سلوى بعلبكي
بعد الأزمة المالية عام 2008، بدأ الاهتمام الدولي يتزايد بالمستهلك الذي يستخدم الخدمات المصرفية، فصدرت تشريعات وقرارات لحماية مصالحه والحد من إمكانات المصارف بالتعامل الاستنسابي مع زبائنها.
أصدر حاكم مصرف لبنان رياض سلامة تعميماً حمل رقم 134 طلب فيه من المصارف والمؤسسات المالية العاملة في لبنان تثقيف العملاء وإطلاعهم بوضوح ودقة على حقوقهم والشروط والمنافع والمخاطر المتعلقة بكل منتج أو خدمة، فكيف تطبّق المصارف هذا التعميم وهل من معوّقات تواجهها؟
يشير المدير العام لبنك لبنان والمهجر المسؤول عن الصيرفة بالتجزئة الياس عرقتنجي الى أن “لبنان والمهجر” بدأ تطبيق التعميم عمليا في حزيران الفائت حين أسس دائرة حفظ حقوق العملاء، ولفت الى انها تشرف على وضع السياسة والاجراءات للتعامل المصرفي مع العملاء وتحرص على تطبيق الملاءمة، كما تتلقى مراجعات الزبائن وتعمل على معالجتها بطريقة عادلة ومنصفة وعاجلة. تتبنى هذه الدائرة، وفق عرقتنجي، تثقيف العملاء وتوعيتهم عبر سلسلة حملات مباشرة أو غير مباشرة، مؤكداً أن ادارة المصرف لم تواجه حتى الآن أي معوّقات في تطبيق تعميم مصرف لبنان مع العملاء.
ورغم أن “لبنان والمهجر” يتعامل دائماً بإيجابية مع العملاء في شأن مراجعاتهم، جاء هذا التعميم ليضيء على كيفية تقديم الشكاوى مما شجع العملاء للإفصاح عن مراجعاتهم. وهذا الامر يعتبره عرقتنجي، عاملاً إيجابياً كونه يعزز التواصل مع الزبائن.
واذ يقر ان كلفة المنشورات والمطبوعات ازدادت من جراء متطلبات التعميم، إلا أنه يعتبر أن جزءاً منها لا بد من وجوده، على سبيل المثال ملخّص الـ “key facts”، كونه يوضح الاتفاقات المعقودة مع العملاء عبر تزويدهم المعلومات الدقيقة والواضحة والكافية عن شروط المنتجات أو القروض ومنافعها ومخاطرها. ورغم ذلك يتمنى ان تتجه الخطوة المقبلة نحو تخفيف استهلاك الورق والاتكال على الوسائل الالكترونية “Paperless” ليس بالنسبة لهذا التعميم فحسب، بل لكل الاجراءات المصرفية اسوة بما يحصل في معظم الدول المتقدمة.
الموارد: لا شكاوى حتى الآن
يشيد المدير العام لبنك الموارد مروان خير الدين في مستهل حديثه بسياسة مصرف لبنان الذي يؤدي دور الراعي الأكبر والحريص الأول على سمعة القطاع المصرفي وأداء المؤسسات المالية في لبنان. من هذا المنطلق، تبرز أهمية مضمون التعميم الأساسي رقم 134 الذي سلط الضوء على حقوق المصارف والمؤسسات المالية وواجباتها من جهة، وزبائنها من جهة أخرى. لذا أنشأ بنك الموارد دائرة تعنى بتطبيق “سياسة أصول إجراء العمليات المصرفية والمالية مع الزبائن” ترتبط هيكلياً بالمدير العام وتعمل بإشرافه، وتبقى مستقلة بعملها استقلالاً تاماً عن الدوائر المعنية بتنفيذ العمليات المصرفية والمالية. وقد تم تعزيز هذه الدائرة بالموارد البشرية والتقنيات الضرورية لأداء واجبها على اكمل وجه. وتعقيباً على أحكام المادة الثالثة من التعميم المشار إليه أعلاه، عمد المصرف إلى وضع الإجراءات المتعلّقة بسياسة أصول إجراء العمليات المصرفية والمالية مع الزبائن موضع التنفيذ مع الأنظمة المعلوماتية اللازمة لتطبيقها.
وإذ اشار الى أن الموظفين المعنيين باشروا الاستحصال على تواقيع الزبائن على “لائحة حقوق وواجبات العميل” التي تلاقي ترحيباً منهم، لاحظ خير الدين أنه لم تسجل لدى الدائرة المعنية أي شكوى حتى الآن، علماً أن المصرف قام بتزويد الفروع لوائح إلكترونية IPAD مخصصة للتبليغ عن أي شكاوى أو إيصال أي اقتراحات، إضافة إلى خط ساخن وعنوان بريد إلكتروني.
وبما أن بنك الموارد يحرص “على نحو دائم على المحافظة على العلاقات الجيدة والمتينة مع زبائنه وعلى تطوير خدماته المصرفية”، فإن مسألة الكلفة العالية المتعلقة بتطبيق مضمون هذا التعميم، تصبح وفق خير الدين “غير ذات أهمية إذا أخذنا في الاعتبار مخاطر السمعة والخسائر المادية والمعنوية التي يمكن أن يتكبدها المصرف من جراء عدم الالتزام والتقيد بتنفيذ تعاميم مصرف لبنان التي تهدف دائماً إلى حماية القطاع المالي عموما والمصرفي خصوصا، ومن جهة أخرى المنافع المالية والمعنوية التي قد تحصدها المؤسسة المصرفية والناتجة من تطبيق مضمون هذا التعميم، إن حيال كسب رضى الزبائن الحاليين أو حيال اجتذاب زبائن جدد يشعرون بطمأنينة وأمان التعامل مع مصرفنا”.
عوده: لا معوّقات في التطبيق
يهدف التعميم 134 إلى نشر ثقافة التعامل الشفّاف والعادل بين المصارف والعملاء، والسعي إلى بناء علاقة واضحة مبنيّة على أسس مهنيّة، والارتكاز على مبدأ الملاءمة عند بيع كلّ منتج إلى أيّ عميل كان. وهذه الأسس والمبادئ تساهم، برأي مساعد المدير العام في بنك عوده حسن صالح، في بناء علاقة متينة وواضحة بين المصارف وعملائها. وتكمن أهميّة هذا التعميم في أنَّه شكّل مرجعيّة عند مصرف لبنان ولجنة الرقابة للحرص على حسن تطبيقه، باعتباره رسالة موجّهة إلى كل العملاء للحرص على توفير الحماية المصرفيّة لهم.
أمّا بالنسبة إلى بنك عوده، فيشير صالح الى إنّ “الشفافيّة هي إحدى قيم مؤسّستنا المعلَنة منذ اعوام عدّة، كما ان المصرف كان قد أطلق سابقاً حملة إعلانيّة بإسم “بكلّ وضوح”، هدفها إبراز مدى اهتمام المصرف براحة العملاء وإقامة أحسن العلاقات معهم على مبدأ الوضوح والشفافيّة، بما يؤكّد حسن خياراته السابقة ووضعها في الإطار القانوني الصحيح عبر هذا التعميم.
وبما ان نقطة الارتكاز في هذا التعميم هي روحيّته المتمحورة على الشفافيّة والعدل والملاءمة، ونشرها بين العملاء والموظّفين، قام بنك عوده بتبديل بعض المطبوعات لإتمام كل الإجراءات التنفيذيّة التي طلبها التعميم، مستندا إلى رسالة واضحة بالالتزام وجّهها المدير العام للمصرف إلى مديري الفروع ورؤساء الأقسام. أمّا بالنسبة إلى العملاء، فيلفت صالح الى ان لا معوّقات أساسيّة في تطبيقه إلاّ الشيء البسيط مع بعض العملاء الذين لا يريدون أن يقرأوا ولا أن يسمعوا شروحات الموظّفين، مؤكّدين ثقتهم بالمؤسّسة. إلاّ أنّ تطبيق هذا التعميم حيال الاستحصال على توقيع العملاء كل المستندات المطلوبة سيتطلّب وقتاً طويلاً، نظراً الى العدد الكبير من العملاء الذين لا يزورون المصرف إلاّ نادراً، مستفيدين من استعمال الوسائل الإلكترونيّة (ATM – ITM – Audi OnLine… )، إضافةً إلى المسافرين خارج البلاد.
ليس خافيا أن التعميم كبّد المصارف أكلافاً مالية، ولكن يرى صالح انّ كلفة تعديل بعض المنشورات وكلفة صناديق الشكاوى وملحقاتها، إضافةً إلى كلفة تدريب الموظّفين لتعزيز قدراتهم وخبراتهم المهنيّة، لا تقارَن مع أهمية تطبيق مبادئ هذا التعميم.
ولكن ماذا لو أخلّت المصارف بواجباتها حيال المستهلك، هل من عقوبات تفرض عليها؟ تشير مصادر مصرف لبنان الى أن المادة 208 من قانون النقد والتسليف تنص على عقوبات ادارية للمصارف يتم اللجوء اليها في حال تخلف اي من المصارف عن اداء اي موجب بتعميم معين. وترفع لجنة الرقابة بدورها تقريرها الى الحاكم الذي يقرر ما اذا كان المصرف في حاجة الى معاقبة أم لا.

