IMLebanon

قانون الإثراء غير المشروع خطوة تُعزّز الشفافيّة

lebanese-parliament
ميليسا لوكية
ليس الفساد ظاهرة بعيدة من لبنان بل هو مرض متفش في مؤسساته، جعله يتصدّر مراتب متقدمة ضمن لوائح الدول التي تغصّ بمختلسي ثرواتها. وفي حين ضجّت بيروت خلال الصيف الماضي بالتظاهرات المطالبة بإعادة إحياء مفهوم المساءلة، تعمل اللجنة الفرعية المنبثقة من لجنة الإدارة والعدل على إضافة تعديلات على قانون الإثراء غير المشروع، في خطوة تشكل نقطة إيجابية في تاريخ البلاد الحافل بالفساد.

لو وُجد في لبنان ما يُسمّى بالمساءلة وتمت ملاحقة من أُهدر أمواله العامة، لتجنّب مواطنوه بعضاً من مشكلاتهم العديدة، كالأزمة المعيشية، النفايات، الكهرباء، المياه وغيرها. ورغم أنَّ البنك الدولي حذّر لبنان قبل اعوام من عواقب استمرار تفشي الفساد، واصفاً الوضع الاقتصادي بالسفينة المثقوبة، يبقى الإيمان بإمكان سدّ عدد من هذه الثقوب قائماً، في ظلّ الجهود الرامية إلى إقرار قوانين تعزز الشفافية. وتجهد اللجنة الفرعية المنبثقة من لجنة الإدارة والعدل، برئاسة النائب غسان مخيبر، في صوغ تعديل كامل لقانون الإثراء غير المشروع، يتضمّن نظاماً جديداً للتصريح عن الذمة المالية.
ويشرح مخيبر لـ”النهار” أنَّ اللجنة وصلت إلى المراحل النهائية في هذا المجال، إذ عقدت 20 اجتماعاً حتى الآن، مستعينة أثناء عملية الصياغة باختصاصيين عالميين وممثلين عن مختلف الوزارات المعنية، خصوصاً وزارتي العدل والتنمية الإدارية، الهيئة المصرفية الخاصة، البنك المركزي والهيئات الرقابية والإدارية. وقد انطلقت اللجنة الفرعية من عمل كانت قد بدأته لجنة الإدارة والعدل قبل أن تلاحظ، وفق مخيبر، أنَّ القانون الحالي “لا يتضمّن أحكاماً لجريمة الإثراء غير المشروع”، التي يعرّف عنها اتفاق الأمم المتحدة لمكافحة الفساد بأنَّها “الزيادة الكبيرة في الثروة المتكوّنة لموظف لا يمكن أن يبرّرها تبريراً معقولاً نسبة الى مداخيله المقبولة”. ويضيف أنَّ القانون اللبناني “لا يتضمن شيئاً من هذا القبيل، لأنَّه يكتفي بالمواد المتعلّقة بجرائم أخرى يصعب إثباتها وتحريك الدعوى في شأنها”.
ويرى أنَّ النظام الموجود للتصريح عن الذمّة المالية هو أصلاً “من أسوأ الأنظمة الموجودة في العالم، بفعل عدم جدواه، وعدم شفافيته وفاعليته”.
إنطلاقاً مما تقدّم، تسعى اللجنة إلى إضافة التعديلات الآتية على القانون: صياغة جريمة الإثراء غير المشروع صياغة صحيحة تتوافق مع التعريف الوارد في اتفاق الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، تبسيط أصول الملاحقة وتحريك الدعوى وتفعيلها، فضلاً عن وضع نظام جديد للتصريح عن الذمة المالية يتميّز بشفافية وفاعلية أكبر، اذ تكون التصريحات عن كامل الذمة المالية والمداخيل دورية ومقدّمة إلى الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد التي ينشئها اقتراح قانون قيد الإنجاز، علماً أنَّ هذه التصريحات لا تقتصر على مرحلتي دخول الوظيفة والخروج منها فحسب، وتكون خاضعة للرقابة حيال مضمونها.
ويشير مخيبر إلى أنَّ لجنة الإدارة والعدل واللجنة المتفرعة منها تعملان على سلة متكاملة من القوانين التي تشكل في ما بينها “رزمة لمكافحة الفساد، على أن يكون القانون الجديد للإثراء غير المشروع مستنداً إلى مجموعة أخرى من القوانين”، مضيفاً أنًّ لجنة الإدارة والعدل تعمل على تطوير القوانين المتعلقة بالقضاء الإداري والعدلي.
أبرقت جمعية “سكّر الدكانة”، الناشطة في مجال مكافحة الفساد ووضع حد له، إلى الجهات التي تتلقى التصاريح عن الذمة المالية، كمجلس القضاء الأعلى ومجلس شورى الدولة، في 21 كانون الأول الجاري، للحصول على إجابات عن أسئلة عدّة تساعدها في تعزيز محاولاتها للدفع نحو إقرار قانون الإثراء غير المشروع وتطبيقه.
وتلخص نائبة رئيس الجمعية كارول شرباتي لـ”النهار” هذه الأسئلة بالآتي:
– ما هي الإجراءات التي ستتخذونها لتطبيق أحكام قانون الإثراء غير المشروع؟
– من هو المسؤول عن متابعة تطبيق هذه الإجراءات؟ وهل طوّرتم برنامجاً الكترونياً لذلك؟
– ما هي نسبة الذين يلتزمون إيداع التصاريح ضمن المهل الزمنية المحددة؟ وما هي أسماؤهم؟
– ما هي الاجراءات التي تتخذ في حق المتخلفين عن تقديم التصاريح؟
– هل تحققون بمظاهر الثراء غير المشروع للأشخاص الذين يخضعون لموجب التصريح لديكم؟ وكيف؟
– هل يلتزم هؤلاء تقديم تصريح عن ذممهم المالية بعد انتهاء خدماتهم وفق ما جاء في المادة (4) من القانون البند؟ ومن هم الأشخاص الذين لا يلتزمون ذلك؟
– هل لديكم أي ملاحظات عن كيفية تطبيق وتطوير قانون الإثراء غير المشروع في لبنان؟
وتشير شرباتي الى انَّ الجمعية في انتظار وصول الرسائل إلى كل الجهات المعنية، لتتمكن من التعاون معها في هذا المجال.
من جهته، يرى رئيس منظمة “جوستيسيا” الحقوقية بول مرقـص أنَّ “السياسيين لن يستعجلوا إقرار قانون السلطة القضائية المستقلة، فإذا لم يقرّوا قانون الانتخابات النيابية، لن يقروا قانون السلطة القضائية”، متسائلاً “هل سيخوّلون القضاء أن يحاسب متولّي السلطة بموجب قانون السلطة القضائية المستقلة إذا لم يخوّلوا الناس محاسبتهم بموجب قانون الانتخابات النيابية؟”.
ويلفت الى انه ينبغي على القضاء التحرّك لمكافحة الفساد في ظلّ التشريع الحالي، وريثما يتطوّر التشريع عبر خطوات هي إعلان مجلس القضاء الأعلى وتوقيع رئيسه وأعضائه على مدوّنة شرعة سلوك يتعهّدون بموجبها عدم تبوّؤ أي مركز عام في الدولة لقطع المجال أمام مسايرة القضاة للسياسيين لطمع في منصب وزير أو نائب أو سواه، تلقّف القاضي أي شكوى أو إجراء من أي نوع كان لمكافحة الفساد والمضي بها حتى الخاتمة السعيدة. وإذ استغرب أن ينص قانون الإثراء غير المشروع، المعدّل عام 1999 من دون أن يحظى بفرصة التطبيق خلال 70 سنة من صدوره، على كفالة مصرفية بقيمة 25 مليون ليرة يودعها الشاكي ضمانةً لشكواه، تساءل “هل يعقل أن يحكم بالغرامة بما لا يقلّ عن 200 مليون ليرة وبالحبس معاً إذا كُفت التعقبات أو منعت المحاكمة عن المتهم؟”.