Site icon IMLebanon

موسكو من دمشق: أمن إسرائيل أولاً

 

كتب جورج شاهين في صحيفة “الجمهورية”:

لم تتوقّف المراجع الديبلوماسية أمام كثير من السيناريوهات الخاصة باغتيال اسرائيل لسمير القنطار في سوريا. فكل التوقعات كانت تقول إنّ الرجل مستهدف، ولكن أن يقتل في قلب دمشق في زمن الإدارة الروسية للأجواء السورية تحت غطاء الـ(S 400) فمسألة أخرى لا تشبه أي حدث آخر. هل أذنت موسكو بالعملية؟ ام انّ تل ابيب تسللت من تفاهمها معها؟ليست المرة الأولى التي يستهدف فيها سمير القنطار، فإسرائيل اعتبرته هدفاً مشروعاً منذ اللحظة التي اطلقت سراحه في اكبر عملية تبادل مع حزب الله عام 2008. وقد نجا من سلسلة عمليات أبرزها عندما استهدفت موكباً ظنّت أنّه عائد له في مدينة القنيطرة قبل 11 شهراً فقتل فيه جهاد عماد مغنية وضابط ايراني وآخرون.

كانت العملية التي استهدفته في حينه بلا ضوابط روسية كتلك القائمة اليوم. وكانت اسرائيل تتمتع بحرية الحركة على طول الخط الموازي لهضبة الجولان المحتلة بعد انسحاب قوات المراقبة الدولية، وباتت على تماس مع مجموعات من المعارضة السورية بعدما فقد النظام سلطته على كامل المنطقة.

وتعترف مراجع ديبلوماسية انه لا بد من مساءلة «حزب الله» للقيادة الروسية بشأن الظروف التي رافقت العملية أيّاً كانت الوسيلة المعتمدة فيها. فلا فرق ان تكون إسرائيل قد استخدمت في عمليتها طائرة او صواريخ موجهة.

فهناك صواريخ او طائرات خرقت المجال الجوي السوري الذي أقفلته روسيا على حلفائها والحلف الدولي. وقد تمّ تحديد خطوط ومسارات لطائرات الحلف الدولي في حربه على «داعش» سواء انطلقت من الغرب أو الشرق والشمال التركي قبل إقفاله عقب سقوط طائرة «السوخوي» فوق جبل التركمان الشهر الماضي.

وعلى هذه الخلفيات، تتبادل الحلقات الديبلوماسية والعسكرية الضيقة معلومات عن الظروف التي دفعت الى العملية تمهيداً لتبريرها من الجانب الروسي أمام أي طرف ولا سيما الحلفاء من «حزب الله».

فاستهداف القنطار لا يتصل بمجريات العملية العسكرية التي يخوضها الحزب والجانب الروسي ضد المعارضة بقدر ما استهدفت شخصاً يقود عمليات عسكرية او يستعد لها في الجولان السوري المحتل وهو ما يدخل في نطاق الأمن القومي الإسرائيلي لا الأمن السوري او الروسي.

وفي مجال التبرير، يمكن العودة الى التفاهم الروسي – الإسرائيلي الذي تمّ التوصّل اليه قبَيل دخول الروس مجرى العمليات العسكرية في المنطقة مطلع تشرين الأول الماضي. وهو راعى الأمن القومي الإسرائيلي وتركَ لتل أبيب هامشاً للمناورة والتدخل بما يضمن أمنها من دون التعاطي بالشأن السوري الداخلي.

ومن هذه الزاوية وحدها يمكن فهم الإذن الروسي لإسرائيل بتنفيذ العملية إذا تمّ ذلك. فهناك من الخبراء العسكريين من لا يصدّق انّ إسرائيل قررت تنفيذ هذه العملية من دون التنسيق المسبق مع القيادة الروسية وقبل ان تُحدّد توقيتها وهدفها، وهو أمر شبه مسلّم به ولا يخضع للكثير من النقاش.

فبمجرّد أنها ستستخدم الأجواء السورية التي تعج بكل أشكال الطائرات الروسية وغيرها، عليها طلب الإذن بها او الإبلاغ عنها وخصوصاً أنّ الطائرات الروسية كانت قد نفّذت غارات على ريف دمشق قبل وقت قصير من عملية جرمانا.

وعلى هذه الأسس، يمكن القول انّ العملية جرت من ضمن الضوابط التي التزمتها كل من تل ابيب وموسكو، فالأمر منوط بأمن الدولة العبرية التي ضمنته موسكو قبل التفاهم على حجم عملياتها في سوريا ومجالها، وهو أمر صرّحت به اسرائيل سلفاً وعملت بموجبه عندما استهدفت شبكات لصواريخ في محيط مطار دمشق ومنطقة القلمون السورية في ظل الرعاية الروسية لأجوائها، ليس لأنها من عدة الأسلحة في الصراع السوري الداخلي بل لأنها من الأسلحة الكاسرة للتوازن بين «حزب الله» واسرائيل.

وبناء على ما تقدّم، لا تغفل المراجع الديبلوماسية في قراءتها للحادث، أهمية وجود من يرشد الإسرائيليين الى تحركات مطلوبيها من كل الأوزان ويرصد تحركاتهم بدقة داخل الأراضي السورية، وهو أمر لا تقل أهميته في مثل ما حصل عمّا يمكن التسليم به بأنّ موسكو ترى انّ أمن إسرائيل أولاً هو فوق كل اعتبار، فكيف إذا كان الأمر يتصل برسالة موجّهة بالدم الى «حزب الله» ومن خلفه لإيران لاحتساب المهلة القصوى لاستمرارهما في دورهما داخل سوريا في ضوء القرار 2254 الذي تحدث عن وقف للنار يمهّد لحكومة جديدة وانتخابات رئاسية برعاية أممية، ما يستدعي انسحاب القوى الخارجية من الأراضي السورية؟