بين 10 و16 في المئة!
صحيح أن ثلث أبناء الطبقة الوسطى هاجروا لبنان لتأمين مستقبل لائق لهم!
صحيح أن عدد اللاجئين في لبنان ناهز المليونين من السوريين والفلسطينيين.
كل هذا صحيح، إلا أن الصحيح أيضاً هو أننا نحن في القطاع المصرفي مثلاً نوجه الدعوات الى أهل الإختصاص للعودة، لأننا في حاجة إلى المزيد من الكادرات المتمكنة لمواكبة التطور الكبير الذي نحققه، وخصوصاً أن القدرات الداخلية المحلية ما عادت تكفي لتلبية حاجات زبائننا الدوليين.

ومن تجربتي ومعرفتي بالواقع الذي أحيا فيه، أجزم بأن الاوان لم يفت بعد: لدينا قطاع خاص مبدع، وقطاع مصرفي نشيط وجاد، واحتياط ضخم في المصرف المركزي، وعلى أهل الحل والربط أن يفسحوا في المجال أمام المقتدرين للعمل، فيوفروا لهم الفرصة للإقدام والإبداع، لأن شبابنا يريد أن يرى بلده بأفضل حال ويريد أن يحيا فيه وأن يوفر حياة فضلى ومستقبلاً نيراً له ولعائلته.
من هنا ندائي الصادق إلى أهل الصحافة والإعلام.
لنشبك قدرا

تنا، علّنا، بمساعدتكم، نتمكن من توجيه صرخة وعي الى المسؤولين:
لماذا هذا التجاذب؟ لماذا هذا التعارض وهذا التضارب والتموضع بينكم؟
إنكم، بما تفعلون، تسهمون في خلق حال من النزاع والصراع بيننا، فيما اللبنانيون شعب واحد لا خلاف بينهم. لا بل أن الطوائف اللبنانية متداخلة إجتماعيا وعائليا ومهنيا، ومترابطة بشكل متين ولا يمكن فصلها. مزقوا صفحة الخلاف من كتابكم…
تصالحوا في ما بينكم، لا حاجة لكم إلى دوحة او جنيف او لوزان أو طائف أو سواها، إلتقوا في أي بقعة من وطننا الجميل، بقلوب منفتحة، إشربوا نخب الوطن ونخبكم. فبذلك تضمنون نهضة لبنان!
لقد آن الأوان للمسؤولين كي يلتفتوا الى الإقتصاد، فالسياسة هي “درس عملية توزيع القيم والامكانات الإقتصادية من أجل الدولة والشعب”. إنها رسالة، بل هي دعوة ينذر لها السياسي نفسه، من أجل تحقيق الحياة الفضلى لشعبه ولمجتمعه ولوطنه!
فلنجعل من السياسة عملاً منتجاً اقتصادياً وعندها سيرى الجميع معنى عبارة “الأعجوبة اللبنانية”.
والمطلوب من السياسيين، اطلبه من الإعلاميين أيضاً، إذ عليهم مسؤولية تاريخية جسيمة من خلال دورهم في تهيئة الأجواء والعمل على تقريب وجهات النظر وإبراز الإيجابيّات.
من هنا ندائي للاعلاميين صناع الرأي العام، دورُكم البنّاء مطلوب اليوم أكثر من أي وقت مضى، كي تكونوا القاطرة التي تقود البلاد نحو الأحسن ونحو ما يطمح إليه اللبنانيون ويتمنّون تحقيقه.
ختاماً أؤكد:
ان ايماننا بانفسنا، وايماننا بلبنان وايماننا بالدولة لن يتزعزع، وهو مثلث الخلاص!
سليم صفير
رئيس مجلس إدارة “بنك بيروت”