تركي التركي
الأزمة السورية وما نتج عنها من تهجير ونزوح جماعي استطاع إثارة القلق الأوروبي والغربي كما لم تفعله آلاف مؤلفة من ضحايا النظام والإرهاب، العرب منهم والغربيون. وهذا مثال اقتصادي وحيد ضمن عديد من الأمثلة والحوادث يمكن عبره إدراك أهمية البعد الاقتصادي الداخلي وتأثيره في القرار السياسي الخارجي. فوفقا لمراقبين سياسيين تأتي قمة العشرين والغرب متقبلة لمناقشة الأزمة السورية وبذل مزيد من الحلول والضغوط نتيجة لما أثارته “أزمة الهجرة” من تداعيات وانقسامات في الداخل الغربي.
سياسة الاقتصاد
إعلان
ويبقى السؤال مطروحا هل يفلح الاقتصاد فيما عجزت عنه السياسة؟ أمر ليس بالمستبعد خصوصا إذا ما علمنا أن محددات السياسة الخارجية لكثير من الدول والإمبراطوريات على مرّ التاريخ غالبا هي محددات وعوامل اقتصادية بالدرجة الأولى.
من جهتها، تطرح مجموعة العشرين هذا العام موضوعي المنشآت الصغيرة وتقليص البطالة كمفاتيح اقتصادية، كما تقدم “التوازن” و”القوة” كشعارين رئيسين لضبط الاقتصاد العالمي. وهنا تجدر الإشارة إلى أن الحلول الاقتصادية والمناطق الآمنة إذا ما تفعّلت أو حتى انطلقت، على أقل تقدير، كفيلة بوضع كثير من الأمور الاجتماعية على المسار الصحيح، ما يعني إرهابا مقيّدا ونزوحا جماعي أقل، مقارنة بما يحدثه القصف اليومي والعشوائي للنظام من جهة، وما تفعله الجماعات الإرهابية من قتل واستقطاب في الوقت نفسه من جهة أخرى.
إلى ذلك، تسربت أنباء عن تقارب أمريكي تركي حول إقامة منطقة آمنة بين سورية وتركيا، يُحظر الطيران فيها، وهي المنطقة التي لطالما عارضت دول إقليمية وغربية وجودها. مبررين هذا الأمر بالخوف من تحولها لمحاضن إرهاب. علما بأن الإرهاب هو الملف السياسي الأول المطروح في هذه القمة الذي لا يخلو هو أيضا من تداعيات اقتصادية مباشرة ومتفاقمة ألقت بظلالها على أسواق الطاقة والتجارة. فالنفط الرخيص المهرب، والخطف المتكرر وطلبات الفداء، والممرات غير الآمنة جويا وبريا. كلها نتائج اقتصادية سيئة لسطوة “الإرهاب” وتفشيه في دول فقدت السيطرة الأمنية الكافية على أراضيها، ما أدى إلى تهديد حقيقي مباشر استشعرته الدول المجاورة فورا، بينما أخذت الدول البعيدة وقتا أطول حتى تفاقمت الأزمة لتعلم مدى تأثير هذا الأمر فيها وفي اقتصاداتها.
اقتصاد الإرهاب
هذا التهديد الإرهابي، بكل أشكاله، سابق للمنطقة العازلة التي يخشاها الممانعون، لذلك لا يجد فيها مختصو اقتصاد وسياسة أي مخاوف مبررة لتفشي إرهاب متمكن ومتغلغل سلفا، بقدر ما يجدون فيها منطقة آمنة مراقبة تحقق – إذا ما أُقرت – الكثير من الفوائد الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. فالمنطقة الآمنة بوضعها تحت إشراف دولي اقتصاديا وسياسيا يمكنها من أن تخفف من حجم النزوح الجماعي الذي تعانيه كثير من الدول المجاورة والبعيدة. وستكون، بدورها، حلا عمليا في مواجهة اقتصاد الظل والأسواق السوداء الناشئة تبعا لهذه الأزمة. كما أنها سياسيا توفر ورقة ضغط كبيرة على النظام، وأعوانه من الدول والميليشيات. طالما بقي أصحاب الحق من أفراد الشعب السوري قريبين من حقهم ومن بلادهم، على أمل العودة وانفراج الأزمة.
وتظل المملكة العربية السعودية بثقليها السياسي والاقتصادي تعي أثر مثل هذه اللقاءات وأهميتها لذلك جاء التمثيل لهذه القمة على أعلى مستوى سياسي ممثلا في خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز. وكما التفتت المملكة ولفتت نظر المجتمعين في إعلان الرياض الأخير، خلال القمة العربية اللاتينية، إلى قضية الشعب الفلسطيني وما يدبر له من قبل المحتل الإسرائيلي من جهة، وإلى حقّ الإمارات العربية الشقيقة في جزرها الثلاث أمام أطماع إيران التوسعية من جهة أخرى، فإنه لن يكون ببعيد أو غريب عن قيادة المملكة واهتمامها المتواصل بالأشقاء العرب والمسلمين، وفقا لكثير من المراقبين والمتابعين، طرح قضية الشعب السوري وحقه في العيش حرا كريما، بالشكل الفاعل والمناسب، أمام هذا المحفل الأقوى والأهم عالميا.